أوضاع اللاجئين في الجزائر، إلى أين؟

الزمان: صباحٌ ممتد من صباحات 2011 إلى 2015

المكان: حافلة في قسنطينة

“مين بدو، الله يخليكن من بدو.. papier mouchoir”.. هكذا يُردد بلهجته، وبلكنته الخاصة.

هو صباحُ شابٍ سوري لاجئ في الجزائر بأحد شوارع مدينة قسنطينة، وهو صباحٌ لا يختلف كثيرًاعن بقية اللاجئين السوريين هُنا إذ تمتلئ الشوارع والطرقات بهؤلاء، مع ذلك البرد الصباحي الصقيعي، وهم الذين يلتحفون البرد ويتوسدون الصخر وإن لم يكن كلهم فالكثير منهم، يحملون بين أيديهم علبًا للمناديل الورقية، للعلكة، للحلوى والفول السوداني، يجولون الشوارع ويقفون في الطرقاتِ بين السيارات للحصول على بعض الدينارات التي تحفظ بعضا من كرامتهم المهدورة بعد أن تركوا وطنهم المكسور وجاءوا إلى هنا دون مأوى ولا مصدرٍ للرزق، ولا يختلف الوضع بالنسبة للنساء اللواتي خرجن أيضا للشارع بحثا عن لقمة العيش سواءً كمتسولاتٍ أو بائعاتٍ حاملاتٍ لرّضعٍ ويمسكن ببقية أطفالهن، أما الأطفال فقدرهم أن يكونوا الأكثر تهلكة دومًا، فعوض أن يلتحقوا بمقاعد الدراسة كأقرانهم فهم يقفون منذ الساعات الأولى للنهار في الطرقات بين السيارات علّ أحدًا من السائقين والمارة يتكرم باقتناء ما يبيعونه من منتجاتٍ بخسة، هذا إذا لم ينطلقوا بأدعية راجين متوسلين المارة ليمنوا عليهم ببعض الدينارات، فحالة اللاجئ السوري هنا ليست أقل سوءً من بقية الدول العربية كلبنان ومصر وغيرها، منذ بداية الثورة السورية إلى الساعة، وما زاد الطين بلة هو عدم رضا هؤلاء اللاجئين بالبقاء في المخيمات المخصصة لهم في الجزائر العاصمة وفي مدن أخرى، بل أصبحوا يباتون في الحدائق والشوارع وفي أي مكانٍ يستطيعون وضع حاجياتهم به.

وللماليين نصيبٌ من الشوارع أيضًا!مالية لاجئة

“صدقة ..صدقة”، هكذا يقولُ الرجال الماليون المتسولون لقمة العيش، هم الذين لا يجيدون اللغة العربية، أما النسوة الباسطات أرضًا كالنوريات القارئات للكف فتجدهن يضعن صحنا معدنيًا صغيرًا يستقبلن فيه ما تمنّ أيادي المارة به، يحتضن رضيعًا ويطوفُ أطفالٌ آخرون حولهن، ينتظرن مالًا لاقتناء أبسط الحاجيات كحليبٍ للأطفال وخبزٍ يسد أفواه جوعهم، فتجدهن موزعات بين أبواب المساجد والأماكن العامة كالحدائق أو حتى وسط الشارع ولاسيما محطات المسافرين، يفترشن الكراتين ويخبئن فيه ملابسهن.

اللاجئون الماليون الذي أثبتت الإحصائيات منذ أن دخلوا الجزائر، أن الكثيرين والكثيرات منهم يعانون الايدز وبعض الأمراض المستعصية نتيجة ما عانوه في طريقهم إلى دخول الجزائر، من اعتداءات جسدية وجنسية، وكذلك نتيجة الفقر وتفشيّ الأمراض الذي عانوه نتيجة الظروف الأمنية والاقتصادية المتردية جدا في وطنهم، وذلك ما جعل الكثيرين ينفر منهم، ناهيك عن عدم الإحراج في التقزز منهم بشكل مباشر، ما دعا في الكثير من الأحايين أئمة المساجد الى التنويه بضرورة المعاملة الحسنة لهم والالتفاتة حولهم ومساعدتهم باعتبارهم أولًا وقبل كل شيءٍ إخوة في الإنسانية والدين.

 بين اللاجئ السوري والمالي، يختلف التعامل

يلقى اللاجئ السوري معاملة جدُ مميزة إلا أن اللاجئ الصومالي، وهو أيضا الهارب من الحروب الأهلية والإرهاب قادمًا إلى الجزائر عبر الجنوب، كثيرًا ما يلاقي سوء معاملة ونعوتًا سيئة، ربما بسبب عنصري بحث هو (لون البشرة) حيث أن الكثير يرفض إعطاءهم صدقة ويُفضل إعطاءها للسوري، رغم أنهم شريكٌ ليس فقط بالإنسانية، فهم المسلمون المرّحلون المهجرون قسرا من ديارهم بعد أن استولت الجماعات الإرهابية هناك على الأخضر واليابس وعم الجوع والأمراض كل الوطن.

أخيرًا ..

في وقتٍ قياسي امتلأت الجزائر بلاجئين سوريين وآخرين ماليين، هربوا من الحروب الداخلية التي أنهكت الإنسان فيها، ورغم أن السلطات وضعت مجهودها في تخصيص مخيماتٍ لهؤلاء إلا أنهم رفضوا حصرهم في مكانٍ واحد تقدم له الاحتياجات كالمتسول، فخرجوا في كل المدن، وجعلوا كل مكانٍ خاصا للإقامة مسكنا ونومًا، رغم المضار التي لحقت بهم بالدرجة الأولى ثم بصورة المدينة، لاسيما وأن قسنطينة ستشهد فعالية ثقافية مهمة إذ ستكون عاصمة للثقافة العربية في غضون أقل من شهرين.

فما هو الوضع الذي ستؤول إليه صورة المدينة وحالة اللاجئين هنا؟

 

السابق
جاسوس في قصر جنبلاط لمدة اربع سنوات!
التالي
«داعشيون» يقترحون أساليب وحشية لقتل معاذ!