أميركا العونية وأوباما «المتوالي»: خوف من «السنّة» وطلب الأمان «الشيعي»

أميركا
أوباما ليس "متواليا" وليس "أبو حسين" والحال هذه. بل هو بدأ يقتنع بالمنطق العوني، المستنسخ عن المنطق الأسدي، في أنّ "العلويين والشيعة أفضل من السنّة وأكثر أماناً وقدرة وقوّة". فيما المنطق القوّاتي، الذي كانت المملكة العربية السعودية ترعاه ومفاده أنّ "السلاح الشيعي خطر" فهو صحيح. هو خطر على النفوذ السنّي في الدول العربية، ليس أكثر. وهذا لا يهمّ واشنطن.

يمكن تلخيص المشهد الدولي والإقليمي، واستطراداً المحلي في لبنان، من خلال ساعات أميركية قليلة قالت ما كان يعتمل في رؤوس أقلام صحافيين وكتّاب وباحثين. فبعد خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الكونغرس الأميركي، والتصفيق الحارّ له في تذكير بخطابات بشّار الأسد أمام أزلامه النواب في مجلس النواب السوري، باتت الصورة أكثر وضوحاً.

ذهب نتنياهو إلى واشنطن على شفير توقيع اتفاق نووي بين إيران وأميركا في أواخر آذار الجاري. ذهب يطلب من الأميركيين عدم إعطاء إيران ما تريده. قال الكثير. حرّض على إيران. ذكّر العالم بأنّها احتلّت أربع عواصم عربية، هي بغداد وصنعاء وبيروت والشام، ولم يتحرّ أحد لمنعها. كما لو أنّه يقول لهم معاتِباً: “وتستكثرون غزّة عليّ؟”.

اتفاق نووي ايراني

ماذا ردّ الرئيس الأميركي باراك أوباما؟ ردّ كما لو أنّه رجل يتهرّب من الإجابة على أسئلة زوجته. قال إنّه لم يشاهد الخطاب، بل قرأه، وفي هذا ما فيه من معاتبة وغضب. وحسم بأنّ نتنياهو لم يقدّم بدائل عن الاتفاق بين إيران وأميركا. قال له بالفم الملآن: إذا كان لديك بديل هاته، أو اصمت واخرج من بلدي. قالها بأكثر طريقة مهذّبة ممكنة، بقوّة رئيس أميركي في الربع الأخير من ولايته الثانية. رئيس لا يحتاج إلى اللوبي الإسرائيلي بعد اليوم. رئيس قادر على الذهاب إلى “الإين إين”، أي “إ – أ”، “إيران – أميركا”، على وزن “السين سين” اللبنانية الغابرة، بين السعودية وسورية.

يريد أوباما أن يجرّب شيئا لم يجرّبه الغرب منذ الثورة الخمينية على نظام الشاه الحليف للولايات المتحدة والغرب. أن يبني حلفاً حقيقياً مع إيران يحمي مصالح أميركا في المنطقة ويعطي الشيعة نفوذاً يستحقّونه. لكن بالطبع حين يعطيهم إيّاه كحصص شيعية، في لبنان وسورية والعراق واليمن، وربما البحرين والسعودية لاحقاً، فإنّه يساهم في تفتيت هذه الدول وتحويلها من أوطان إلى مزارع مذهبية تشبه العراق الحالي وسورية على الطريق، ولبنان جاهز واليمن في طور التحضير.

يريد أوباما أن يتحالف مع نظام الملالي في طهران. المنطق العوني هو الذي يتحكّم بعقله حالياً. فهذا الرئيس أخذ أميركا من ولايتين جمهوريتين لجورج بوش، الذي غزا أفغانستان والعراق وكاد يصل إلى سورية مع إعطاء لبنان أولوية. وما فعله أوباما أنّه خرج من أفغانستان ومن العراق ورفض دخول سورية رفضاً قاطعاً حاسماً نهائياً، واستهتر بالملفّ اللبناني استهتاراً مناقضاً تماماً لاهتمام سلفه بوش.

