فوضى الاتجار بسلاح الصيد في لبنان

في دول العالم المتحضّر والراقي، يُلقون السلام على الطيور خلال مرورها في سماء بلادهم، ويهدونها الطعام والقبلات والإبتسامات، لأنّها تهديهم، بدورها، الحياة والسلام والأمان… إلاّ في لبنان، فالطيور العابرة في سمائه، تحسب ألف حساب لكيفية النجاة من الصيد المتربّص بها شرّاً، إذ أنّها تُسْتَقْبل بالرصاص، وتُودّع بالخرطوش الحيّ، وكأنّ هناك حرباً شعواء ضدّها وعليها، بينما هي جمالٌ يزيد الطبيعة والحياة جمالاً.
وهذا المشهد المقزّز والنافر بتناقضاته يثير زوبعة من التساؤلات، فما هي دواعي هذه العدائية الصارخة للطيور؟ ولماذا هذا الكره الظاهر بطريقة إجرامية تعطي انطباعاً بأنّ الطيور عدوّ يحتل أرضاً ويمنع خيرات السماء؟ ولماذا هذا العنف تجاه كائن حيّ وحيوي لا يؤذي ولا يضرّ، بل على العكس تماماً، يفيد الطبيعة ويزيدها نقاء وحبوراً وألقاً قلّما نراه في ميادين الحياة؟، ولماذا نعشق صوت العصافير ونطرب لأنغامها، وتراقصها بين أغصان الشجر، وخطوط الفضاء ولوحاتها المتداخلة مع الغيمات، ثمّ تبنى لها الكمائن بمختلف الأدوات المخالفة للأخلاق الإنسانية والقوانين والتشريعات بداعي إشباع لذّة وإطراب هواية، وما هي إلاّ نزوة وطيش يسيئان أكثر ممّا ينفعان؟.

السلاح لصيد الطيور والبشر
لا يتوقّف الأمر على هذا الإنفلات في عمليات الصيد، بل يتعدّاه إلى ما هو أخطر بكثير ويطال الإنسان بسبب تفشّي أسلحة الصيد بين أيدي الناس وبما قد يرتدّ سلباً على حياتهم ومعيشتهم وانخراطهم في مجتمعاتهم، نتيجة الإصرار المُكْلف على استخدام هذه الأسلحة في إزهاق الروح البشرية، وقتل الآخر، وتخويف هذا، وإزعاج ذاك، في حوادث مختلفة تارةً تحصل عن طريق الخطأ، خلال رحلات الصيد، وطوراً عن سابق إصرار وترصّد، ومن دون حاجة إلى رحلة في البرّية، وذلك من خلال إشكال أو نزاع عائلي، أو فردي، فتحضر بندقية الصيد المركونة في إحدى خزائن البيت، على الفور، إلى ساحة المعركة، لينجلي الغبار عن قتيل، أو جريح، وهذا ما يؤكّد أنّ الصيد في لبنان صار رحلة إلى القتل، والانتحار أيضاً، رحلة إلى الموت المعاكس للغاية المرجوة لدى بعض الصيّادين المتمّرسين والرامية إلى الترويح عن النفس والسياحة في رحاب الطبيعة الخلاّبة، وهذا مكمن الخطر الذي يستدعي دقّ ناقوسه للعمل على وقفه قبل استفحاله وتفاقم تأثيراته السلبية في مجمل الأحوال.

وزارة البيئة لا تتصدّى
هناك قرار رسمي بمنع الصيد العشوائي، وأكثر من ذلك يوجد قرار بعدم فتح موسم الصيد “المقونن” والشرعي، وهو قيد التنفيذ على الورق دون الواقع، من دون أن تنجح وزارة البيئة المعنية بالحفاظ على كلّ أنواع الطيور، في التصدّي لقوافل الزاحفين إلى الصيد في مختلف الأراضي الخصبة للصيد الوفير في لبنان، والتي لا تهدأ ولا تنثني عن مرادها بقتل الطير كمن يستلذّ بحرق يده!.
صحيح أنّ وزارة البيئة ليست ضابطة عدلية وجهازاً أمنياً لكي تطارد الصيّادين، وتقيم الحواجز لردعهم، ولكنّها حُكْماً، تستطيع تدارك هذا الوضع وتضبطه من خلال إنشاء ضابطة بيئية وتفعيلها لكي ترصد المخالفين وتوقّع بحقهم محاضر مخالفات مالية كبيرة تضطرّهم في أسوأ الأحوال، إلى عدم استباحة الطيور والإنسان معاً، وإلى التخفيف من إنجرارهم إلى هذا الإرتكابات التي يمكن أن تفضي بهم إلى السجن وتمضية سنوات وسنوات خلف قضبانه.
وما دام هناك قرار بمنع الصيد وبيان عسكري رسمي صادر عن قيادة الجيش اللبناني، بمنع حيازة البنادق حتّى ولو كانت مرخّصة، فلماذا لا يمنع بيع هذه الأسلحة في الأماكن المتكاثرة والتي تواجه المرء أينما حلّ في الطرقات والشوارع بواجهاتها وإعلاناتها ومنها ما هو حلّ ضيفاً ثقيلاً على صفحات موقع التواصل الإجتماعي “الفايسبوك”؟.

