حكايا أيتام في المدارس الداخلية بلبنان

المدارس
ما هو واقع المدارس الداخلية في لبنان وكيف يعيش الأطفال اليتم، أسئلة أجاب عليها بلال موّاس في زيادة مصادفة، على أرض الواقع، لإحدى المدارس الداخلية.

بتقدير من الله عز وجل، صودف وجودي في مدرسة داخلية في وقت متأخر من الليل، وبتقدير منه أيضاً، عايشت لحظة القبض على أحد الأطفال الذي حاول أن يهرب من المدرسة وقد حمله أحد حراس الأمن هناك، وهو يحاول أن يتخلص منه صارخاً: اتركني اتركني، بدي روح، ما بدي ضل هون.
ولما سألت القيمين على المركز هناك، لماذا لا يشرحون له أنه إن هرب من مركزهم فلا يوجد له مكان ليأكل أو ينام فيه، وأنه قد يتعرض لوحوش المجتمع ممن يستخدمون الأطفال واليافعين في تشغيلهم بالتسول وما شابه، فجاءني الجواب الصاعقة، وهو أنه يريد الهرب ليذهب إلى منزل ذويه! فسألته وهل والديه أو أحدهما موجود؟ فضحك الرجل طويلاً قبل أن يجيبني بطريقة استفزت ما بقي لنا من صحوة ضمير بأن أغلبية الأطفال الموجودين لديهم ليسوا أيتام، بل أغلبيتهم والديهم الاثنين موجودين على قيد الحياة، ولكن.. ودائماً يأتي بعد ولكن طامات وطامات، ويمكننا أن نقسم الأطفال الموجودين إلى 3 أقسام:
الأول: والدي الطفل موجودين على قيد الحياة، وغير مفترقين، وهذا أقسى أنواع اليتم: أن يكون والديك موجودين وتعلم أنهم موجودين ويجمعهما بيت واحد وسقف واحد، ولكنك موجود في مدرسة داخلية بعيد عنهما، لا لشيء، إلا لأن والديك قررا أن يتخلصا منك مؤقتاً واعتبراك حملاً ثقيلاً يرهق كاهليهما.. وربما لو أطعماك بدل الرسم الذي يدفعوه لتلك المدرسة لكفاك ذلك مع ما تحصل عليه من حنان دافئ في طقس بارد، وربما لو اجتمعت كل مدافئ العالم لتعطيك حرارة ذلك الحضن لخسئت وخابت ولم تفلح في مسعاها، فليس بعد حضن الأهل من حضنٍ آمن، اللهم إلا إن كانا قد فارقا الحياة فحينها يختلف الكلام ويتبدل المنطق.
الثاني: والدي الطفل أو أحدهما موجودين، ولكنهما مفترقين، وهنا ينبثق معنا حالات متعددة، فربما يكونا والديه مطلقين، وهنا تبرز قسوة بعض الآباء ممن تراهم يوافقون على رمي أبناءهم في تلك المدارس ولا يقبلون ولا للحظة أن يكونوا في أحضان أمهاتهم.. إنتقاماً منها وثأراً عتيقاً يريد أن يجعل إبنه رأس حربة في النزاع الموجود بينهما، وهو يدري أو لا يدري أو ربما لا يريد أن يدري أن ما يفعله سيدمر شخصية الولد وسيحطم له معنوياته تحطيما، وهناك أيضاً بعض الآباء والأمهات ممن افترقا وتزوج كل منهما بشريكٍ جديد.. وكرمى لعيون هذا الشريك تراه يتخلى عن فلذات أكباده حتى لا يزعج شريكه بوجودهم ، وهنا ماذا عساه سيكون شعور هذا الولد الذي سيكبر وينمو ويشب وهو يرى أن هناك من فضله أبوه عليه وأن في حياة أمه من هو أبدى منه.
الثالث: يتيم الأبوين أو ممن خفي على أحدٍ معرفتهما، فهؤلاء سيرون المدرسة الداخلية نعيماً وحضناً فيه من الحنان ما يغني عن الانزلاق في وحول المجتمع وسوآته، فهنا سيجدون المأكل والمشرب والمنامة هنا سيجدون من يحضر لهم الملابس ويطبخ لهم الطعام، من يؤمن لهم حياة كريمة يعيشون من خلالها تلاميذاً قبل الظهر وضيوفاً كراماً بعده.. هنا لا خيار آخر لهم فلا أباً لهم ولا أما.. ولا أسرة ولا بيت ينتظرهم في عطلة نهاية الأسبوع.. هؤلاء هم من يجيب على المجتمع كفالتهم وإيواءهم والحرص على ألا يسيطر النوعين الأولين على مكانهم ومكانتهم.

السابق
فادي ووالديه وحربنا المفتوحة
التالي
النوادي الفلسطينية في الجامعات اللبنانيّة: نحن هنا.. ولكن