رسائل تُقرأُ من عناوينها

جومانة نمور

“تحالف غير عادي ما بين بعض اعضاء من الكونغرس الاميركي والمتشددين في ايران” أشار اليه الرئيس الاميركي باراك أوباما، مسبغا عليه صفة “السخرية”، فهل أصاب في الوصف؟ أم أن التقاء مصالح “الصقور” ليس فقط في الولايات المتحدة وإيران، بل حتى في إسرائيل، يجعل أي “تحالف” ولو غير مباشر بين هذه الاطراف، أمرا أكثر من عادي؟

الكلام الاوبامي الاخير جاء في معرض التعليق على رسالة وجهها سبعة وأربعون عضوا من المشرعين الجمهوريين الى قادة ايران، حذروهم فيها من المضي قدما في أي اتفاق مع الولايات المتحدة. قائلين أن أي معاهدة بحاجة الى مصادقة ثلثي اعضاء الكونغرس (وهذا شبه مستحيل مع السيطرة الحالية للجمهوريين). أما في حال اللجوء الى اتفاق دولي، فان مصيره قد يكون الوأد بشطحة قلم من أي رئيس أميركي مقبل.

موجة من التهكم على الرسالة انطلقت على ألسنة مسؤولين ديمقراطيين، ومحللين أميركيين. لكن الرد الأقوى أتى من وزير الخارجية الايراني، محمد جواد ظريف، في ما يشبه درسا بالقانون الدولي والالتزامات الاميركية تجاهه (علما أن هناك جدلا دستوريا أميركيا حول حق الرئيس في التوقيع). فيما استمر تضارب التحليلات حول امكانية التوصل الى اتفاق إطار نووي خلال الاسبوعين المقبلين، بعد ما يمكن تسميته بتداعيات الرسالة. ذلك أن الجبهة الديمقراطية، بدت موحدة أكثر من أي وقت مضى خلف سيد البيت الابيض. فين حين عضّ بعض الجمهوريين المخضرمين على الجرح قائلين، انه كان بالامكان اعتماد وسائل أنجع في مقاربة الموضوع.

في المقلب الآخر، برزت مؤخرا تحليلات إيرانية محلية، حاولت الالتفاف على أي “استثمار روحاني” لتقدم محتمل في الملف النووي داخليا. فالانتخابات البرلمانية على الابواب، وأي رفع لعقوبات تعطي كمية من الاوكسجين للاقتصاد الايراني المنهك، قد ينعكس زخما شعبيا يحصده الرئيس الايراني على حساب القوى المتشددة، ويحوله بطلا قوميا. صفة كفيلة باعطاء التيار المعتدل عددا أكبر من النواب في البرلمان الجديد، وبالتالي تجنيب روحاني المحاسبات والمساءلات التي تكبل يديه حاليا. الأمر الذي يمكن أن يغير في المشهد الايراني على أكثر من صعيد، احدها الاقتصادي. ويشكل خسارة لرموز في التيار المتشدد استفادت حصريا من العقوبات المفروضة على البلاد، بحسب مراقبين.

بين هذا وذاك، تعيش منطقة الشرق الأوسط مرحلة غليان غير مسبوقة، تغلب فيها التأويلات على تحليلات منطقية، قد يكون الوصول اليها صعبا قبل اتضاح الخيط الابيض من الاسود. من اليمن الى سوريا مرورا بالعراق، ميدان يتغير على وقع تطورات “لعبة جيوسياسية” ما زالت قطبها مخفية. رأس جبل الجليد، مسار المفاوضات النووية الايرانية. أما قاعدته، فلا تقل عن مصير المنطقة وتقاسم قواها الاقليمية جبنة نفوذ أميركي، قد يتضاءل مع النية المعلنة للاستدارة نحو الباسيفيك.

إذا ما صح ذلك، قد يصبح لخطاب نتنياهو الأخير أمام الكونغرس الأميركي معنى إضافيا يتخطى الخوف الأمني من امتلاك إيران قنبلة نووية، ليصل الى خوف على نفوذ ودور اعتقد اللاعب الاسرائيلي ( الطفل المدلل لاميركا تاريخيا) أنه سيكون له حصريا. وقد يصبح امتعاض الجمهورييين من انفتاح أوباما على إيران ( وصل حد التنسيق معها على الارض عمليا في العراق)، امتعاضا من تخل طوعي عن نفوذ لصالح اطراف اقليمية في منطقة لا زالوا يعتقدون بضرورة التواجد فيها بقوة. وقد يصبح مبررا حينها ايضا، تخوف بعض القوى الايرانية الحالمة بعودة أمجاد الامبراطورية الفارسية، من دخول ايران في منظومة عالمية واحدة مع الغرب، بم يمكن ان يغير وجه الجمهورية الاسلامية ويؤدي الى فقدان فئة لامتيازات تمتعت بها لعقود.

من هنا إمكانية ان يصبح الحديث عن “تحالف الصقور” أمرا أكثر من عادي، ولو لم يكن تحالفا بالمعنى التقليدي. وتصبح السخرية عندها، هي الالتفات الى ما يجمع أعداء، تعودنا النظر تاريخيا الى ما يفرقهم.

السابق
عمار: لا يوجد إنفلونزا خنازير في لبنان
التالي
الجيش: دورية راجلة للعدو الاسرائيلي خرقت خط الانسحاب في بسطرة