الإتجار بالسلاح
باستطاعة أيّ شخص راشد وبالغ ومُمَيِّز من الناحية القانونية أن يتوجّه إلى أيّ متجر لبيع أسلحة الصيد ولوازمه، وينتقي بارودته المفضّلة وذخيرتها ويدفع ثمنها نقداً، ويحملها مع فاتورة رسمية تؤكّد عملية الشراء من أجل تمريرها على أيّ حاجز أمني قد يصادفه في طريقه إلى بيته. وهذه الفاتورة ليست ترخيصاً أو إذناً بحمل البندقية أو بممارسة الصيد كما يتوهّم بعضهم، وإنّما هي إذنٌ إستثنائي آني ينتهي بمجرّد الوصول إلى المنزل لوضعها فيه، وليس إلى البساتين، أو الأحراج، لقتل عصفور أو إنسان آخر.
ويلجأ بعض الناس إلى اقتناء أسلحة الصيد بداعي أنّها ترفع منسوب الإطمئنان لديهم من أيّ اعتداء أو حادث قد يصادفونه في حياتهم، أو لردّ أيّة عملية سطو أو سرقة، أو للتصدّي لغزوة حيوان مفترس، أو لاستعمالها في “حالات الدفاع المشروع” عند إشكال ما، من دون أن يعي الواحد منهم أنّ الإستخدام الخاطئ قد يفاقم المشاكل، أو يجلب أخرى.
يتم كل هذا وليس هناك ما يلجم الإعلانات المشجّعة على اقتناء سلاح الصيد وادخاره، أو جهاز حكومي يتولى تنظيم بع البنادق والخرطوش في متاجر بيع الأسلحة، أو طريقة عرضها البنادق على واجهات المحال، ما يجعل مكان وجودها مبعثا لمخاطر ليست في الحسبان كأنْ يبادر أحد المارة ويتلقّف بندقية ويرتكب بها جريمة صغيرة أو كبيرة.

الحوادث الأمنية “منبّهات”
التقارير الأمنية الرسمية تؤكّد مخاطر استعمال أسلحة الصيد ووجودها بين أيدي الناس، وكأنّها بهذا السرد تنبّه إلى ضرورة توخّي الحذر، وفي مطلق الأحوال الإمتناع عن حيازة أسلحة الصيد.
وكثيراً ما تزخر هذه التقارير بأخبار ومعلومات عن حوادث رحلات الصيد المهرّبة في وضح نهار مشمس، وعلى مرأى من المعنيين بضبطها ولجمها ومكافحتها، كما أنّه نادراً جدّاً ما لا يمرّ خبر أمني عن عمليات سلب وسرقة، من دون أن يكون سلاح الصيد الأداة المستعملة فيه، ومع ذلك كلّه، لا أحد يتحرّك لوقف هذا المسلسل المحزن وكبح فلتان الاتجار بأسلحة الصيد.

