«اللوبي» الفلسطيني في واشنطن: ضربة قاسية

أنشئ فريق العمل الأميركي من أجل فلسطين عام 2003 وكان الهدف منه وضع قضية إقامة الدولة الفلسطينية في صلب السياسة الأميركية. ومنذ ذلك الوقت، استمر فريق العمل بالاتّكال على موازنة ضئيلة وطاقم صغير، وغالباً ما يشارك مسؤولون حكوميون أميركيون رفيعو المستوى وشخصيات مرموقة أخرى في واشنطن، في احتفاله السنوي.

رأى صنّاع السياسات أنّ فريق العمل الأميركي من أجل فلسطين يمثّل الأفضل في السياسة الفلسطينية، وأحد الأسباب هو ارتباطه برئيس الوزراء الفلسطيني السابق سلام فياض الذي كان موضع ثناء في الغرب نظراً لأسلوبه في مقاربة بناء المؤسسات. وقد ألقت هيلاري كلينتون كلمة في الاحتفال الذي أقامه فريق العمل عام 2010، عندما كانت وزيرة للخارجية.
لكن خلال العام الجاري، تبدّلت الأوضاع بالنسبة إلى “فريق العمل الأميركي من أجل فلسطين”. فقد تلقّت هذه المجموعة التي لا تتوخّى الربح ضربة قاسية جراء الحرب التي اندلعت الصيف الفائت بين إسرائيل و”حماس” وانهيار محادثات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين بوساطة أميركية والتي كانت تهدف للتوصّل إلى حل الدولتين الذي يقع في صلب مهمة “فريق العمل الأميركي من أجل فلسطين”. وهكذا قرّرت المجموعة إلغاء احتفالها السنوي الذي يؤمّن عادةً نصف المبالغ التي تجمعها سنوياً. ويقول مؤسسها إنها ستُضطر إلى خفض عدد موظّفيها والانتقال إلى مكاتب أصغر مساحة. لقد وقع “الفريق” ضحية تحوّل أوسع نطاقاً: فالأمل بالتوصل إلى حل الدولتين الذي تتبنّاه السياسة الأميركية رسمياً وتعتبره المنظومة الأميركية السبيل المشروع الوحيد لإنهاء النزاع، يفقد زخمه، ما يتسبّب بأزمة وجودية كبرى لبعض الجهات الأكثر تمسّكاً به.
لقد سلّط زياد عسلي، مؤسس “فريق العمل الأميركي من أجل فلسطين” ورئيسه، في مقابلة مع BuzzFeed News في واشنطن، الضوء على المشكلات التي تواجهها المجموعة معلناً أنها اتخذت في آب الماضي – قبل يومَين من وقف النار في حرب غزة – قراراً رسمياً بإلغاء احتفالها الذي كان مقرراً إجراؤه يوم الثلثاء [18 تشرين الثاني الماضي].
يقول عسلي، الطبيب المولود في القدس والذي تدرّج في مهنة الطب في إيلينوي طوال عقود قبل أن ينتقل إلى واشنطن للعمل على القضية الفلسطينية، إن فشل المفاوضات والحرب اجتمعا معاً هذا العام ليتسبّبا بإحباط شديد في المعنويات.
فقد شرح عسلي: “شكّل الإخفاق الشديد الذي آلت إليه المفاوضات من دون الحفاظ ولو على ورقة تين، انتكاسة كبيرة. لم يكن إخفاقاً للمفاوضات وحسب، إنما أيضاً لمفهوم حل الدولتين، وللتوقّعات السياسية المرتبطة بالدور الذي تؤدّيه الولايات المتحدة في المفاوضات وبقدرتها على التأثير فيها؛ كان ذلك سيئاً جداً. وقد كان له أثر علينا بالتأكيد، لأننا منظمة ذات مهمة محدّدة قوامها حل الدولتين”، مضيفاً: “حصلت مفاوضات وحرب في غضون عام واحد، وكانت لكلتيهما نتائج كارثية”.
يترك إلغاء الاحتفال السنوي تداعيات سلبية جداً على “فريق العمل الأميركي من أجل فلسطين”، لأن الحفل يؤمّن جزءاً كبيراً من التمويل – تبلغ موازنة المجموعة السنوية نحو مليون دولار أميركي. إلا أن عسلي وفريقه شعرا بأن الوضع السياسي صعب جداً بالنسبة إليهم هذا العام بحيث يتعذّر عليهم إقامة الاحتفال. يشار إلى أنه سبق للمجموعة أن ألغت احتفالها السنوي عام 2012، لكن السبب هو أن موعده كان قريباً من الاستحقاق الرئاسي الأميركي، وقد تخوّفوا من أن يؤثّر ذلك في نسبة الحضور.
وقد علّق عسلي: “إلغاء الاحتفال السنوي مضرٌّ جداً بعافية منظمتنا، لا نتّخذ هذا القرار باستخفاف. باتت قضيتنا تحتل الآن المرتبة 17 في الأولويات على مستوى الشرق الأوسط، فكم بالحري على مستوى العالم. لا نريد تنظيم احتفال فاشل”.
