الوعي الإداري والفكر الإداري في الرؤية الحضارية الإسلامية

نظم المعهد العالمي للفكر الإسلامي/مكتب الأردن محاضرة متخصصة بعنوان: “الوعي الإداري والفكر الإداري في الرؤية الحضارية الإسلامية”، وذلك يوم السبت 4 ربيع الثاني 1436ھ، الموافق 24/1/2015م بدأت الساعة الثالثة والربع بعد الظهر، واستمرت حتى الخامسة مساءً. تحدث فيها الأستاذ الدكتور عبد الباري دُرَّة، الرئيس السابق لجامعة الإسراء والرئيس السابق لجامعة الشرق الأوسط، وقدم لها الدكتور فتحي ملكاوي، المدير الإقليمي للمعهد.

بدأ الدكتور ملكاوي بالترحيب والشكر للحضور والمحاضر، ثم عرف بالمحاضر، مشيراً إلى مؤهلاته العلمية، وخبراته العملية في الإدارة في وزارة التربية والتعليم ثم في عدد من الجامعات، إضافة إلى برامج التدريب التي شارك في إدارتها داخل الأردن وخارجه. ثم أوضح الدكتور ملكاوي أهمية موضوع المحاضرة، على اعتبار أن شؤون الحياة كلها تحتاج إلى وعي إداري وفكر إداري، يكتسبه الإنسان بالتعلم المقصود، والخبرة الشخصية المباشرة، وأن مهارات الإدارة تلزم الإنسان في حياته الفردية، والمجتمعية، بدءاً من إدارة الذات والوقت والأسرة، والاجتماع، ومروراً بإدارة الاجتماعات والمؤسسات والأعمال والموارد… وانتهاءً بإدارة المجتمع والدولة. وأشار إلى أن كثيراً من أسباب التخلف والفشل في مجتمعاتنا على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي تعزي إلى غياب القيم التي تحكم فكرنا الإداري وممارساتنا الإدارية.

بدأ المحاضر محاضرته بتوضيح المنظورات الأربعة للإدارة المعاصرة: وهي: الإدارة بوصفها علماً؛ أي حقلاً دراسياً، والإدارة بوصفها ممارسة عملية، والإدارة بوصفها مهنة. والإدارة بمعنى الفريق أو مجموعة الأفراد الذي يُسيِّرون “يديرون” مشروعاً أو مؤسسة أو دولة.

وقد مارس الإنسان الإدارة منذ وجد على هذه الأرض، وتطورت مهاراته الإدارية عبر الزمن حتى أصبحت الإدارة علماً متخصصاً مع مطلع القرن العشرين. ومع أن الإدارة تعد مهنة في المجالات والمستويات المختلفة للتنظيم الاجتماعي، فإن التعليم والتدريب لا يكفي للإعداد للمهنة، إذا لم يتكامل مع التعلّم، بما يتضمنه من دافع ورغبة واستعداد شخصي. وعلى هذا الأساس يقال: إن ثمّة جوانب معينة من الممارسة الإدارية هي فنّ يعتمد على المهارة والخبرة البشرية.

والإدارة أمر ضروري، وهي لازمة كلما رغب الناس في العمل معاً للوصول إلى هدف محدد، سواءً كان العمل على مستوى المؤسسة أو الجمعية أو الحزب أو المجتمع والدولة. وهي عنصر أساسي في تنظيم أساليب العمل وتحقيق التوازن وحسن الاختيار بين البدائل والاختيارات، لتحقيق الكفاءة efficiency، والفعالية effectiveness. وهي وإن كانت ضرورية وأساسية في المجتمعات الصناعية، فهي أكثر ضرورة للمجتمعات النامية، ومنها المجتمع العربي الإسلامي في سعيه نحو تحقيق التنمية في سائر جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتطلعه إلى النهوض الحضاري المنشود.

ويلزم في بعض الأحيان التمييز بين الإدارة والقيادة، ويقارن الباحثون عادة بين مهام الإدارة ومهام القيادة، ويخلصون إلى القول بأن المطلوب دائماً هو القيادة الإدارية. كما يميزون بين العمليات الإدارية والمهارات الإدارية.

إن قدرة الفرد على أداء مهمات الإدارة بنجاح في حياته العامة أو الوظيفية (المهنية) أو حتى في حياته الخاصة، هي رهن بامتلاكه مجموعة من المهارات الأساسية. ونظراً لضيق الوقت فإننا نقتصر في هذا المقام على الحديث عن أربعة مجالات للمهارات، نختارها نظراً للحاجة الماسة لها في هذه الأيام على كل المستويات، وهي بالتحديد:

1.مهارات إدارة الذات والثقة بالنفس

2.مهارات التخطيط وتحديد الأهداف

3.مهارات حل المشكلات واتخاذ القرارات

4.مهارات إدارة الوقت

ويتحدث الباحثون أحياناً عن أهمية الرقابة الذاتية أو الدوافع الذاتية التي تشعر الفرد بالرضا، عند أدائه لواجباته في الإدارة والإشراف والمسؤولية عن أي عمل. وفي المرجعية الإسلامية يلزم أن تكون ممارسات الإنسان المسلم لهذه المهارات ضمن شعور بمراقبة الله سبحانه وأنَّ حسن الأداء هو من قبيل مسؤولية الرعاية المطلوبة لبناء المجتمع الصالح؛ إذ إنّ “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”، وهو فوق ذلك سبيل لنيل حسن الثواب في الآخرة.