قتل وانتحار
من بين سيل الحوادث نذكر التالي: قتل مطانيوس س.(مواليد العام 1965) نتيجة انطلاق عيار ناري من بندقية صيد من نوع “بريدا” أوتوماتيك، عن طريق الخطأ أثناء ممارسته هواية الصيد، في محلّة الحصن في نيحا البقاعية.
وفي حراج بلدة كفرذبيان، عثر على الشاب فادي ع.(مواليد العام 1984) الذي كان يقوم برحلة صيد، جثّة هامدة ومصاباً بطلق ناري في أسفل ذقنه لجهة الرقبة، بواسطة سلاح صيد كان بحوزته.
وأطلق أحمد و. النار من بندقية صيد على والده سلمان و.(مواليد العام 1943) وشقيقه علي (مواليد العام 1970) وأرداهما قتيلين في شارع المصبغة في محلّة الشياح. وأوقفت قوى الامن الداخلي القاتل وضبطت البندقية المستخدمة والخرطوش العائد لها.
وقتل الشاب إسماعيل ر. (30 عاماً) نتيجة إصابته في رأسه بطلق ناري من بندقية صيد خلال قيامه بممارسة هواية الصيد في بلدة السلطانية الجنوبية.
وقتل م. ط. السوري جمال غنوم بإطلاق النار عليه من بندقية صيد ضبطت معه في بلدة القرقف في عكّار.
ونقل حسين ف. (مواليد العام 2000) جثّة إلى مستشفى ريّاق العام، بعد إصابته بطلق ناري من بندقية صيد في بطنه في بلدته علي النهري البقاعية.
جرحى وإصابات
وأصيب السوري الجنسية أحمد ط.( 15 سنة) بطلق ناري من سلاح صيد في رجله من دون أن تعرف الأسباب، ونقل إلى مستشفى السلام في القبّيات للمعالجة.
ونقلت هيام ر. إلى مستشفى شتورا للمعالجة نتيجة إصابتها بطلق ناري من سلاح صيد في رقبتها داخل منزلها في بلدة الفاعور في قضاء زحلة من دون أن تعرف أسباب هذا الحادث.
وأدخل وسام ع.(مواليد العام 1995) إلى مستشفى عين وزين في قضاء الشوف، للمعالجة من جرّاء إصابته بطلق ناري من سلاح صيد في ممشط رجله اليمنى عن طريق الخطأ، وذلك خلال قيامه بتنظيف بندقية صيد في منزله في بلدة نيحا.
ونقل غيث ع.(مواليد 1997) إلى مستشفى حلبا الحكومي على إثر إصابته بطلق ناري من سلاح صيد في رجله عن طريق الخطأ، وذلك أثناء ممارسة هواية الصيد في بلدة فنيدق.

لهو جارح
خلال قيام عبّاس ت.(مواليد العام 1995) برحلة صيد في بلدة عدشيت الجنوبية، إنطلق عيار ناري من بندقيته عن طريق الخطأ، ممّا أدّى إلى إصابته ببعض حبّات الخردق في قدمه، ونقل إلى مستشفى الرئيس نبيه بري الجامعي في النبطية للمعالجة.
وأدخل يامن ه.( مواليد العام 2001) إلى مستشفى عين وزين على إثر إصابته بطلق ناري من سلاح صيد من عيار 12 ملم في أسفل رجله اليمنى عن طريق الخطأ، وذلك أثناء قيامه باللهو بالبندقية.
واستحضر محمّد ح.( مواليد العام 2002) إلى مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك للمعالجة من إصابته بعيار ناري من سلاح صيد في قدمه من قبل أشخاص مجهولين أقدموا على إطلاق النار عليه خلال وجوده في بستان عائد لوالده في بلدة رسم الحدث، وفرّ هؤلاء إلى جهة مجهولة.
وأصيب علي ص. بطلق ناري من بندقية صيد في قدمه اليسرى في مدينة بنت جبيل من دون معرفة الأسباب.

إشكالات وحيازات
أثناء قيام 15 شخصاً من منطقة وادي خالد يستقلّون درّاجات نارية بقطع الأشجار في محلّة جرمنايا في بلدة أكروم في عكّار، حضر رئيس بلدية السهلة عدنان الخطيب، وأطلق النار في الهواء من سلاح صيد لردعهم، ممّا أثار غضبهم، فأطلقوا النار في الهواء ولاذوا بالفرار من دون أن يصاب أحد بأيّ أذى.
وحصل إشكال فوري وتضارب بين أحمد ع. وأحمد ع. في محلّة سهل عرقة في عكّار، أقدم خلاله إلى إطلاق الأوّل، عياراً نارياً من بندقية صيد في الهواء، ثمّ لاذ بالفرار.
وأقدم ط. ح. على إطلاق عيارات نارية من بندقية صيد “بومب اكشن” في محلّة القلمون، على إثر خلاف عائلي بينه وبين زوجته أ.ف. وعمل الجيش اللبناني على توقيف مطلق النار.
وبواسطة التسلّق، دخل مجهولون إلى منزل دانيال ص. في محلّة حالات، وسرقوا خمس بنادق صيد. وسطا لصوص على منزل عماد إ. في بلدة طاريا بواسطة الكسر والخلع وسرقوا مصاغاً ذهبياً وبنادق صيد.
وأوقفت الشرطة العسكرية الفلسطيني التابعية حسين ي. لقيادته سيّارة “مرسيدس 300” بداخلها بندقية صيد 12 ملم وخرطوش صيد في مدينة صور.
وضبطت قوى الأمن الداخلي بندقية صيد من عيار 12 ملم، وبندقية خردق ألمانية الصنع، وجفت 12 ملم بفوهتين وأربعين طلقة من عيار 12 ملم بحوزة السوري الجنسية همّام ع. فأوقفته، وذلك في بلدة بشمزين الكورانية.

(greenarea)

السابق
أهالي العسكريين المخطوفين سيقفلون الكازينو أيضاً
التالي
هل وصل الموارنة إلى طريق مسدود؟