إسرائيل، لاحزب الله، تريد تفجير المنطقة

هل سيرد حزب الله اللبناني وحليفته إيران على الضربة الموجعة التي تلقياها، حين قتلت مروحة إسرائيلية بالصواريخ الأحد الماضي ستة من قادتهما وكوادرهما في مرتفعات الجولان السورية؟

الكثيرون في بيروت، وبينهم المحلل السياسي اللبناني البارز علي الأمين، يعتقدون أن هذه الضربة موجعة للغاية لكلٍ من الحزب وطهران. فإضافة إلى وجود قادة عسكريين (أو أمنيين) ميدانيين لبنانيين وإيرانيين في صفوف الضحايا، إلا أن سقوط جهاد عماد مغنية، نجل القائد العسكري في حزب الله عماد مغنية الذي اغتالته إسرائيل العام 2008، سيضع الطرفين في وضع حرج للغاية شعبياً وسايكولوجيا.
فالحزب، وعلى رغم تهديداته المتعددة لم يرد حتى الآن على عملية اغتيال مغنية الأب. وبالتالي، سكوته الآن أيضاً على اغتيال مغنية الأبن الذي لايتجاوز الخامسة والعشرين ربيعا، والذي يقال أنه سُلٍّم في مثل هذه السن المبكرة ملف جبهة الجولان، سيكون له صدى مُحبطاً للغاية في صفوف مقاتليه كما بين بيئته الشعبية الحاضنة في لبنان.
ثم أن إيران نفسها اهتمت بإحاطة جهاد مغنية بكل مظاهر التكريم والاهتمام الممكنين، خاصة من جانب قائد الحرس الثوري الإيراني الشهير قاسم سليماني، الذي حرص (على سبيل المثال) أن يقف جهاد إلى جانبه خلال تلقيه العزاء بوالدته (قاسم)، إلى درجة جعلت البعض يعتقدون أن جهاداً هو ابنه.
علاوة على ذلك، يشهد حزب الله اللبناني في هذه الأيام أزمات عديدة، تؤثٍّر هي الأخرى كثيراً على نفوذه وسمعته في بيئته الحاضنة اللبنانية. فعدد كوادر الحزب الذين سقطوا في الحرب السورية التي يخوضها إلى جانب النظام السوري، ناهز الآن الألف مقاتل (والبعض يقول 1300 مقاتل)، إضافة إلى آلاف الجرحى. هذا من دون أن يبدو أن ثمة نهاية ما في الأفق لهذا النزف المتواصل للحزب: لا حرباً بمعنى الحسم العسكري (كما وعد قادته مرارا) ولا سلماً في إطار تسوية سياسية ما للأزمة السورية.
وإلى الجانب العسكري ذي الأكلاف البشرية الباهظة، هناك الجانب المالي. فقد أدى الهبوط الشاهق (والمخطط له على مايبدو بين الرياض وواشنطن لإفلاس إيران وروسيا) لأسعار النفط من 115 دولاراً قبل ثلاثة أشهر إلى مادون الـ60 دولاراً الآن، أدى إلى دفع إيران إلى خفض كبير نسبياً لدعمها المالي لحزب الله، على رغم أنها تعتبر هذا الحزب الانجاز الأكبر لـ”ثورتها الإسلامية”، سواء في المجابهة مع إسرائيل أو في معركة الرهائن الشهيرة في الثمانينيات مع الغرب.
وقد أجبر هذا الخفض الحزب على تقليص معدلات الرواتب لكوادره، والخدمات الاجتماعية لجمهوره، وتمويل بعض السياسيين اللبنانيين المحسوبين عليه (أشارت نيوزويك، على سبيل المثال، إلى أن سياسياً درزياً كان يتقاضى 60 ألف دولار شهرياً من الحزب، لايحصل الآن سوى على 15 ألف دولار، مع نصيحة له بضرورة الاعتماد على نفسه قريبا).
عاصفة كاملة
كل هذه المعطيات تشي بأن حزب الله اللبناني كان يواجه أصلاً قبل ضربة الجولان، ما يمكن أن يكون “عاصفة كاملة” على الصعد البشرية والاقتصادية والعسكرية كافة. فما بالك الآن وقد وضعته عملية اغتيال نجل القائد العسكري عماد مغنية، الذي بات تنسج حوله الأساطير، في موقع حرج للغاية؟
