هل أطاحت ضغوط السلفيين جابر عصفور؟

حتماً لم يتمكن جابر عصفور من إتمام «المهمة الوطنية»، التي قال إنه قَبِل منصب وزير الثقافة في حزيران (يونيو) الماضي ليقوم بها، ولا أحد يعرف ماذا سيكون مصير ما أنجزه منها، خصوصاً ما يتعلق بما أسماه «المنظومة الثقافية الجديدة للدولة»، والبروتوكولات التي جرى إبرامها مع وزارات عدة في هذا الشأن، لمواجهة الخطاب الديني المتشدد، ومشروع «ترشيد» النشر الحكومي، والتعديلات التي أدخلها على إدارات مجلتي «إبداع و»عالم الكتاب»، وجريدة «القاهرة»، والمجلس الأعلى للثقافة، والهيئة العامة لقصور الثقافة، التي أقال رئيسها السابق الشهر الماضي إلى النيابة بتهمة «تسهيل الفساد»، وقطاع «العلاقات الثقافية الخارجية، وغيرها، وكذلك «ملتقى القاهرة للرواية»، الذي عمل على إحيائه وأشرف على الإعداد لدورة جديدة منه، يفترض أن تنطلق منتصف الشهر الجاري.

وكان عصفور، الذي أطاحه أول من أمس تعديل وزاري مفاجئ، «هدفُه الدفعُ بدماء جديدة»، ألمح أخيراً إلى أنه سيترك المنصب عقب إجراء الانتخابات البرلمانية، التي أرجئت، بعد ثبوت عدم دستورية إجراءات قانونية تتعلق بها، وكان مقرراً أن تنطلق خلال الشهر الجاري لتتم بها مراحل «خريطة الطريق» التي جرى التوافق في شأنها عقب إطاحة حكم «الإخوان المسلمين» في تموز (يوليو) 2013.

وحديث عصفور عن هذا الأمر الذي يناقض حماسته في بداية توليه المنصب، فتح الباب أمام تكهنات في شأن ضغوط واجهها من تيارات سلفية، ومؤسسة الأزهر التي انتقدها علناً لمنعها السماح بعرض فيلم «نوح». وتعزَّز ذلك الطرح بمجرد إعلان إسناد المنصب إلى أستاذ في جامعة الأزهر؛ هو عبد الواحد النبوي، الذي سبق أن تولى رئاسة دار الوثائق القومية، وهي من قطاعات وزارة الثقافة. لكن اختيار النبوي لهذا المنصب الوزاري، جاء من خارج قائمة الأسماء المرشحة له، والقريبة من عصفور نفسه، وتردد أن من رشحه في كواليس اتخاذ القرار، هو وزير الثقافة السابق محمد صابر عرب الذي ينتمي أيضاً إلى جامعة الأزهر، وسبق للنبوي أن عمل تحت رئاسته.

عمل عبد الواحد النبوي (44 سنة) أستاذاً للتاريخ في جامعة الأزهر، لمدة عشر سنوات، وأستاذاً للتاريخ المعاصر في جامعة قطر، قبل أن يُعهد إليه الاشتراك في مشروع لمكننة دار الوثائق القومية المصرية، التي سرعان ما تولى رئاستها بقرار من محمد صابر عرب، ثم أقاله لاحقاً الوزير «الإخواني» علاء عبد العزيز. وللوهلة الأولى، ظهر النبوي متسقاً مع توجهات سلفه، عبر تصريح أدلى به بمجرد توليه منصب وزير الثقافة، وأكد فيه ضرورة أن يتكاتف المجتمع الآن «للوقوف في وجه الجهل والإرهاب».

وأضاف النبوي، أن هناك حاجة إلى «تقوية الجسور التي تربط الوزارة مع المبدعين والأدباء، والمحافظة على مصر قوية هي مشروعنا الثقافي الأهم»، مشيراً إلى المرحلة المقبلة «تهدف إلى النهوض ببلادنا عبر تلبية حاجات المواطن البسيط الذي سننزل إليه في النجوع والمناطق النائية، ونشر الوعي بين الشباب والاستفادة من طاقتهم في مجال الإبداع».

ومعروف أن جابر عصفور (1944) سبق أن تولى منصب وزير الثقافة لبضعة أيام في آخر حكومة شُكلت في عهد الرئيس حسني مبارك، وفي ذروة ثورة 25 يناير، ما عرَّضه لانتقادات حادة من الوسط الثقافي الذي رأت غالبيته أنه ما كان ينبغي له أن يقبل بأن يخلف الوزير فاروق حسني، في ظل ثورة عارمة سرعان ما أطاحت مبارك ورموز عهده. وتولى فاروق حسني منصب وزير الثقافة لنحو 12 عاماً، تقلد عصفور خلال 15 عاماً منها منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، ثم أسندت إليه مهمة تأسيس «المركز القومي للترجمة»، وكان أول من تولى إدارته. ويشار إلى أنه منذ 31 كانون الثاني (يناير) 2011 تولى وزارة الثقافة في مصر كل من جابر عصفور، محمد عبد المنعم الصاوي، عماد أبو غازي، شاكر عبد الحميد، محمد صابر عرب، محمد إبراهيم علي، علاء عبد العزيز. وترك عرب المنصب وعاد إليه غير مرة، واستقال في إحدى تلك المرات ليتمكن من الحصول على جائزة الدولة التقديرية! وبين هؤلاء اثنان؛ عماد أبو غازي ومحمد عبد المنعم الصاوي، سبق أن تولى والد كل منهما الوزارة نفسها في عهد السادات. في ذلك العهد تولى هذا المنصب تسعة وزراء، وهو رقم قياسي مقارنة بعهدي عبد الناصر وحسني مبارك.

وتولى جابر عصفور رئاسة تحرير مجلة «فصول» في 1992، ومن أبرز مؤلفاته «المرايا المتجاورة، دراسة في نقد طه حسين»، «هوامش على دفاتر التنوير»، «مفهوم الشعر: دراسة في التراث النقدي»، «زمن الرواية»، «الإحيائية والإحيائيون». ومن أبرز الأعمال التي ترجمها «النظرية الأدبية المعاصرة» لرامان سلدن. وهو أول وآخر من فاز بجائزة القذافي العالمية للآداب (2009) ونال الوسام الثقافي التونسي من رئيس جمهورية تونس في 1995 وجائزة سلطان بن علي العويس في حقل الدراسات الأدبية والنقد ـ الدورة الخامسة 1997 ودرع رابطة المرأة العربية في 2003.

وعمل جابر عصفور في السلك الأكاديمي (قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة) منذ 1966 وعمل أستاذاً مساعداً زائراً للأدب العربي بجامعة ويسكونسن – ماديسون الأميركية بين عامي1977 و1978. وعمل أستاذاً زائراً للنقد العربي في جامعة استوكهولم في السويد بين عامي 1981 و1982، وأستاذاً زائراً للنقد العربي في جامعة هارفارد الأميركية في 1995، وعمل أستاذاً معاراً، ثم عميداً مساعداً بكلية الآداب – جامعة الكويت (1983-1988).

(الحياة)

السابق
التحقيق مع 34 برلمانياً برازيليا بتهم الفساد
التالي
قائد القطاع الشرقي في اليونيفيل يلتقي فاعليات دينية