التفكير بالحفل السنوي دفع “بالفريق” إلى التفكير في مهمته الأوسع وفي التحوّل الذي يجدر به إجراؤه.
يقول عسلي: “علينا نحن الأشخاص الجديين في المنظومة التي تتعاطى شؤون الشرق الأوسط في هذه البلاد، أن نحدّد موقعنا ونمط تفكيرنا. هذا هو موضوع النقاش الحي الذي تشهده مجموعتنا والذي كان جزء منه مرتبطاً بمسألة الاحتفال السنوي. لقد بدأ النقاش قبل أشهر في ضوء عدم تحقيق أي نجاح في المفاوضات”.
يضيف: “نحن مهتمون، أكثر من أي وقت آخر، بما يجري في سوريا والعراق. ترتدي الأحداث التي شهدتها مصر أهمية بالغة لنا. الإمكانات التي باتت متاحة الآن في المنطقة برمتها مثيرة جداً للاهتمام. ما السبيل لإجراء حوار جدّي أبعد من القضية الفلسطينية – الإسرائيلية؟”.
وكذلك لم تكن السياسة الفلسطينية الداخلية مواتيةً. يقول عسلي إن “فريق العمل الأميركي من أجل فلسطين” “أدرك المنحى الذي تسلكه الأمور” عندما قدّم سلام فياض، رئيس الوزراء الفلسطيني سابقاً، استقالته العام الماضي. لم يتمكّن فياض، وهو شخصية مرموقة في الغرب رفع لواء بناء المؤسسات في الضفة الغربية، من الحصول على قاعدة شعبية داعمة له في الداخل. يقول عسلي إن مجموعته كانت “منخرطة بالكامل” في برنامج فياض لبناء الدولة والمؤسسات، وهكذا شكّل خروج فياض قسراً من السلطة انتكاسة كبيرة لها.
ويضاف إلى هذا كله أن المجموعة تعمل بـ”موازنة تقشّفية”، كما يقول عسلي. فقد واجهت، على غرار فياض، صعوبة في كسب قاعدة داعمة. كما أن أعضاء الجالية العربية-الأميركية الذين ربما كانوا حلفاء للمجموعة في السابق، يواظبون الآن على مهاجمتها من اليسار. أحد الأسباب، بحسب عسلي، هو أن “فريق العمل الأميركي من أجل فلسطين يتعامل مع الإسرائيليين ومع المجموعات اليهودية”؛ فعلى سبيل المثال تعرّضت المجموعة للانتقادات من مدوّنة Mondoweiss المناهضة لإسرائيل بعدما أوردت اسم مانحٍ داعم لإسرائيل على لائحة مانحيها ضمن بيان إيراداتها المعفية من الضرائب. وقد تواجَه حسين أيبش على وجه الخصوص، وهو أحد كبار الباحثين في فريق العمل الأميركي من أجل فلسطين، مع أشخاص يتبنّون مواقف يسارية في هذه المسألة ولا يؤمنون بحل الدولتين.
يقول عسلي: “هذا جزء من المشكلة التي نواجهها في جمع الأموال. لقد شكّل تواصلنا مع الإسرائيليين في العلن، هنا وفي إسرائيل، ومع الجالية اليهودية المنظّمة وغير المنظمة، عائقاً كبيراً أمام التواصل مع أبناء مجتمعنا”.
ويتابع: “نحن نؤيّد التعامل مع المنظومة التي تتعاطى في الشأن الفلسطيني والإسرائيلي، والتي من الطبيعي أن يكون نصفها على الأقل يهودياً أو إسرائيلياً”.
ليس واضحاً ما هو المسار الذي سيسلكه “فريق العمل الأميركي من أجل فلسطين”، وإن كان هناك فعلاً من مسار نحو الأمام. قال عسلي إنهم “يقلّصون مساحة المكتب وعديد الموظفين على السواء”، لكن حجم التخفيض “يتوقّف على تطوّر الأمور في الأسابيع القليلة المقبلة”. يعمل عسلي وزوجته نايلة التي شاركت في تأسيس فريق العمل، على أساس تطوّعي في المجموعة بهدف ادّخار المال. وفيما تبدو فكرة تطبيق حل الدولتين أكثر هشاشة، يواجه الفريق واقعاً صعباً.
يقول عسلي: “نحن نملك الإرادة، لكننا لسنا دون كيشوت. نتحلّى بالإرادة لكن يجب أن تكون مركّزة وموجّهة نحو الهدف؛ لهذا النقاش جدّي للغاية”.
وأضاف أن فريق العمل الأميركي من أجل فلسطين “قد يكون المنظمة الوحيدة في هذا المقلب التي تلتزم التزاماً كاملاً بحل الدولتين، وثمة رمزية معيّنة في عجزها عن جمع الأموال من أجل البقاء”.

السابق
«كان لها عشيق»!
التالي
خالد الصاوي: أنا مش مريض يا أحبائي