المنطق العوني الذي يعمل على تخويف المسيحيين من “السنّة” والقول لهم إنّه يمكن العيش مع الشيعة، فيما السنّة ينحون إلى التكفير والقتل وقطع الأعناق. إنتصر منطق عون في سورية والعراق مع ظهور “داعش”. من يتابع الصحافة الغربية يكتشف أنّ نواح المعارضين السوريين ومعاتبتهم الغرب لأنّه لم يضرب الأسد كما استشاط ليضرب داعش، يعرف أنّ الغرب تحرّك بوجه داعش لأنّ “منطقاً عونياً” دوليا يسري بنجاح. فيما المنطق القوّاتي، الذي يحذّر من “السلاح الشيعي” في لبنان، والمنطقة استطراداً، لا يلقى آذاناً صاغية في الغرب وفي أميركا.

فأوباما يبدو، خصوصاً بعد إهانة نتنياهو، بلطف ديبلوماسي، خلال زيارته إلى واشنطن، بعدم لقائه والردّ على خطابه بسخرية ولؤم، يبدو أنّه مقتنع بأنّ الخطر الحقيقي على الأميركيين والغرب والحضارة البشرية يأتي من “السنّة” وليس من “الشيعة”. فالشيعة، في أفضل الأحوال، يريدون أمنهم الذي هو من أمن إسرائيل، ويريدون حقوقهم في الدول العربية، المحرومين منها، ويريدونها بقوّة السلاح والتدريب الذي عملت عليه إيران لعقود طويلة. ويستحيل أن يتمدّد المشروع الشيعي إلى أوروبا وأميركا.

أما السنّة فهم الذين نفّذوا اعتداءات 11 أيلول 2001. هم من هاجم أوروبا في مدريد 2004 وغيرها. هم الذين يستطيعون ضرب الغرب في مدنه الرئيسية، وربمّا يحملون مشروع “السيطرة على العالم”. فيما الشيعة يريدون “السترة” في البلاد التي تحملهم، ويريدون نفوذاً حقيقياً يليق بهم. تماماً كما هو الحال في اليمن مثلا، أما في حالات مثل العراق، حيث تمادوا، فيطلب منهم “البحث عن شريك سنّي” وأن “يتضبضبوا” قليلاً. وهذا هو مشروع الرئيس الجديد الذي وافقت عليه أميركا وإيران، حيدر العبّادي.

أوباما ليس “متواليا” وليس “أبو حسين” والحال هذه. بل هو بدأ يقتنع بالمنطق العوني، المستنسخ عن المنطق الأسدي، في أنّ “العلويين والشيعة أفضل من السنّة وأكثر أماناً وقدرة وقوّة”. فيما المنطق القوّاتي، الذي كانت المملكة العربية السعودية ترعاه ومفاده أنّ “السلاح الشيعي خطر” فهو صحيح. هو خطر على النفوذ السنّي في الدول العربية، ليس أكثر. وهذا لا يهمّ واشنطن إلا في حدود ضيّقة. واشنطن التي “سكتت” عن 7 أيّار 2008، وعن 7 أيّار اليمني، وعن تدمير الأسد لسورية، وعن احتلال الشيعة للعراق بكامله وبطاقاته وأمواله.

واشنطن التي تريد أمنها وأمن إسرائيل فقط، لن تجدهما إلا في الحضن الإيراني. ولاحقاً تبحث عن شريك عربي سنيّ، بين الرياض والقاهرة وأنقرة… وستجد ما تريده. وفي هذه الأثناء نشهد حلفا أميركياً إيرانياً سيعيش لعقود، على الأرجح.

السابق
أوغلو: لن نشارك العراق بهجوم عسكري لاستعادة الموصل
التالي
الخطة الأمنية قد تبدأ في الضاحية الجنوبية خلال ساعات