لقاء عون وجعجع سيتوّج الاتفاق بين الطرفين؟

تتابع الأوساط السياسية والدبلوماسية والشعبية والإعلامية باهتمام الحوار بين حزب القوات اللبنانية والتيار الوطني الحرّ، ويتابعه العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع بالتفصيل، فيما يشارك في اللقاءات الثنائية كل من النائب إبراهيم كنعان ومسؤول الاتصال والإعلام في القوات ملحم رياشي.

ويتزامن الحوار بين القوات والتيار العوني، مع الحوار القائم بين حزب الله وتيار المستقبل، الذي يشهد أجواءً إيجابية بين الفريقين بعد الجلسة الثانية للحوار التي بحثت بعض الملفات التفصيلية حول حماية الاستقرار الأمني وتخفيف حدّة الاحتقان المذهبي.

وتؤكد المصادر المتابعة للحوار بين القوات والتيار العوني ان أجواء اللقاءات إيجابية وهناك بحث في كل الملفات السياسية القائمة إضافة إلى بعض الملفات المتعلقة بالسيادة الوطنية ومستقبل الجمهورية اللبنانية، وعند التوصل الى اتفاق أولي في بعض النقاط سيُعقَد لقاء مباشر بين العماد عون والدكتور جعجع.

فما هي الأسباب التي أدت إلى تسارع الاتصالات بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحرّ؟ وهل ستؤدي هذه اللقاءات إلى اتفاق شامل حول الملفات السياسية الأساسية، وخصوصاً الانتخابات الرئاسية؟ وما علاقة هذا الحوار والحوار بين حزب الله وتيار المستقبل بالأجواء الحوارية القائمة في المنطقة والهادفة إلى الوصول الى تسويات في الملفات الأساسية كالأزمة السورية والملف النووي الإيراني؟

أسباب العودة إلى الحوار

بداية ما هي الأسباب التي دفعت حزب القوات اللبنانية والتيار الوطني الحرّ إلى العودة للحوار في هذه المرحلة بعد الصراع السياسي والعسكري الطويل بينهما منذ عام 1989وما سمي آنذاك «حرب الالغاء»؟ بالعودة إلى التاريخ ومنذ ان كان العماد ميشال عون قائداً للجيش ومن ثم توليه لرئاسة الحكومة في نهاية عهد الرئيس أمين الجميّل، برز الصراع والتنافس مع القوات اللبنانية برئاسة الدكتور سمير جعجع، وتحول الصراع إلى معركة عسكرية قاسية تحت عنوان «حرب الإلغاء»، ومن ثم وافق جعجع على اتفاق الطائف في حين ان العماد عون عارضه وخاض معركة شعبية وعسكرية ضد حكومة الرئيس سليم الحص، ومن ثم عهد الرئيس الياس الهراوي، الى ان أدت التطورات الإقليمية وحرب الخليج الثانية إلى إنهاء تمرد العماد عون واخراجه من قصر بعبدا ونفيه إلى فرنسا. ولاحقاً تعرض الدكتور جعجع للاعتقال بعد تفجير كنيسة سيدة النجاة ومحاكمته بتهمة اغتيال الرئيس رشيد كرامي وداني شمعون وشخصيات أخرى.

وخلال مرحلة نفي عون وسجن جعجع حصل تقارب بين أنصار عون والقوات وخاضا نضالاً مشتركاً ضد السلطة القائمة إلى حين اغتيال الرئيس رفيق الحريري وتحرك قوى 14 آذار وإخراج السوريين من لبنان، فتم العفو عن جعجع وعاد العماد عون إلى لبنان وعمد الى تشكيل التيار الوطني الحر، فعاد الصراع بينهما حول من يمثل الساحة المسيحية، وخلال السنوات العشر الماضية خاض الفريقان صراعاً سياسياً وشعبياً وإعلامياً قاسياً، وفي بعض الأحيان تحوَّل إلى اشتباكات وصراعات ميدانية. وقد سعى البطريرك بشارة الراعي إلى جمع القيادات المسيحية وخصوصاً المارونية للاتفاق على رؤية سياسية موحدة، لكنه فشل في هذا الاتجاه ولم تُطبَّق الاتفاقات المتعلقة بقانون الانتخابات وموضوعات أخرى.

