التلّي ينأى بنفسه عن «الفتنة الجهادية»: عناصر «داعش» في القلمون ليسوا خوارج

مناخ «الفتنة الجهادية» يخيّم فوق القلمون، وبيانات الاتهام والتكفير تتراكم في أجوائه، منذرةً بشتاء ساخن وربما دموي.
ولم تكد تمضي ساعات على تسريب التسجيل الصوتي الذي أفتى فيه «الشرعي» الجديد لتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ــ «داعش» أبو الوليد المقدسي بتكفير «جبهة النصرة» حتى جاء الرد سريعاً من خلال تسريب رسالة ممهورة بتوقيع «أمير جبهة النصرة في القلمون» أبي مالك التلّي، يردّ فيها بشكل غير مباشر على المقدسي.
وعكست رسالة التلي، التي جاءت في شكل ردّ على أسئلة موجهة إليه من قبل أحدهم، حجم الضغوط التي تمارَس عليه، والتي ألزمته بتبني خطاب متوازن يقترب من نهج قيادة «جبهة النصرة»، من دون أن يثير حفيظة «الدولة الإسلامية». وإذ يؤكد ذلك عدم رغبة التلي بالانجرار وراء الداعين إلى قتال «داعش»، كما نصحه أبو ماريا القحطاني، غير أنه من جهة أخرى ينفي وجود أي احتمال لأن يقدم التلّي على مبايعة «داعش» تحت أي ظرف، كما كان يُتّهم.
ورفض التلّي، في رد على سؤال «هل الدولة الإسلامية كفار أم مسلمون؟»، تكفير «داعش» أو الحكم بردة أتباعه. ومع أنه استشهد بأقوال الشيخ أبو قتادة الفلسطيني التي يصف فيها أتباع «الدولة الإسلامية» بأنهم «خوارج»، إلا أنه لم يتبنّ هذا الكلام، متخذاً موقفاً وسطاً، فهو من جهة يقول إن «ما ندين به أنهم إخواننا في الدين» ومن جهة أخرى يقول «لا نطلق صفة الخوارج على تنظيم الدولة بكافة عناصره»، أي أنه، وبعبارة أخرى، يعتقد أن بعض عناصر التنظيم يصدق عليهم وصف الخوارج وينبغي بالتالي دفع «صيالهم».
لكن التلّي حاول، في المقابل، التملص من الضغوط التي تمارس عليه للمباشرة في قتال «داعش»، بالقول إن فرعهم الموجود في القلمون لا تنطبق عليه مواصفات «الخوارج»، من دون أن يفسر كيف لا تنطبق عليهم هذه المواصفات بعد سماعه التكفير الواضح الذي أطلقه أبو محمد المقدسي.
غير أن التلي لم يغلق الأبواب كافة أمام احتمال قتال «داعش» بتأكيده أنه «ليس من منهجنا أن نبدأ بقتال أي مسلم من دون سبب»، ما يعني أنه في حال توافر الأسباب يغدو القتال ممكناً بل واجباً، مع استبعاده أن يكون «مجرد مناصرة الدولة سبباً كافياً لمحاصرتها وقتالها».
وفي الأحوال كافة لا يخلو هذا التأكيد من تهديد مبطن بأنه في حال تجاوزت تصرفات «الدولة في القلمون» الخطوط الحمراء فلن يكون بمقدوره التغاضي عنها، وعدم الاستماع إلى الأصوات التي تحرّضه على القتال.
وفي محاولة منه لنفي صحة الأسباب التي اعتمد عليها المقدسي لاتهام «جبهة النصرة» بالردة، أنكر التلي أن تكون «النصرة» قد تحالفت مع «المجلس العسكري في القلمون الشرقي»، مؤكداً أنه «اطلع على البيان، ولم يجد ذكر المجلس العسكري فيه»، وذلك رغم أنه ذكر أسماء الفصائل التي وقعت على هذا البيان، ومنها «تجمع أحمد العبدو». والمقصود البيان الذي اتفقت عليه بعض الفصائل على تشكيل غرفة عمليات مشتركة في القلمون الشرقي، والتي تقود المعركة ضد «داعش» في المنطقة. فهل يُعقل أن التلي لا يعلم أن تجمع «أحمد العبدو» هو أحد تجليات «المجلس العسكري» في ريف دمشق، الذي يقوده بكر سالم السالم، وهل يكفي مجرد إنكاره بهذا الشكل للتغطية على مشاركة «جبهة النصرة» مع الفصائل الأخرى في قتال «داعش» في القلمون الشرقي وريف حمص الجنوبي؟
واستغرق التلي جزءاً كبيراً من رسالته للرد على مزاعم المقدسي بأن «مشروع جبهة النصرة يقتصر على النكاية بالأعداء، ولا يتضمن تمكيناً حقيقياً»، حيث حاول إثبات أن «النصرة» تسعى إلى التمكين، لكن بعد توافر شروطه وأسبابه، مشيراً إلى المواجهات مع جمال معروف في ريف إدلب وأن «جبهة النصرة» لم تقاتل معروف إلا بعد أن حققت التمكين اللازم في المنطقة.
وكان لافتاً أن التلي لم يُشِر من قريب أو بعيد إلى الموضوع الذي انتشر مؤخراً في الإعلام، وهو الإنذار الذي وجّهه «شرعيو داعش» إلى الفصائل، ومنها «جبهة النصرة»، بمبايعة التنظيم خلال مهلة قصيرة. كما أنه أغفل ذكر قادة الفصائل الذين اعتقلهم «الدولة الإسلامية» مؤخراً، ورأيه في هذا الاعتقال، وهو الأمر الذي كاد يؤجج نار الفتنة في القلمون، بحسب ما حذّر منه النشطاء آنذاك.
يُذكَر ان رسالة التلّي، سرّبت منذ مساء أمس الأول، عبر حساب على «تويتر» معروف بمناصرته لـ «جبهة النصرة». لكن الرسالة لم تؤخذ على محمل الجد، إلا بعدما قام حساب «مراسل القلمون» أمس بنشرها وتأكيد صدورها عن التلي.
وبالرغم من أن تسريبها بهذا الشكل قد أثار تساؤلات عن الغاية منه، وسط شكوك بأن الرسالة لم تكن مخصصة للنشر، إلا أن تبنيها في النهاية من قبل «مراسل القلمون» جعل هذه التساؤلات غير ذات جدوى.
وكانت «السفير» نشرت أمس مضمون التسجيل الصوتي لأبي الوليد المقدسي، والذي تضمّن تكفيراً واضحاً لـ «جبهة النصرة» واتهامها بالردة والخيانة.

السابق
من المفيد التزام هذه الارشادات خلال العيد
التالي
الكأس السوبر الإيطالية لـ«نابولي»