بعض المحللين اللبنانيين يعتقدون أن الحزب ملزم برد عسكري أو أمني ما،( سواء حدث ذلك خارج الشرق الأوسط أو في الجولان أو حتى في جنوب لبنان)، في وقت يجب ألا يكون بعيداً كي لايبدو أنه فقد المبادرة كلياً في مجال ميزان القوى مع إسرائيل. لكن، في حال كان هذا الخيار واردا، فالأرجح أن يقوم الحزب بعملية لاتدفع إسرائيل إلى شن حرب شاملة عليه، لأنه غارق حتى أذنيه الآن في المستنقع السوري ولايستطيع بالطبع، وهو الحزب الصغير، أن يخوض حرباً إقليمية على جبهتين.
ثم أن هذا الخيار محكوم هو الآخر بإعتبار إقليمي قد يكون أكثر أهمية بكثير. إذ يشك العديد من المراقبين بأن الهدف الحقيقي لتل أبيب من وراء هذا الهجوم، ليس فقط منع حدوث هجمات من سورية- لبنانية مشتركة ضدها في الجولان، كما أعلنت، و ولاحتى مجرد تحسين مواقع حزب الليكود الانتخابية، بل أولاً وأساساً جر إيران وحزب الله إلى حرب إقليمية تأمل أن تسفر عن نسف فرصة إبرام صفقة تاريخية بين إيران والولايات المتحدة حيال الملفين النووي والإقليمي.
ومما يعزز هذه الفرضية، الأنباء التي توترت مؤخراً عن أن واشنطن وطهران أحرزتا بالفعل تقدماً كبيراً من وراء الكواليس في المفاوضات، وأنهما قد تتوصلا إلى اتفاق ليس في شهر تموز/يوليو كما تقرر حين مُددت المفاوضات سبعة أشهر، بل في وقت قريب قد لايتجاوز شهر آذار/ مارس المقبل.
المبادرة إسرائيلية
إذا ماكانت هذه المعطيات صحيحة، والأرجح أنها كذلك، فهذا يعني أن الدولة العبرية، وليس إيران ولاحزب الله، ومعها ربما بعض الدول العربية الإقليمية، هي التي ستعمل الآن ليل نهار على زرع الأفخاخ والعقبات أمام مثل هذا الاتفاق. والسبب بسيط وواضح: أي صفقة من هذا النوع، ستؤدي بالفعل إلى إعلان الوفاة الرسمية للنظام الشرق الاوسطي الراهن الذي تهيمن عليه الآن كأمر واقع إسرائيل والسعودية، وبدء ولادة نظام إقليمي جديد تتوازن فيه القوى الإسرائيلية والإيرانية والتركية (وإلى حد ما العربية) بإشراف المايسترو الأميركي.
هذا التطور المحتمل تعتبره الدولة العبرية بمثابة رصاصة الرحمة ليس فقط على مشروعها الصهيوني الكبير الهادف إلى الحفاظ على هيمنتها المباشرة (في الهلال الخصيب) وغير المباشرة (في الشرق الأوسط الكبير)، بل أيضاً على اعتماد الولايات المتحدة التاريخي عليها كوكيل إقليمي رئيس في الشرق الأوسط.
* * *
لقد بدأنا حديثنا بالتساؤل عن كيفية رد حزب الله على ضربة الجولان الموجعة. وهذا بالطبع سؤال مهم ودقيق.
لكن يتبيَّن الأن أن ثمة سؤالاً مهما آخر: كيف قد تواصل إسرائيل محاولة جر إيران وحزب الله والمنطقة إلى أتون انفجار كبير يخلط كل الاوراق، ويعيد رسم الخرائط وموازين القوى لصالحها، ويجبر واشنطن الأوبامية ( التي يسيطر الجمهوريون الآن على كونغرسها) على ابتلاع طموحاتها بأن يكون أوباما لإيران في اوائل القرن الحادي والعشرين ما كانه نيكسون- كسينجر للصين في منتصف القرن العشرين.
فللننتظر قليلاً لنر.

السابق
ما السبب الذي يمنع النساء تبوّؤ المناصب المهنية العليا؟
التالي
ماذا وراء سحب ترخيص صحيفة «الوطن» الكويتية؟