كل تشرين والسلطة بخير

الشتاء
ينتظر لبنان العاصفة «ميشا» والتي ستحمل معها كمية كبيرة من الامطار. في «الشتوة» الماضية طافت الانفاق والاوتوسترادات التي تربط بيروت بالجنوب. كل هذا يجري ونواب امتنا يبحثون في جنس الملائكة.

يقول التاريخ أن العثمانيين استولوا على القسطنطينية، فيما كان الزعماء البيزنطيين في جدل مستمر حول جنس الملائكة، إذا كانوا ذكوراً أم أناثاً.

وفي لبنان السلطات تتحلل والوضع الاقتصادي ينهار والمجتمع يتفكك وما زال زعماؤه يناقشون مواصفات رئيس الجمهورية المقبل. هل يكون ممثلاً فعلياً للمسيحيين؟ هل يكون رئيساً قوياً؟ وما هي معايير القوة؟ هل نريد رئيساً توافقياً؟ والمطروح رئيس توافقي واحد أو لا أحد.

وزير الصحة وائل أبو فاعور فجّر قنبلة كبيرة، عندما أشار في مؤتمره الصحافي إلى الفساد الذي طال لقمة عيش اللبنانيين من خلال اطلاعهم على نتائج التحاليل المخبرية لعدد من المواد الغذائية المأخوذة من مطاعم ومحلات كبرى في لبنان.

أبو فاعور شكر ربه مئات المرات يومياً لوجود الزعيم الدرزي وليد جنبلاط ليحميه من ردات الفعل التي طالته من مواقع مختلفة سياسية واقتصادية واجتماعية. وزير الصحة الأسبق الدكتور إميل البيطار، ومن معرفته يحسد أبو فاعور على الحماية التي تحيط به. والبيطار كان وزيراً في الحكومة الشباب عام 1970 والتي ترأسها المرحوم صائب سلام والد رئيس الوزراء الحالي تمام سلام، يومها، عرض البيطار خطة لاستيراد الدواء مباشرة مما يسهم بخفض أسعار الدولة بنسبة 40% آنذاك، وكان نصيبه إقالته من الوزارة على الرغم أنه كان مارونياً، لكن لم يكن لديه جنبلاطه.

في تلك الأيام وقع الوزير الياس سابا مرسوم رقم 1943 المتعلق بالاحتكارات التجارية (التمثيل التجاري) لكنه سرعان ما بلع المرسوم واستمر في الحكومة.

ويوم السبت الماضي (15 تشرين الثاني) كان آلاف اللبنانيين ينتقلون ما بين بيروت وصيدا، وكانوا من أزمة سير خانقة بسبب هطول الأمطار وتحول نفق خلدة إلى نهير غزير. شاءت الظروف أني كنت أتجه مع أحد الأصدقاء إلى بيروت “وعلقنا بالعجقة” عند منتصف أوتوستراد الدامور. بداية لم نعرف السبب، فكرنا أن حادثاً قد حصل على الاوتوستراد وقد حصل فعلياً عند الدوحة لكنه لم يشكل العائق الأساسي، حاول عدد من السائقين الانتقال من المسلك الشرقي إلى المسلك الغربي، أي السير بعكس وجهة السير كسباً للوقت. اقترح صديقي ذلك، لم أوافق قائلاً: أخجل من نفسي إذا قدت بعكس السير، ما هي إلا دقائق حتى سمعنا أصوات أبواق السيارات المرتفعة، والتي يستعملها المسؤولون، كان موكب أحد النواب البارزين، والذي هو ليس نائباً فحسب بل رئيس لجنة نيابية، يسلك المسلك الغربي بعكس السير. التفت صديقي وقال: وهذا النائب ألا يخجل من نفسه؟ أجبته: من يرتكب جريمة التمديد لنفسه، تصير هذه الحادثة تافهة. بالمناسبة سألت أحد كتاب العدل، إذا كان قانونياً أن يلجأ الوكيل لوحده إلى تمديد مدة الوكالة الموقعة عنده؟ أجابني: مستحيل، يجب على الطرفين المثول أمامي وأن أستمع إلىم وافقتهما قبل أن أوقّع على تمديد الوكالة.

هل يجرؤ أحد النواب الذين عارضوا التمديد أن يستقيل كخطوة منطقية لموقفه المعارض للتمديد. أم أن ما حصل هو تشريع الضرورة كما وصفه أحد السياسيين في اجتماع للأحزاب المسماة وطنية، والذي عقد في منزل الوزير السابق وئام وهاب في الجاهلية قبل أسبوعين، والتمديد هو انتهاك لحقوق الإنسان، لحقه في الاختيار والمشاركة في الحياة السياسية. وبمناسبة الحديث عن حقوق الإنسان، استقبل وزير خارجيتنا جبران باسيل وفداً من الفصائل الفلسطينية المتواجدة في لبنان، حاول الوفد طرح مطالبه حول الحقوق الإنسانية والطبيعية للاجئين الفلسطينيين في لبنان. جواب باسيل كان قاطعاً: لا حقوق لكم لدينا سوى حق العودة؟ رحم الله شارل مالك، الذي ربما، في موقفه، يلعن الساعة التي شارك في كتابة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، لو كان يعلم أن الزعماء لن تنتهك حقوق اللاجئين  بل حقوق اللبنانيين أيضاً.

في العودة إلى طريق صيدا – بيروت، وصلت إلى بيروت بعد أربع ساعات، ما بين الدامور والأوزاعي لم ألحظ وجود أي عنصر لقوى الأمن لتسهيل سير السيارات، علّق صديقي: ربما مشغولون بمرافقة الزعماء وأبنائهم. لكن عند الأوزاعي كانت عناصر قوى الأمن تساعد على السير وهذه بادرة جيدة.

في تشرين من العام الفائت، وعند حصول نفس الحادثة تحرك وزير الأشغال آنذاك غازي الأول وأجرى الاتصالات اللازمة ونزل إلى الشارع، لكن يبدو أن شعبوية غازي الأول لا تناسب ارستقراطية غازي الثاني، ربما كان مشغولاً بتطوير الإنتاج الزراعي وتصنيعه في البقاع بالإضافة إلى حراسة الحدود من الداخلين إلى سورية والخارجين منها، وكلاهما قضايا وطنية عليا لا تتناسب مع مشكلة صغيرة تمثلت بعوائق أمام انتقال حفنة من اللبنانيين من بيروت وإليها.

السابق
الجوزو: قيام شخص ايراني بتمثيل دور رسول الله فيه اهانة صريحة للاسلام والمسلمين
التالي
قيادية تونسية ليبرالية لـ«جنوبية»: الاتفاق مع النهضة أساسي