لكن التطورات الأخيرة في لبنان والمنطقة وشعور المسيحيين بالمخاطر التي تواجههم والفراغ الرئاسي وبدء الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل والتخوف المسيحي من حصول «تحالف رباعي» جديد على حساب المسيحيين، كل ذلك دفع الأطراف المسيحية وخصوصاً التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية للعودة إلى طاولة الحوار بعدما أعلن الدكتور جعجع استعداده لزيارة العماد ميشال عون، وتولى بداية الوزير السابق وديع الخازن مهمة التواصل بين الفريقين ومن ثم تم تشكيل لجنة ثنائية للحوار ضمت النائب إبراهيم كنعان ومسؤول التواصل في القوات ملحم رياشي.

وقد عقدت اللجنة عدة جلسات شارك في بعضها العماد ميشال عون وكانت الأجواء إيجابية وطُرحت معظم الملفات السياسية الشائكة للبحث والحوار.

إمكانية الاتفاق؟

لكن هل يتم الاتفاق بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر حول الملفات السياسية وخصوصاً الانتخابات الرئاسية؟ وما علاقة الحوارات الداخلية اللبنانية ونتائجها بالتطورات القائمة في المنطقة؟

تقول المصادر المتابعة للحوار بين القوات والتيار العوني إن الأجواء الحوارية إيجابية حتى الآن وإن كل الملفات السياسية تُبحَث، ومنها ملف مستقبل النظام السياسي والجمهورية، الانتخابات الرئاسية، السيادة الوطنية والتحديات التي يواجهها لبنان من جراء الأزمة السورية وزيادة عدد اللاجئين السوريين، اللامركزية الإدارية وأوضاع المسيحيين في الإدارة اللبنانية ومختلف المواقع الأساسية والمخاطر التي يواجهها الوجود المسيحي في الشرق.

من خلال هذه المعطيات يتبين ان الحوار لن ينحصر بملف الانتخابات الرئاسية، وإن كان هذا الملف يشكل أحد الملفات الأساسية في ظل وجود تباين أساسي في وجهات النظر بين الطرفين، لأن العماد عون يجد نفسه الأحق بهذا المنصب، فيما يطالب الدكتور جعجع بالاتفاق على مرشح بديل يحظى برضى الطرفين. لكن مصادر مطلعة تعتبر انه إذا حصل اتفاق حول القضايا السياسية الأخرى فإن التفاهم حول الملف الرئاسي يصبح أسهل.

ويبدو حتى الآن ان امكانية التفاهم بين الفريقين ليست سهلة لكنها غير مستحيلة في ظل ما يجري من تطورات داخلية وخارجية، فالطرفان يدركان أن استمرار الخلافات بينهما سيؤدي الى فرض حلول عليهما من قوى خارجية أو داخلية أو ان التطورات الإقليمية قد تسرِّع البحث عن تسويات للملف اللبناني عامة وللانتخابات الرئاسية بشكل أساسي، وان عدم حصول توافق بين الأطراف المسيحية عامة وخصوصاً بين حزب القوات اللبنانية والتيار الوطني الحرّ، سيؤدي الى أن تكون الاتفاقات المقبلة على حساب الدور المسيحي، كما حصل في اتفاق الطائف.

وتقول مصادر مسيحية مطلعة ان المسيحيين اليوم في لبنان والشرق يواجهون تحديات وجودية عديدة، إن بسبب الهجرة أو التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية أو بسبب تراجع الدور المسيحي السياسي والثقافي، أو على الصعيد الديمغرافي، وإن لبنان يشكل إحدى الدول الأساسية في المنطقة التي يمكن المسيحيين ان يؤدوا فيه دوراً أساسياً ولكن ذلك يتطلب وجود رؤية مسيحية مشتركة واتفاقاً سريعاً، إن بين الأطراف المسيحية، وخصوصاً الملف الرئاسي ومن ثم بقية الملفات.

وبالإجمال، إن العودة الى طاولة الحوار، إن بين تيار المستقبل وحزب الله أو بين حزب القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر يعتبر مؤشراً على أننا قادمون على مرحلة جديدة في لبنان والمنطقة، وان التسويات التي يجري البحث حولها على الصعيد السوري والعراقي والملف النووي قد يكون لها انعكاسات إيجابية مباشرة على الوضع اللبناني، ما قد يسهم في نجاح هذه الحوارات اللبنانية وهذا ما يتمناه اللبنانيون، لكن المطلوب الانتظار بعض الوقت لمعرفة نتائج هذه الحوارات.

السابق
مدونة هاني فحص الالكترونية
التالي
مسرحية «عدم» انتخاب رئيس الجمهورية مستمرّة حتّى إشعارٍ آخر