الأشخاص المعوقون: 70 في المئة لا يعملون

قرأت ماري (40 سنة) ملصقاً إعلانياً على باب محل تجاري، تقدمت إلى الوظيفة المعلن عنها، فهي تستطيع أداء جميع المهمات المطلوبة، إلا ان طلبها رُفض بسبب إعاقتها الحركية. «قال لي صاحب المحل حرفياً: أنت بالذات ممنوع تشتغلي». لدى خالد شكوى مماثلة، يقول: «أنا من مواليد العام 1976. لدي إعاقة حركية. قدّمت طلب وظيفة في إحدى المؤسسات التجارية وقبلتني ربة العمل. إعاقتي بسيطة وغير واضحة، وعند قبولي لم تنتبه ربة العمل إليها. لكنها عندما لاحظت إعاقتي رفضتني رفضاً قاطعاً لأنها حكمت مسبقاً وبشكل قاطع بأني لا استطيع العمل بسبب إعاقتي».

ماري وخالد لا يعملان، ولا ينتظران من الحكومة تطبيق الكوتا المقتطعة في القطاعين العام والخاص لتوظيف الأشخاص المعوقين.
وقبل العمل يصطدم الشخص المعوق بالبيئة الهندسية التي لا تحترم حاجاته، وبمؤسسات الدراسية التي لا تستقبله، وإن استقبلته فلا المكان ملائم ولا المناهج مكيفة، ولا خبرة لدى الجسمين الإداري والتعليمي في التعامل واحتياجاته. ذلك ولا تزال الدولة تعزز المؤسسات العازلة، تقول الطفلة سالي «أنا من مواليد العام 2009، لدي إعاقة فكرية. رفضت مؤسسة متخصصة طلب الرعاية الخاص بي من دون معرفة السبب، ذلك على الرغم من أن والدتي حصلت على موافقة لمدة ثلاث سنوات. حجة المؤسسة أن وزارة الشؤون الاجتماعية رفضت الرعاية، واشترطوا على أهلي دفع مبلغ 500 ألف ليرة، إن أردت البقاء في مركز المؤسسة».
إلا ان تلك المؤسسات التي تحصل على دعم منتظم من الحكومة، عن كل طفل معوق لديها، يبقى أداؤها للمهمات التربوية مبهماً. تروي بشرى (23 سنة) وهي شابة لديها إعاقة ذهنية «لا أستطيع القراءة أو الكتابة لأنني لم أتعلم في صغري، حيث كنت في مؤسسة رعائية تدّعي أنها تعليمية، لكنها فعلياً لم تعطني أي فرصة للتعلّم، بل كانت بمثابة مأوى للأشخاص المعوقين»، معتبرة أن «على الدولة أن تتبنى نظاماً ومنهاجاً تعليمياً دامجاً للجميع».
تلك الشكاوى، ونحو مئتين مثلها، أرسلت إلى «مرصد حقوق المعوقين»، الذي يطلق تقرير الرصد الثاني اليوم من قصر الأونيسكو في بيروت تزامناً مع اليوم العالمي للإعاقة. المرصد يعمل للسنة الثالثة على رصد الانتهاكات. تقول رئيسة «اتحاد المقعدين اللبنانيين» ورئيسة المكتب العربي في «المنظمة الدولية للأشخاص المعوقين» سيلفانا اللقيس: «يعبر المرصد عن المجتمع المدني، تحديداً جمعيات الأشخاص المعوقين. وقد تحددت الشراكة في ما بين الجمعيات المدنية ووزارة الشؤون الاجتماعية فيه، حيث كان للوزارة الدور الرئيس في التواصل مع مؤسسات القطاع العام لنشر محطات للمرصد فيها، وتنسيق التواصل مع فريق المرصد. وكذلك البحث عن حلول، والمتابعة مع المعنيين في القطاع العام. والوزارة وفق القانون 220/2000 هي الجهة المعنية رسمياً بمتابعة تطبيقه».
تضيف اللقيس: «لم يكن من الممكن في المرحلة السابقة من حياة المرصد الدخول في عملية التحقيق لكل قضية، حيث الأولوية تركزت في بناء آليات التواصل والشراكات ونشر المعلومات عن الحقوق. أما في المرحلة الحالية فبدأ المرصد بإعداد فرق عمل من متطوعين ومتطوعات وتمكينهم من مهارات الرصد والتحقيق في القضايا المبلغ عنها، إلى جانب توفير الخدمات القانونية، إن لناحية تقديم الإرشاد القانوني، أو للمرافعة القانونية من خلال شراكة المرصد مع المفكرة القانونية».
وقد تطور دور المرصد في سنته الثانية ليلعب دوراً أكبر في التدخل في التبليغات المقدمة ويساعد في إيجاد حلول لبعضها، ضمن الإمكانيات المتاحة له. ولم يغفل السياسات والخطط والمشاريع الإنمائية المطروحة من قبل الحكومة أو من بعض الوكالات الدولية ليقوم برصدها ودراسة إلى أي مدى تأخذ هذه المشاريع والخطط معايير الإعاقة وتحترم حقوق الأشخاص المعوقين. قام المرصد برصد بعض المشاريع والخطط الإنمائية المنفذة في لبنان، كمشروع الإرث الثقافي» المنفذ من قبل مجلس الإنماء والإعمار في خمس مدن.
