لم تسقط كوباني… لم تسقط داعش

مر خبر طرد داعش من مدينة عين العرب كوباني مرور الكرام. وبدت الدول والقوى الكبرى التي حوّلت المدينة الصغيرة إلى مدينة عالمية، واستنفرت سياسياً وإعلامياً لمنع سقوطها غير مكترثة أو معنية بالحدث وتجاهلته عمداً وعن سبق إصرار.

ورغم أن كوباني لم تسقط إلا أن داعش لم تسقط أيضاً، وبدت المعركة هامشية جداً ومعزولة في السياق العام للحرب الإقليمية، وحتى الكونية ضد داعش، وبدت هذه الأخيرة وكأنها غير متأثرة، وحتى غير مهتمة أيضاً بكوباني وخسارتها فيها.
تضخيم قصة أو معركة كوباني من قبل واشنطن وحلفائها جاء لأجل تحقيق أهداف سياسية وعسكرية تتماشى مع الاستراتجية أو بالأحرى اللااستراتيجية الأمريكية في المنطقة، وهو نفس ما يمكن قوله أيضاً عن تجاهل القصة فيما بعد وكأنها لم تكن.
فضح الصعود الكبير لداعش وتهاوي وانهيار جيش حكومة المنطقة الخضراء أمامها واستيلائها على كميات كبيرة من السلاح والعتاد الحديث، وحتى الجديد غير المستعمل ليس فقط هشاشة المنظومة الطائفية التي حكمت العراق بعد الغزو الأمريكي، وإنما بؤس عقم وفشل السياسة الأمريكية نفسها في العراق سورية والمنطقة بشكل عام، وللتغطية على الفشل، كما لفجور داعش في جرائمها خاصة تجاه الأقليات في العراق قررت الإدارة الأمريكية اعتبارها خطراً مباشراً وخوض المعركة ضدها إلا أن الإدارة المترددة الضعيفة والمنهكة أرادت تجنيد مجموعات ودول في هذه المعركة، على أن تكتفي هي بالضربات الجوية، وترك الحرب البرية لمن أبدى الاستعداد للتساوق مع هذه الاستراتيجية الأمريكية شرط الالتزام بالخطوط العريضة التي وضعتها واشنطن، ومنها ضمان أمن إسرائيل وبشكل أوسع الأمن الإقليمي بشكله العام أي بقاء الحرائق، حيث هي الآن في العراق وسورية بشكل أساسي.
من هنا جاء تضخيم معركة أو قصة كوباني، علماً أنها تعرضت لنفس ما تعرضت له حمص القصير درعا حلب أعزاز. وبالتأكيد أقل مما تعرضت له الغوطة التي قصفت بالسلاح الكيماوي من قبل نظام بشار الأسد وتحويل كوباني إلى مدينة عالمية وبؤرة للاهتمام الدولى، هدف إلى شدّ العصب الكردي واستخدام الأكراد كعنصر أساسي ضد داعش، وفي السياق غضّ النظر عن الطموحات الانفصالية لتنظيم pydالانفصالي والمحتفظ بعلاقات علنية وسرية مع نظام بشار الأسد، وهو الأمر الذي تنبه له السيد مسعود البرازانى، فقاتل داعش دفاعاً عن المناطق الكردية في العراق، وربط المعركة الشاملة معها بتغيير حقيقي في بغداد، وقيام حكومة وحدة وطنية بالمعنى الجدي للكلمة، حكومة تقطع مع سياسات نوري المالكي الطائفية التي لم تشكل فقط البيئة الحاضنة لداعش، وإنما سهلت لها الاستيلاء على الموصل ومناطق شاسعة أخرى بطريقة مريبة ومهينة، ودون أن يطلق جيش المالكي الطائفي المدجج بالسلاح، أي طلقة من ترسانته الأمريكية الهائلة.
ولتعويض النقص في المعركة في العراق وإصرار برازاني على خوضها ضمن إطار أو خطة وطنية شاملة غير طائفية أو فئوية استعدت إيران للقيام بالمهمة وفق قاعدة الارض لنا والسماء للامريكيين كما قال احد كبار مسؤوليهاوهي دفعت بقوات كبيرة لمواجهة داعش-فقدت اربعة جنرالات وعشرات وربما المئات من الضباط والجنود- إضافة إلى تدريب وتسليح ما بقى من جيش المالكي، وميليشيا الحشد الشعبي التي ارتكبت الجرائم، وما زالت على أساس طائفي في الرمادي وسامراء وبغداد.
