داعش سيخلق جيلاً كاملاً من أطفال بدون جنسية

توافد الجهاديين بكثرة إلى العراق وسوريا وفك الارتباط القانوني بالدول الأم، كما يرمز مشهد قيام بعضهم بحرق جوازات سفرهم، يكشف عن بعد آخر للمشاكل الناجمة عن داعش وهو بعد يقل التطرق إليه. فهناك مشاكل اجتماعية تنعكس على أقاربهم الذين لم يغادروا دولهم.

في أبريل الماضي، بث تنظيم “الدولة الإسلامية”(داعش) شريطاً مصوراً لجهاديين عرب وأجانب يحرقون جوازات سفرهم معلنين انتهاء الحواجز بين الدول و”تمزيق الحدود”، على أساس أن الخلافة الإسلامية بُعثت من جديد ولا حاجة فيها إلى الهويات والجوازات.

حتى الآن لا توجد بيانات دقيقة عن أعداد المسافرين للقتال في سوريا والعراق. هناك فقط أرقام تقديرية متضاربة. ففي الوقت الذي يشير تقرير “المركز الدولي لدراسة التطرف” ICSR إلى أن عدد من سافروا إلى سوريا والعراق للجهاد لا يتجاوز الـ20 ألف شخص، تقدّر قيادة الأركان الروسية عددهم بـ70 ألفاً. وبالنسبة لعدد مقاتلي داعش بشكل عام، أي المهاجرين وغير المهاجرين، اعتبر فؤاد حسين، رئيس الديوان الرئاسي بكردستان، في حديث لصحيفة الإندبندنت، أنه يقرب من 200 ألف.

ميت في الواقع وحيّ بنظر القانون
في مدينة “معان” جنوب الأردن، التقت رصيف22 بأم عمر (25 سنة) بحضور والدها الحاج صالح. “زوجي استشهد في  سوريا”، هكذا بدأت أم عمر حديثها، مضيفةً: “ذهب زوجي لنصرة دين الله وإعلاء كلمته، فما يفعله (الرئيس السوري) بشار (الأسد) بالمسلمين العزل في  سوريا يستوجب الجهاد على كل رجل عربي قادر وزوجي رجل وقادر”. تغالب أم عمر دموعها وتقول أن زوجها ذهب في مايو 2014، و”كنا على تواصل باستمرار، لكن قبل أربعة اشهر تقريباً انقطع الاتصال بيننا ولم نعد نعلم عنه شيئاً، حتى أخبرنا بعض الإخوة بنبأ استشهاده في سبيل الله”.

وعلى مسافة ليست ببعيدة عن بيت أم عمر، التقت رصيف22 المحامي الأردني سعيد الناصر. أكد الناصر أن هناك حالات كثيره مثل حالة أم عمر، فكثيرون ذهبوا للقتال في  سوريا، وبعضهم قتل هناك. وقال: “المشكلة هي أنه بالنسبة للدولة الأردنية ووفقاً لقوانينها، لا يعتبر الزوج مفقوداً إلا إذا أثبتت الزوجة انقطاع أخباره لمدة عامين”، وأضاف: “بعدها يمكن للزوجه رفع قضية طلاق. لكن، حتى في هذه الحالة، لا يمكنها استخراج شهادة وفاة للزوج، وعليه لن تستطيع الحصول على نصيبها أو نصيب أبنائها في الميراث الشرعي. فالزوج يظل حياً يرزق بنظر الدولة. وهكذا لا يعتبر القانون أن الزوجة التي قتل زوجها أرملة كما لا يعتبر أن أبناءها يتامى”.

نساء “زيّ بيت الوقف”
محمد الماحي هو الأخ الأكبر لامرأة مصرية ذهب زوجها للقتال في سوريا وقتل هناك. هم متأكدون من وفاته وأقاموا له عزاءً حضره كثيرون. لكن رسمياً، هي ما زالت متزوجة وعلى ذمة رجل. “أختي بَقِت عامله زي البيت الوقف” يقول محمد.

فمشكلة أخت محمد، فاطمة أبو بكر، ليست رغبتها في الزواج من جديد بل في توزيع ميراث زوجها، إبن إحدى الأسر الميسورة. لكن لكي تستخرج “إعلام وراثة”، والذي بموجبه يحصل ابناؤها على حقهم في تركة والدهم، عليها إثبات وفاته، وهو أمر شبه مستحيل.

يشرح المحامي شريف شلنده الحالة قائلاً: “المشكلة أن أغلبية من سافروا إلى  سوريا أو العراق للقتال لم يسافروا بشكل شرعي، بل توجهوا إلى تركيا ومنها تسللوا عبر الحدود إلى داخل الأراضي السورية”. لذلك، يضيف شلنده: “رسمياً هو في تركيا وليس في  سوريا، والقانون المصري لا يعتبر الشخص مفقوداً إلا إذا تواجد في مناطق خطرة كبلاد شهدت حروباً أو كوارث طبيعية، وتركيا بالطبع ليست من تلك المناطق”.

وعليه ليس أمام الزوجه والأبناء إلا الانتظار خمسة أعوام قبل إقامة دعوى قضائية لإثبات وفاة رب الأسرة، وهي دعوى قد تستغرق عامين. وطيلة هذة الأعوام السبعة ستظل المرأة في نظر القانون متزوجة، ولن يرث الأبناء والدهم.

جيل كامل بدون جنسية
خالد فريتس (28 سنة) هو أحد التونسيين العائدين من سوريا. ابن مدينة قفصة تحمّس لحلم إقامة الخلافة الإسلامية التي ستعيد مجد الإسلام وعزته. ذهب إلى سوريا عبر تركيا، قاصداً الانضمام إلى جبهة النصرة. لكن ما رآه من “اقتتال أهلي”، على حد تعبيره، دفعه للعودة إلى بلده. وقال: “ذهبت مجاهداً في سبيل الله لا لكي أقتل أخاً مسلماً مثلي”.

يلقي خالد الضوء على “إشكالية اجتماعية” أخرى مسرحها هو أراضي “الدولة الإسلامية”. فـ”كل حالات الزواج التي تتم هناك تجري بدون أوراق رسمية. تتم بشرع الله وسنة رسوله، لكن لا تدوين على دفاتر. وعليه لا يمكن إثبات نسب أبناء هذة الزيجات إن غادروا الدولة الإسلامية ولا يمكن أن يحصلوا على جنسية الأب”.

وقالت المحامية التونسية المتخصصة في قضايا الأسره، فرح بن عياد، إن “نيران هذة المشكلة لم تشتعل بعد، فحتى الآن الأمور تسوى داخل الأراضي التي تسيطر عليها داعش. لكن في حال انهيار التنظيم، سنفاجأ بجيل كامل بلا جنسية”.

وقال الحقوقي المصري ناصر أمين: “بالطبع هذة قنبلة موقوتة ستنفجر لاحقاً في كثير من البلدان العربية. ففي مصر على سبيل المثال، ووفقاً لقانون الأحوال الشخصية، لا يمكن إثبات النسب إلا بأوراق ثبوتية أي عقد زواج، وهو ما لن يتوافر لابن الزيجات التي يعقدها داعش”.

(رصيف22)

السابق
بالفيديو.. أبو فاعور يستلذ بـ«المغلي»
التالي
مجهولان خطفا بقوة السلاح شخص لم تعرف هويته