«كان لها عشيق»!

تلك حجة، كثيراً ما يستلّها الزوج القاتل لتبرير جريمته، فيخرس الناس، ويرتبك المحققون في قسم الشرطة (يقول والد آخر الضحايا اللبنانيات التي قتلت هذا الأسبوع إن المحقق في قسم الشرطة الذي قصدوه سابقاً للشكوى من الضرب «تحول إلى واعظ»)، بل هي «تهمة» قد تؤثر في القاضي حين تصل إليه القضية. «كان عندها عشيق»، قال زوج نسرين روحانا تلك، التي ارتفع معها عدد القتيلات المعروفات هذا العام الى 11 حالة، معظمهن على أيدي أزواجهن، وكان المعروف منهن في 2013 عشر نساء. نحمد الله أن الضحايا موزعات على كافة الأديان والمذاهب، مما حقق التوازن الطائفي وحال دون رمي الجريمة على «وحوش» هم بالضرورة «آخرون». والأرقام تلك جزء من الحقيقة، فكثيرات «مكتومات» الموت قتلاً (والعام لم ينتهِ بعد). وللمفارقة، قُتلت نسرين في «اليوم العالمي لإنهاء العنف ضد النساء» الذي أقرته الأمم المتحدة ضمن عادتها بتخصيص يوم للإضاءة على قضايا شائكة.

يتبين كل مرة أن القاتل معروف بعنفه الشديد، وأنه كان يضربها ويؤذيها إلى حد دخول المستشفى، فتقول هناك رواية مختلفة لما حدث، أشهرها أنها انزلقت على درج أو فوق حرف باب. ويتبين دائماً أنه يسلبها نقودها إن كانت تعمل، او مصاغها لو كان لديها مصاغ، ويهينها أمام أولادها لو كان عندها أولاد، وأن الأهل غالباً لم ينتبهوا (عجباً!)، أو أنهم حين يعلمون غالباً ما ينصحون ابنتهم بالصبر. وللصبر عناوين تبدأ بالسعي للستر والخوف من القيل والقال ولا تنتهي بهموم الحرمان من الأولاد الذين سيحتفظ بهم الزوج المعنِّف، فلا سلطة تجرؤ على انتزاعهم منه إلا نادراً، باعتبار أن الشرع (مسلماً ومسيحياً) يقول كذا وكيت.

وهناك أيضاً الهمّ الاقتصادي، همُّ تلك العائدة إلى أهلها إن كانت لا تعمل، وهمُّ إعالة أولادها لو حُكم لها بحضانتهم في ظل نفقة تكاد لا تكفي لشراء شيء، أو لو قرر الزوج «رميهم» لها حتى يرى كيف ستتدبر أحوالها. وهناك التساهل مع ضرب النساء وإهانتهن (شو صار؟)، وهناك نساء العائلة المعنفات، أمهات أو قريبات، يوصين بالتحمل، ويتبرمن من الشكوى، بما يبدو انتقاماً من عجزهن السابق عن الاعتراض وحماية أنفسهن… والنساء عموماً وعلى أية حال، لا يقل تبنيهن للقيم السائدة عن تبني الرجال لها إلا في ما ندر، وهن من حاملاتها ومسيِّراتها ومؤبِّدات وجودها. وأما الجيران فلا يتدخلون في «الشؤون العائلية» (ويكتفون بالنميمة)، أو يخشون عنف المعنِّف أو لا يستنكرون أصلاً هذا الذي يحصل.

إنه التواطؤ على الجريمة. وبالمناسبة فتلك ليست خاصيّات عربية مثلاً، بل هي عالمية (يا للفرح!). وتقول التقارير في هذا الصدد إن الولايات المتحدة وأوروبا تشهدان عنفاً ضد النساء من الأزواج، خصوصاً ضد زوجاتهم، يصل أيضاً الى حد القتل. والفارق أن الرجل هناك يعاقَب على جريمته. فبمَ وكيف عوقب الأزواج القتلة حتى الآن في لبنان وفي المنطقة العربية؟ هذا لو تركنا جانباً ما يقال له جرائم «غسل العار»، يرتكبها الأخ أو الأب، ولا يوجد هنا أبلغ من فتوى السيد محمد حسين فضل الله الذي اعتبرها جريمة مضاعفة لأنها تقع من قريب، وقال إن عقابها عظيم في الدنيا والآخرة. وهناك حالات شاذة ولكنها ليست نادرة كما قد يخيل إلينا، ومنها تلك القصة المؤثرة للشابة بغداد عيسى التي قتلها اخوها عندما… حمِلت منه!