الشكاوى والانتهاكات
يضم التقرير الذي يطلق اليوم 197 بلاغاً من مختلف المناطق. ويتبين أن 71.6 في المئة من مقدمي الاستمارات لا يدرسون، مقابل 20.8 في المئة يدرسون، و7.6 في المئة فقط من أصحاب الشهادات. وتلك النسبة الكبيرة لغير المتعلمين، تعكس انعدام البيئة الهندسية الدامجة لهم في المدارس والجامعات. ويظهر ذلك في عدد من نماذج الشكاوى المقدمة في بابي التعليم (10.7 في المئة) والبيئة الهندسية (22.8 في المئة). كما أن نسبة المتعلمين ممن يتابعون دراستهم أو من حملة الشهادات الجامعية والتقنية، إلى نسبة غير المتعلمين لم تختلف كثيراً بين سنتين من عمل المرصد، فقد بقيت النسبة الأكبر هي لغير المتعلمين، ففي العام الماضي بلغت نسبتهم 61.5 في المئة.
كما تلحظ زيادة طفيفة في عدد الإناث المتقدمات باستمارات، فقد تنامت من 35.9 في المئة إلى 41.1 في المئة خلال سنة. أما التوزع بحسب الوضع العائلي، فبلغت نسبة المتزوجين من مقدمي الشكاوى 28.9 في المئة، إلى 71.1 من العازبين. ويظهر أن نحو 70 في المئة منهم لا يعملون. وتتركز النسبة الأكبر من الاستمارات المقدمة على باب العمل، 28.2 في المئة، فنسبة 69.5 في المئة لا يعملون، ومن يجد فرصة عمل أو يعمل (نسبتهم 30.5 في المئة) يصطدم بعدد من العوائق منها البيئة الهندسية غير المجهزة أو بظروف العمل، وبمكانه، وبالمهمات الوظيفية الموكلة إليهم.
ويسعى المرصد للوصول إلى جميع الأشخاص المعوقين، ويظهر أن نسبة الأشخاص المعوقين حركياً هي الأعلى بين مقدمي الشكاوى، وإن تدنت من العام الماضي حيث كانت 86 في المئة إلى العام الحالي لتصل إلى 76.1 في المئة. ذلك إلى جانب مشاركة ملحوظة للأشخاص المعوقين فكرياً، وبصرياً، وسمعياً. وتتوزع الشكاوى على جميع الفئات العمرية، إلا ان فئات الأشخاص المعوقين ممن هم في عمر الدراسة والعمل هي الأعلى فمجموع نسب الفئات العمرية بين عشرة وخمسين سنة يصل إلى تسعين في المئة من مقدمي الشكاوى. فنسبة الذين هم في عمر يسمح لهم بمتابعة دراستهم المدرسية والجامعية يصل إلى 41 في المئة، أما الأشخاص المعوقون الذين هم في سن العمل والإنتاج فيما لو تأمنت لهم الظروف الملائمة والتكييفات الوظيفية فنسبتهم نحو خمسين في المئة. ويرتبط ذلك بنوع الشكوى المقدمة، والباب القانوني الذي تندرج تحته.
وتحتل البيئة المؤهلة نسبة 20.8 في المئة. وهي بالإضافة إلى العمل، تتعلق بالدمج الاقتصادي الاجتماعي، وبعدها تأتي الخدمات الصحية وهي شكاوى تتكرر من سنة إلى سنة من أشخاص مختلفين وتصل نسبتها إلى نحو 19 في المئة.
توصيات
يتضمن التقرير توصيات قطاعية نتجت من البلاغات والشكاوى، وفق أبواب القانون، كما أنه يوصي بشكل عام بالمصادقة على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وبروتوكولها الاختياري، وبإقرار استراتيجيا وطنية تهدف إلى تطبيق القانون وتأمين دمج الأشخاص المعوقين، وتحدد المهل الزمنية والموارد الضرورية لتنفيذها. كما يدعو إلى إعادة هيكلة الموازنة العامة لتكييف بنودها مع حقوق الأشخاص المعوقين المنصوص عليها في القانون 220/2000 وتخصيص الاعتمادات الكافية لتأمين الحقوق والاحتياجات. ذلك بالإضافة إلى ضمان حقوق الأشخاص المعوقين في جميع الخطط والسياسات والقوانين والقرارات والبرامج التي تعتمدها الدولة في كل المناطق والمجالات، بهدف تأمين المساواة بين الأشخاص المعوقين والأشخاص غير المعوّقين.

للتبليغ عن انتهاك

يعمل «مرصد حقوق المعوقين» عبر نظام شكاوى مبنية على تعبئة الاستمارات. ويخول الأشخاص المعوقين استخدام عدد من الأدوات لتقديم تبليغ عن انتهاك حقوقهم، وذلك عبر:
موقع إلكتروني للشكاوى:
www.disabilitymonitor.org
صناديق الشكاوى الموجودة في مراكز الشؤون الاجتماعية، والبلديات، وبعض جمعيات الإعاقة.
الاتصال بفريق المرصد على الرقم: هاتف/ فاكس: ٧/ ٨٠٧٣٦٦ -٠١

السابق
جدول أعمال الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل
التالي
مسلخ صيدا صحّي… ولكن