إنَّ المجتمع العربي الإسلامي، بأفراده ومنظماته ومؤسساته العامة والخاصة، هو نتاج ظروف ومؤثرات وقوى مرت به؛ فالإسلام هو المرجعية الفكرية والثقافية والقيمية للغالبية العظمي من أبناء هذا المجتمع، وقد أنتج هذا المجتمع في تاريخه تراثاً غنياً لا يزال يؤثر على حياته، وقد ترسخت أعراف وتقاليد لا تزال تؤثر سلباً وإيجاباً في السلوك الشخصي والعام، وكان للفترة الاستعمارية وما تلاها من أحداث وتطورات أثرُها في حياة المجتمع، ومثل ذلك يقال عن الاحتلال الصهيوني وأثره في التجزئة وإثارة أسباب الاختلاف. ولا ننسى الأثر الذي أنتجته المحاولات القاصرة للتحرر والنهوض، والتجارب الفاشلة في التنمية السياسية والاقتصادية، فضلاً عن تأثيرات التفاعل والاقتراض الفكري والثقافي من الحضارة الغربية، وما تبعها مؤخراً من آثار العولمة في صورها الاقتصادية والثقافية والإعلامية.

ولا شك في أنَّ الإدارة، وهي نظام فرعي من نظام المجتمع، تتأثر بجميع تلك العوامل، وعلينا تطوير خطط الإصلاح في مجتمعنا على أساس الجمع التكاملي بين عناصر الهوية الخاصة بهذا المجتمع، من دين ولغة وتاريخ، ومعطيات الخبرة البشرية المعاصرة في الإدارة، فهذا الجمع التكاملي هو الذي يحفظ للمجتمع والأمة قيمها الذاتية، وعناصر هويتها، ويمكنها من توظيف أفضل الخبرات الإدارية المعاصرة على اختلاف مصادرها الألمانية، والأمريكية، والصينية، واليابانية، واختيار النافع من هذه الخبرات، وتبيئتها وتكييفها، لتحقيق النهوض والإصلاح المنشود في الحكم الرشيد، وإدارة مؤسسات المجتمع العامة والخاصة، ورعاية المصالح العامة لكل فئات المجتمع، والحضور الفاعل في ساحة العالم المعاصر، والإسهام الملموس في ترشيد الحضارة البشرية.

ورغم أن هذه المهمة ليست يسيرة، لكنها ممكنة وواجبة، وهي تحتاج إلى تضافر جهود العلماء والمفكرين للتخطيط لمشاريع مشتركة وتنفيذها، من أجل تحقيق الوعي الإداري لدى المجتمع أفراداً ومنظمات، ولتطوير الفكر الإداري ونشر الثقافة الإدارية. وهذه المشاريع المشتركة لا بد أن يتم تنفيذها من خلال فرق عمل تجمع في تكوينها المتخصصين في الثقافة الإسلامية والتوجهات الإدارية المعاصرة.

ولاحظ الدكتور درة أن الواقع الإداري في العالم العربي عبر نصف القرن الماضي يسير من سيء إلى أسوأ، على مستوى الدول ومعظم مؤسسات المجتمع، لا سيما الجامعات. وأن علوم الإدارة التي تدرس في الجامعات العربية، هي علوم مستوردة، ولا نعرف في العالم العربي والإسلامي من قدم نظريات إدارية معاصرة رغم أننا نمتلك في مرجعيتنا الإسلامية، ما يشكل أساساً متيناً لتطويع الخبرة الإدارية المعاصرة ولبناء فكر إداري يسهم في ترشيد الحضارة الإنسانية المعاصرة.

وفي تفسير هذه الملاحظة أوضح المحاضر أن الإدارة في مجتمعاتنا تفتقد الرؤية الكلية للأمو وتتصف بأنها إدارة على المستوى المصغر، وأنها لا تهتم بالجمهور المتلقي للخدمة، ولا بالعاملين، وبالترهل الإداري المتمثل في كثرة عدد العاملين دون حاجة، وبالفساد الإداري وشيوع الواسطة والمحسوبية، وعدم توفر الحاكمية الرشيدة، وضعف المساءلة والشفافية، وعدم الاهتمام بالتخطيط الاستراتيجي، وضعف استخدام التكنولوجيا الحديثة والأخذ بتقنياتها، وغياب وجود سياسات عامة، وغياب القيم والمنطلقات الإسلامية في الممارسات الإدارية.

ثم قدم المحاضر مقترحات لتجديد الإدارة العربية الإسلامية، تمثلت فيما يلي:

1. إجراء دراسات تهدف إلى التشخيص الدقيق لواقع الإدارة العربية الإسلامية وتحديد مشكلاتها.

2. وضع استراتيجية مدروسة للتجديد والإصلاح الإداري.

3. فهم فلسفة التغيير وأنواعه وتقنياته.

4. الاستناد إلى منطلقات وقيم إسلامية أكدتها الممارسات السليمة في التاريخ العربي الإسلامي وتشتد الحاجة إليها في العالم المعاصر.

وفي نهاية المحاضرة قدم أحد طلبة الدكتوراه الذين يشرف عليهم الدكتور عبد الباري درة، فكرة عن موضوع أطروحته حول القيادة النبوية، وكيف تفهم في ضوء بعض النظريات التربوية المعاصرة. ثم فتح المجال للأسئلة والتعقيبات، التي تمحورت في غالبيتها حول الخلل في الممارسات الإدارية في مجتمعاتنا، وما يسود مؤسساتنا الخاصة والعامة من ترهل وفساد إدراي، كما أكدت المداخلات الحاجة إلى محاضرات أخرى في الموضوع.

 

السابق
فلسطينيو أوروبا.. من المحنة إلى المنحة
التالي
جريحان بانقلاب شاحنة على طريق دير سريان