لم نتكلم بعد عن العنف النفسي والمعنوي أو ذاك الجنسي… فالموضوع أولاً أن تنقذ المرأة نفسها من القتل! وأما الاعتراض على تلك الأشكال من العنف فترفٌ. وأما المطالبة بالحصول على الطلاق أو النفقة أو حضانة الأطفال فبمثابة عربدة! يا لبحار القهر.

وقد أصر النواب اللبنانيون على إقرار قانون سمّوه «حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري»، معدلين المشروع الأصلي ليشمل «سائر أفراد الأسرة»، مراعاة لمشاعر الرجال، في لفتة ذكورية بدائية تدعو للرثاء، لأنه حتى في الولايات المتحدة، حيث النساء متمكنات ويمكن لهن لو شئن اقتناء السلاح مثلاً بكل قانونية، تقول الإحصاءات إن 85 في المئة من ضحايا العنف الأسري من النساء، وهن 95 في المئة في فرنسا، و8 من كل عشر حالات عنف في الهند (بحسب أحدث تقارير منظمة الصحة العالمية التي تقول إن ثلث نساء العالم معنفات وثلث هذا العنف يصدر عن الزوج). ولكن ما إن يشار إلى النساء كضحايا حتى تُذكر حادثة قتل امرأة لزوجها وتقطيع جثته في مصر، وقد مضى عليها عشر سنوات، وحتى تُستذكر أسطورة ريا وسكينة.

على أية حال، فمنذ أقر ذلك القانون، بعيوبه وغموضه، تضاعفت شكاوى النساء أمام المحاكم (450 قضية ينظر فيها القضاء)، وتقول منظمة «كفى»، وهي رائدة في المجال، إنها تلقت منذ إقرار القانون 2500 اتصال بغاية الاستشارة. وليس في المنطقة عدا لبنان والمغرب والأردن من أقر قوانين ضد العنف اللاحق بالنساء، بينما تبقى تونس الأكثر تقدماً في المجال حيث ادخلها الدستور التونسي الجديد كمادة من مواده، بموافقة حركة النهضة الإسلامية وتبنيها الكامل، فهل يا ترى يكون إسلامها مختلفاً عن سواه؟

يثبـــت ذلك حقيقة بات من الملح إعلانها. لا يكفي أن تستقل النساء اقتصادياً ليتمكنّ من بعض التدبر في مصائرهن. هذا، كما في الرياضيات، شرط لازم ولكنه غير كافٍ. ولا يكفي أن تعلن القوانين مساواة النساء وفق ما تقوله الدساتير عـــن مساواة المواطنين، ليس فحسب لأن الاستدراكات لا تلبث أن تطل برأسها: بمـــا لا يخالف قوانين الأحوال الشخصية او بما يتحفظ بناء على… الخ… فالقــانون لازم هو الآخر ولكنه غير كافٍ. هناك «تمييز ايجابي» يجب أن يلحق بكل شؤون النساء (وليس بالكوتا في المجلس النيابي فحسب، وهي تدبير ثانوي)، وأقله تشديد العقوبات بحق قاتل زوجته: لعل ذلك يساهم في تغيير القيم والقناعات السائدة. لعله يكون رادعاً لاستمرار المسلسل البشع. لعلهم يتذكرون أن هناك غير القتل حلاً، حتى لوجود العشيق: طلّقها يا رجل

http://alhayat.com/Opinion/Writers/5961265/

السابق
جنى المطر توّقع «حياة في منتصف الموت»
التالي
«اللوبي» الفلسطيني في واشنطن: ضربة قاسية