تعقيب على مقالة منى سكرية

في مراجعة الصحافية سكرية لكتاب تجمّع الباحثات اللبنانيات الخامس عشر وعنوانه: «التهميش في المجتمعات العربية كبحًا وإطلاقاً» تنهي الكاتبة مقالتها بقولها «كما طال التهميش عدم التعريف بجميع أسماء المساهمين والمساهمات في أبحاث الكتاب؟!». ومع أنها تنهي الجملة بعلامتي استفهام وتعجّب فنحن نثني على هاتين العلامتين، لكن من ناحيتنا، فإنها تهمة خطيرة أن نغفل أسماء مساهمين. وهذا لم يحصل أبدًا. فالمقالات في الكتاب ممهورة بأسماء كاتبيها، وفي آخر المجلد نبذات عن كل منهم من دون أي استثناء!

تلومنا الكاتبة على أننا لم نتطرّق إلى فئات مهمّشة كثيرة مثل أطفال الشوارع وعاملات المنازل والمهمشين في الخليج العربي وغيرهم. ونحن لم ندّع أننا سنغطي الفئات المهمّشة كلها بين دفتي كتاب واحد. وفي المقدّمة نذكر أننا سنتلافى ترداد ما قيل مرارًا عن التهميش والمهمشين، كما سنتجنّب الوقوف عند التظلّم، وأننا سنوجّه الاهتمام لنوع بعينه من التهميش، هو الذي يحفّز المهمّش فيطلقه إلى أبعد ممّا كان سيصل اليه لو لم يكن مهمّشًا. فمثلاً كتبت نازك يارد عن سليم بركات الذي وجد نفسه مهمشًا ككردي في المجتمع العربي السوري فأتقن اللغة العربية كأقليّة ومن المجلّين فيها. ولو كان ما كتبته يارد مجرّد مراجعة لروايتين لكانت مقالتها خارج سياق العدد.
كذلك تذكر السيدة سكرية أن نجلا حمادة كتبت عن روايتين، دون أن تتنبّه إلى أن الروايتين كانتا الوسيلة لإظهار الفرق بين تبنّي الكاتبة معايير سائدة تجلب لها القبول وتبنّيها معايير وأهدافاً «هامشية» تؤمن بها ولو على حساب إرضاء قارئيها. ولو كان موضوع حمادة مجرّد تقييم لروايتين لما وجد له مكان في هذا الكتاب.
وتضيء سكريّة على جملة في مقدّمة الكتاب تذكر القاعدة في علم الفيزياء القائلة إنه مقابل كل فعل هناك رد فعل، لتستنتج أننا نخضع «البشري للحسابي». وما ذكر عن الفيزياء مع جدليات كثيرة أخرى في السياق عينه هدف إلى القول إن التهميش قد يؤدي إلى ما يناقضه، ولم تكن الغاية الواضحة وضع منتوج رقمي لسلوك الناس! فغني عن القول انه ليس كل تهميش يحفّز المهمّش على أن يتخطّاه. فالتمثّل بالفيزياء هنا يصحّ في حالات دون أخرى. وكثيرًا ما يحطّم التهميش من يعانونه من دون أن تكون لهم ردّة فعل معاكسة. وقد ذكرنا بكل وضوح أن هذا النوع الأخير من التهميش ليس موضوع الكتاب.
ونحن إذ نشكر الكاتبة سكرية على الاهتمام بكتابنا، نتمنى لو انطلق تقييم العمل من الغاية التي وضعها له القيمون عليه. فلو ركّزت الناقدة على ما أوصل الكتاب إلى هدفه أو ما نأى به عنه لكان نقدها أكثر تركيزًا وإنصافًا.
أما تشاطرها في بداية المقالة إذ «تكتشف» سوء نيّة في «انتقائية موضوعات الأبحاث، وتشابه ما أثارته، وتناغم ما دعت اليه، أو خلصت إلى نتائجه، بما لم يفسح المجال للبحث في أنواع التهميش كلّها» فهي شطارة في غير محلّها. خاصة بعد شرحنا المطوّل والصريح لما أردنا الكتابة عنه وما لم نرد أن نفسح المجال له. فنحن لم نرد تغطية التهميش كله في كل المجتمع العربي ولا أردنا ترديد بكائيات لا توصل إلى أي غاية. فأولاد الشوارع وغيرهم من المظلومين بحاجة إلى من يحسّن أوضاعهم لا إلى من يتعالى على ظالميهم فيريح ضميره بـ«بلاش»، ومن دون أن يفيد منه أحد.

السابق
الإرهابيون يبتعدون.. والعين الأمنية تراقب
التالي
مخابرات بيروت توقف عصابة سلب وتصيب احد افرادها