«إنجازات» الجنرال قاسم سليماني

قاسم سليماني

فجأة، أطلّ على العالم الجنرال قاسم سليماني، قائد “الحرس الثوري الايراني”: صوره على جدران مدن العراق الجنوبية وبلداتها، في ساحات القتال مع الجيش والميليشيات الشيعية، تجولّه في المناطق التي انتزعتها هذه القوات من أيادي “داعش”، إسمه الذي بات مكررا عند كل حدث، شبه يومي. ومع هذا الظهور قلق غربي حقيقي حول تلك الشخصية، وصحافة غربية، خصوصاً أميركية وبريطانية،  تبحث في قدراته وتاريخه وطبائعه: “أقوى رجل مخابرات في الشرق الاوسط (جون ماغير، ضابط مخابرات سابق في السي آي اي”)، “”أخطر رجل في العالم” (مجلة “وايرد”)، “القائد الأكثر فعالية في سوريا” (“نيو يوركر”)… وإلى ما هناك من أوصاف تعبر عن الخوف من الرجل، والقلق من إخراجه المفاجىء على مسرح العلميات، بعد حياة أمضاها في السرّ، يقود الوزراء والسفراء من خلف الكواليس، ويمسك “الحرس” بيد غامضة، كما تكون أيادي رجال المخابرات، سواء كانوا من “محور الشر” أو “الشيطان الأكبر”.

لكن ما يلفت الانتباه بالنسبة لنا، نحن الشعوب الواقعة تحت قبضته الأمنية، كما يتباهى، ان بعض أقلامنا تبرعت مؤخرا بمحاورة الاعلام الغربي، متشاوفا عليه، لأنه يملك مفاتيح توضيح معالم هذه الشخصية المثيرة لقلقه وفضوله. فكانت سطور فرحة من التكبير والتهليل لهذا “الاسطورة”، التي تشغل بال الأميركيين…تُنغِّم بأنها هي التي تعرفه جيداً: بأن “دائرة نفوذه تشمل المنطقة كلها”، “موطىء قدمه كان لبنان حيث المقاومة”، زارنا عدة مرات، في حرب تموز و”بداية الاعمال العسكرية في سوريا”، “عراب الحركات المعارضة لنظام الرئيس العراقي صدام حسين”. وقد طلب من هذه الحركات أن تسكت على الغزو الأميركي لبلادها، ثم ان تنتفض عليه فتطرده شرّ طرد، ليعود اليه القول الحسم في العراق… فصار الآن “ضابط ايقاع الاستراتيجية الايرانية في العراق”. باختصار، قاسم سليماني هو الآن من يقرر توجهات السياسة في كل من لبنان وسوريا واليمن والعراق، أي انه هو الرجل الذي يحكم هذه البلاد، مع “شركاء” ضعفاء، أو حتى غير مرئيين. شيء يتفوق على كل الكومنترنات الشيوعية وحركات التحرر الوطنية من حيث الفعالية والإنجاز…!

لماذا أخرج الإيرانيون قاسم سليماني من عتمة السرية الى أضواء الشهرة بعد الهجوم الداعشي على العراق وسوريا؟

هل من أجل الاسراع في تصدير “الشبح الاسطورة” الى خشبة العمليات الاعلامية، لتسدّ على “داعش” فيضان صوره المرعبة؟ وتجسيد هذا “الشبح” بصورة الرجل القوي، المخيف، الذكي، الناجح، وهو يقوم بدور المسيطر على كل هذه الاراضي…؟

أم انه فزاعة مفاوضاتهم مع الغرب حول النووي؟ خصوصا انهم كانوا يتلمسون من هذه المفاوضات تأجيلا لخواتمها؟ أم انه تكريس شبه رسمي لتقاسمهم المعارك مع الاميركيين ضد “داعش”؟ نوع من إعلان سلِس عن توزيع الأدوار والأجواء؟ أو قصدهم رفع معنويات مجموعاتهم الميليشياوية العاملة في العراق وسوريا، من ان خلف أسطورة البطولة التي تسيطر عليكم، عقل براغماتي، إستراتيجي، ربح الحرب على صدام حسين في ثمانيات الماضي، “رأس الحربة الميداني المواجه لمشاريع الشرق الأوسط الكبير والواسع والموسع”…؟

وكل هذه أسباب قومية إيرانية، ذنبها على جنب أصحابها. أما نحن… نحن اللبنانيين أو السوريين، العراقيين، اليمنيين، ما لنا بهذه العظمة؟ غير اننا الرقعة الشطرنجية، أكبرنا فيها جندي، لا حصان ولا قلعة ولا فيل؟ غير اننا الأرض القاحلة والوقود الرخيص التي يخوض فيها الجنرال سليماني حربه المشوّقة؟ في كل ما ورد بقلم تلك الاقلام المنتشية بخروج “الاسطورة” أخيراً الى العلن، لم يؤتى على سيرة دور لبناني أو سوري أو عراقي واحد، غير من خلال كونه تحت أمرة الجنرال ويمشي بحسب استراتيجيته.

رئيس الوزراء العراقي، مثلاً، عندما سئل مؤخراً عن صحة خبر القصف الجوي الذي قام به الطيران العسكري الإيراني ضد “داعش”، وهو ليس الأول من نوعه، أجاب بأن “لا علم له بالغارات” أصلا! أي انه مستعد أن “يغطي” على السكوت الايراني عنها، وليس مستعدا للإجابة على سؤال آخر: “لماذا لا يكون الطيران العراقي هو الذي يقاتل داعش؟”… فلو حاول، لأتت الإجابة الواضحة، من ان قاسم سليماني، صاحب الكلمة الفصل في العراق، ومدرب وممول الميليشيات الشيعية، وصاحب السطوة الامنية والعسكرية على مجمل المؤسسة العسكرية العراقية، ليس من طبيعة مهمته ان يعطي القيادة لأهل البلاد. وإلا انتفت اسطوريته واسطورية ايران الامبريالية من خلفه، وأحيلت الامبريالية الاميركية الى مصاف العاديات من بين اخواتها.
http://www.almodon.com/opinion/48ad7c23-69fa-473c-a96c-18a57d142381

السابق
ربع اللبنانيين يهاجر.. وربع آخر ينتظر التأشيرة!
التالي
إصابات بداء الجرب بين النازحين