شقّ طريق قرب محمية بنتاعل مخالف للقانون، فكيف بتوسعته؟

إنّ إلقاء نظرة واحدة على قانون إنشاء محمية طبيعية في بنتاعل في قضاء جبيل، تؤكّد أنّ شقّ طريق أو توسعتها على مسافة قريبة منها ولا تبعد سوى أمتار قليلة عن حدودها، هو أمر مخالف للقانون يجب العمل على وقفه مهما كانت الأسباب الموجبة لعملية التوسعة، ومهما كانت الدوافع الإنسانية متوافرة لجهة ربط القرى ببعضها، وتسهيل مرور الناس، وعدم تحميلهم المزيد من المشقّات وهدر الوقت، إذ يمكن العثور على مكان آخر لإنشاء طريق عليه من دون المساس بجمالية هذه المحمية المشعّة بخضرتها وأشجارها مقابل التمدّد العمراني الزاحف بثقله في القرى والمدن.

فقانون إنشاء هذه المحمية رقم 11 الصادر في 20 شباط 1999، يشدّد على ضرورة حمايتها من أيّ تصرّف قد يخلّ بتوازنها الطبيعي، ويمنع رمي النفايات وإحراق الأعشاب على مسافة لا تقلّ عن خمسماية متر، ممّا يعني أنّه منح هذه المحمية نطاقاً خارجياً ومحيطاً يبلغ مداه الحيوي خمسماية متر، ولم يكتف بمساحتها المشاعية المعروفة فقط، وأخضعها لهذا القانون، ليكون أيّ تصرّف أو سلوك غير بيئي ومضرّ واقعاً تحت طائلة الملاحقة القانونية بموجب أحكام إنشاء هذه المحمية. وبمعنى آخر، فإنّ القانون رقم 11/1999 دعا إلى الحفاظ على محمية بنتاعل ومحيطها في دائرة قطرية لا تقلّ عن خمسماية متر، وما يسيء إلى المحمية نفسها، يؤذي المساحة الجغرافية الملازمة لها ضمن مسافة الخمسماية متر، ومهما كانت التصرّفات والأنشطة المنوي القيام بها وتنفيذها هناك. وهذا ما يمكن إستنباطه من نصّ المادة الخامسة من قانون إنشاء هذه المحمية، والذي يقول حرفياً:” يمنع القيام بأيّ عمل، أو تصرّف يخلّ بتوازن المحمية الطبيعي لاسيّما:

1- إشعال النار، أو حرق الأعشاب وغيره من النبات، أو النفايات الطبيعية الموجودة في المحمية وكذلك على أقلّ من 500 متر من حدودها.

2- الصيد البرّي في أراضي المحمية وضمن مسافة أقلّ من 500 متر من حدودها“. أسئلة وإذا كانت قائمة الممنوعات تشمل إشعال النار، أو إلقاء النفايات، والصيد البرّي ضمن مسافة لا تقلّ عن 500 متر عن حدود المحمية، فكيف يكون الأمر مع شقّ طريق وتوسعته على بُعْد أمتار قليلة وضمن أقلّ من 500 متر؟ وكيف يكون الوضع مع جرّافات تنهش الثروة المحمية بموجب قانون فرض الابتعاد عنها خمسماية متر؟، وكيف تكون الصورة في المستقبل بعد تعبيد الطريق من خلال السماح للسيّارات والشاحنات بالمرور من هناك؟، ومن يمنع المارة والمدخّنين من رمي أعقاب سجائرهم، كيفما اتفق، على سبيل المثال، لتشتعل الحرائق وتلهب منظر المحمية البديع؟، ومن هو القادر على ضبط عمليات إلقاء ردميات في هذه البقعة تحت جنح الظلام لتشويه طبيعة المحمية؟، ومن يضمن عدم السعي بعد سنوات إلى توسعة الطريق نفسها المحكى عنها لأسباب مختلفة؟

وأسئلة أخرى كثيرة تخشى على المحمية من الضياع تدريجياً، ومع مرور الأيّام.

كما أنّ عبارة “لاسيّما” الواردة في المادة الخامسة المذكورة، تعني التشدّد حيال المخالفات التي تذكرها، من دون أن تكون قد أهملت أو أسقطت من حساباتها، سواها من مخالفات لم يؤت على تعدادها وشرحها وتفصيلها، وما دامت المخالفة خطرة ومضرّة بسلامة المحمية، فهي لا محالة، واقعة ضمن الملاحقة القانونية، ويستوجب التصدّي لها ومنعها ضمن الأطر القانونية المعمول بها. إنّ القياس المنطقي في علم القانون، يفرض أساساً الحفاظ على المدى الحيوي لمحمية بنتاعل، وعدم ارتكاب أيّ مخالفة ضمنه، وما ينطبق على صيد عصفور، يطال شقّ طريق وتوسعتها، باختلاف حجم الجرم طبعاً، ومهما كانت المسوّغات الموضوعة، وما دامت البدائل موجودة، أو يمكن إيجادها في ظلّ توافر الأموال لهكذا مشاريع، ولا يجوز السماح للتمدّد البشري بالإقتراب من حدود المحمية في ظلّ غياب ثقافة التوعية بوجوب الحفاظ على هذه المحمية ومدخراتها بمختلف أصنافها وأنواعها، فليس كلّ مواطن يعي أهمّية وجود محمية هنا أو هناك على الأراضي اللبنانية. وأكثر ممّا تقدّم، فإنّه يمكن تفسير المادة السادسة من القانون 11/1999 على أنّها تزيد من هيبة الحفاظ على المدى الحيوي المحيط بمحمية بنتاعل، إذ يفرض مَتْنُها عدم الاستهتار به، ويضفي عليه حماية خاصة بقوله إنّه “يطبّق في نطاق المحمية كلّ نصّ قانوني حالي، أو مستقبلي، وكلّ الاتفاقات الدولية المرعية الإجراء، والتي تشدّد على حماية البيئة والثروة الحرجية والطبيعية الجمالية“.

ولتبيان وجود أضرار أو انتفائها من توسعة طريق بنتاعل – حجولا الملاصقة لها من الجهة الشرقية، لا بدّ من حصول تقييم أثر بيئي إستباقي لهذا المشروع كما يفرض المرسوم الرقم 8633 الصادر في 7 آب 2012 والمتعلّق بأصول تقييم الأثر البيئي، وهذا الأمر لم يتمّ قبل الشروع بتوسعة الطريق المشكو منها، وهنا الطامة الكبرى التي تستدعي صرخة كبرى ومن أعلى المستويات بضرورة تقدير القانون وتنفيذ نصوصه وعدم ضربها عرض الحائط، وبالتالي وجوب أن يحصل تقييم الأثر البيئي لأيّ مشروع صغيراً كان أم كبيراً، قبل البدء بتنفيذه، وليس بعده كما يحدث في أغلب الأحيان.

(greenarea)

 

السابق
البحرين تعلن رسمياً وقف نشاط قناة «العرب»
التالي
هيفا من جديد في صدارة الجمال العالمي!