وحدة المصير بين قصري بعبدا والمهاجرين

نديم قطيش

حين انطلق الحوار السني الشيعي اللبناني قبل عيد الميلاد الفائت كان الخطاب السياسي في البلاد يتمحور حول فكرتين رئيسيتين من جهة تيار المستقبل وفكرة رئيسية من جهة حزب الله. أراد المستقبل بفكرة الحوار العبور الى عنوان التهدئة السنية الشيعية وفرملة الغليان الشعبي السني لا سيما في أطراف البيئة السنية واندفاع جزء من هذه البيئة نحو خيار التشدد بكافة ألوانه وصولا الى التعاطف الضمني مع “الجهاد المضاد” الذي يستهدف حزب الله وبيئته ردا على “جهاد” حزب الله في الحرب السورية.

واراد ايضاً، ويريد، تفكيك الألغام التي تزنر خطوط التعايش السني الشيعي من خلال انتشار شلل سرايا المقاومة من شبعا الى البقاع مرورا بخط ساحل الشوف والعاصمة وطرابلس. كما أراد المستقبل، ويريد، العبور بالحوار الى اعادة النصاب للحياة السياسية والوطنية وعمل المؤسسات من خلال إقناع حزب الله بانتخاب رئيس توافقي للجمهورية لإنهاء حالة الفراغ الرئاسي والشذوذ المؤسساتي الناتج عنه والمتمثل بحكومة الرؤساء الأربع والعشرين.

من جهته كان حزب الله أكثر تركيزا على فكرة محددة يريدها من عبارة “تخفيف الاحتقان السني الشيعي” وهي تطويع الفريق السياسي السني الأكبر في لبنان وإعادة تدوير موقفه السياسي في معركة الحزب في سوريا تحت عنوان مكافحة الارهاب، وصولا الى اعادة احياء ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة. فتخفيف الاحتقان بالنسبة لحزب الله يعني تمتين وتحصين عنصر الشعب في المعادلة الثلاثية الشهيرة، وإلحاقه بالعنصرين الآخرين بما ان الجيش والمقاومة في حكم شراكة امر واقع في مواجهة داعش والنصرة من خلال انتشارهما المشترك، ولو غير المباشر، على حدود لبنان مع سوريا.

مع الجولة الرابعة للحوار، ليس صعباً القول ان المعطيات على الارض تكشف ان أجندة حزب الله تتقدم على اجندة المستقبل. فلا يفوت اي مراقب ان حضور مسألة رئاسة الجمهورية خفَتَ الى حدود الغياب من الخطاب السياسي في البلد، وهو غياب يرفده انطلاق حوار قطبي الموارنة الابرز الدكتور سمير جعجع والجنرال ميشال عون، ما وضع مسالة الرئاسة قيد انتظارات عديدة وفرمل اندفاعة المستقبل لتسويق فكرة الرئيس التوافقي لدى حزب الله الذي سيكون لديه دائما حجة حاسمة وهي انتظار ما سيقرره المسيحيون في حوارهم!!! كما يتغذى غياب بند انتخاب رئيس للجمهورية عن جدول الاعمال السياسي في لبنان من ضمور المعطيات الإقليمية التي أنعشت الامال عشية انطلاق الحوار بتوفر فرصة دولية لإتمام هذا الاستحقاق، على ما دلت حينذاك  نتائج قيل انها نتجت عن جولات الموفد الفرنسي فرنسوا جيرو ولقاءاته مع المسؤولين الإيرانيين ليتبين لاحقاً ان التشدد الإيراني وربط طهران لملف الرئاسة بتطورات الأزمة السورية اكبر من ان تفكه مهارة الديبلوماسية الفرنسية.

ثم جاءت غارة القنيطرة على موكب لحزب الله والحرس الثوري الإيراني قبل اكثر من أسبوع لتؤكد ان ايران وحزب الله يسعيان الى توحيد جبهتي الجنوب والجولان في سياق المزيد من تربيط لبنان بالازمة السورية ومستقبلها. ما يعني اننا امام ربط سياسي عنوانه ربط مصير قصر بعبدا بمصير قصر المهاجرين وربط عملياتي ميداني من خلال ربط لبنان وسوريا ربطا واحدا بالاستراتيجية الإيرانية وإدارتها، الى حد يمكن معه القول انه كما استخدم حافظ الأسد لبنان لإدارة علاقته بإسرائيل، تستخدم ايران سوريا (ولبنان) لإدارة علاقتها بإسرائيل. اي تحويل كامل الجبهة السورية اللبنانية الى مزارع شبعا تتحكم بمصيرها ولاية الفقيه.

عليه ما يبقي على لحمة الحوار السني الشيعي في لبنان هي نقطة التقاء واحدة حتى الان وهي الموضوع الأمني بأبعاده جميعاً، من مكافحة الارهاب، التي ستظل مبتورة كونها تواجه السلاح الوافد الى لبنان دون ان تكون قادرة على معالجة السلاح الخارج منه،  وصولا الى فرض خطط أمنية لا تكلف حزب الله كثيراً للتعاون فيها كونها تستهدف من باتوا عبئاً معنويا جديا على الحزب نفسه وعلى بيئته. بل الأهم، التقاء حزب الله والمستقبل على رفض اي شكل من أشكال الانهيار الأهلي في لبنان واستلحاق لبنان بالحروب الأهلية المندلعة في المنطقة، وهنا الاشكالية الكبرى!

يعلم قادة المستقبل انهم بتجنيب لبنان السقوط في الحرب الأهلية إنما يخدمون، الى جانب لبنان واهله، اجندة حزب الله. فالحزب الذي ينام على سرير رفض الحرب الأهلية مع المستقبل، تراوده احلام مختلفة. وهو اذ يريد شيئا من منع هذه الحرب فلأنه يريد حماية لبنان بوصفه غرفة عمليات حزب الله التي منها ينطلق للانخراط في الحروب الأهلية العربية المندلع في سوريا والعراق واليمن وغيرها. اي لا يريد حربا في لبنان تعيق عليه انخراطه في حروبه خارج لبنان. الخيار الاخر ان يندفع تيار المستقبل الى استراتيجية هدم الهيكل عبر احراق لبنان لإحراق حزب الله فيه، وهي استراتيجية قد تنهي حزب الله فعلا لكنها بالتأكيد ستنهي لبنان الذي نعرف الى غير رجعة.

وبالتالي يتصرف تيار المستقبل على قاعدة النفس الطويل. هنيئاً إن أنتج الحوار شيئاً، أكثر من تثبيت هيكل الدولة، وان لم ينتج فإن متغيرات كثيرة تتهيأ لفرض نفسها على المشهد السياسي في المنطقة من نتائج الحوار الأميركي الإيراني بشأن برنامج طهران النووي وصولا الى ما بعد مرض المرشد الذي أدخل إيران في سخونة داخلية ستكون لها نتائج كبيرة على مستقبل ايران والمنطقة.

(المدن)

السابق
محكمة التمييز الجزائية تدين عوني الكعكي
التالي
لماذا نبش «حزب الله» قبر المعادلة الثلاثية؟