في كوباني أو في سورية عموماً أرادت واشنطن من تركيا أن تلعب الدور الذي تلعبه إيران في العراق أي الانخراط في المعركة البرية مع الالتزام بالأسس أو الثوابت التي تحددها واشنطن بغض النظر عن مصالح تركيا وتصوراتها لكيفية حل أزمات المنطقة، بينما ترى هذه الأخيرة الأمر من منظور مختلف، وهي طبعاً ليست متلهفة أو مهرولة نحو واشطن وساعية للحفاظ على علاقات معها، أي كان الثمن مع الانتباه طبعاً إلى البعد الديموقراطي الذي يحكم سياسة حزب العدالة والتنمية بمعنى أنها حكومة منتخبة ديموقراطياً تخضع للمساءلة والمحاسبة بشكل يومي في الإعلام والبرلمان وموسمي أمام الشعب في انتخابات حرة ونزيهة، وهي غير مستعدة بأي حال من الأحوال لخوض معركة أو معارك الآخرين على حساب رفاه شعبها رفاه ورخائه. من جانب آخر اعتقدت أنقرة أن داعش مجرد عرض للمرض، وأنها نتاج البيئة الاستبدادية الإجرامية الطائفية الإقصائية للنظام في الشام وحكومة المنطقة الخضراء في بغداد، فيما يتعلق بسورية تحديداً كونها الساحة التي طلب منها إرسال قوات برية إليها لمواجهة داعش، فإنها أي أنقرة اعتقدت أن الأمر يجب أن يأتي في سياق إقليمي ودولي واسع وضمن خطة تلحظ علاج أصل المرض، ولا تخدم النظام وتؤدي إلى نزوح مئات آلاف اللاجئين، وربما تؤثر على استقرار تركيا السياسي الاقتصادي والأمني ولذلك طلبت وألحّت على إقامة منطقة حظر جوي وأخرى عازلة وتدريب قوات وطنية سورية، كي تملأ الفراغ الذي ستتركه داعش، وهي اعتقدت محقة أن خطة كهذه ستؤدي حتماً إلى إسقاط النظام ولو بعد حين.
واشنطن من جهتها ليست مستعدة لإسقاط النظام، الذي لا يضر مصالحها عوضاً عن رغبتها في المساومة عليه في صفقتها النووية ضد إيران أي أنها أرادت قتال داعش، حتى آخر جندي تركي، ولذلك رفضت أنقرة المشاركة مباشرة في المعركة، ولكنها قدمت أقصى ما تستطيع ضمن الواقع المتاح من حيث استقبال أهل كوباني كلهم – مائتي ألف تقريباً – وتقديم المآوي والدعم والمساعدة لهم وتسهيل وصول المئات من مقاتلي البشمركة والجيش الحرّ بكامل عتادهم، وهي لم تمانع وصول الآلاف منهم لولا رفض صالح مسلم المتحالف مع النظام والذي أراد الاستئثار بالمعركة كوباني والاستفادة منها لخدمة طموحه الانفصالية، كما الجناح الأصل لحزبه أي حزب العمال الكردستاني، وبالتالي تحسين وضعه التفاوضي في مواجهة الحكومة التركية وهو ما أفشلته أنقرة ورفضته جملة وتفصيلاً.
بعد فشل ابتزاز أنقرة أو إجبارها على الانصياع للرغبات والأهواء الأمريكية، تم فضّ قصّة كوباني، ورغم عدم سقوطها بيد داعش إلا أن هذه الأخيرة لم تسقط أيضاً ما أثبت صحة الرواية التركية القائلة: أن لا أمل بمحاربة داعش من الجو فقط، ولا أمل بدحرها مع استمرار البيئة الحاضنة والداعمة والمغذية لها والمتمثلة بإجرام النظام الأسدي في الشام والسياسة الطائفية الإقصائية لحكومة المنطقة في الخضراء في بغداد.
كوباني أو عين العرب مدمرة بالكامل ولا أحد يتحدث عن إعادة إعمارها وأهلها لاجئون في تركيا وسيظلوا تحت حمايتها ومساعدتها إلى أجل غير مسمى والقصة برمتها قدمت الدليل والبرهان على ازدواجية ونفاق واشنطن وحلفائها القدامى والجدد، كما قدمت صورة عن المشهد العام في سورية والمنطقة حيث مصير النظام مرتبط بمصير داعش والحسم مؤجل إلى فترة غير محددة أيضاً.

السابق
اكتشاف السبب الاساسي للخيانة الزوجية
التالي
أطفال سوريا بين الأغاني والرصاص