تشغيل الأطفال ظاهرة لدى السوريين اللاجئين

لم يتمكّن والد إسماعيل الطفل السوري البالغ من العمر 10 سنوات، أن يرسل ابنه إلى المدارس السورية الموجودة في اسطنبول بسبب عدم قدرته على تحمّل قسطها (معدّله 100 دولار لكل فصل دراسي)، ففضّل تشغيله في ورشة للخياطة قريبة من منزله في الحي المتواضع. وذلك كي يعين والديه على تكاليف الحياة ومشقاتها في المدينة التركية. ويتقاضى إسماعيل الذي يعمل من التاسعة صباحاً إلى السادسة مساء، 400 ليرة تركية شهرياً (أقل من 200 دولار). لكنه اقتنع أو أقنعه والداه بأن عمله في الورشة سيكسبه مهنة مستقبلية محترمة، في حين أن الشهادات العلمية لا تفيد في تحصيل الرزق في هذا البلد الغريب.

هكذا، باتت معاناة إسماعيل وأطفال سوريين آخرين مضاعفة في الغربة: بلد جديد لا يؤمّن مقاعد دراسية مقبولة التكاليف من جهة، وعمل شاق ومرهق جداً لا يمنحهم سوى يوم عطلة واحد هو يوم الأحد، يستغله إسماعيل في لعب الكرة مع أترابه السوريين والأتراك في حيه الصغير.

أما الطفل أحمد رواس (13 سنة)، فقد اضطرته ظروف لجوئه وعائلته للعمل في مطعم تركي من التاسعة صباحاً وحتى التاسعة مساء، يوصل طلبات الطعام المنزلية ويمسح طاولات المطعم ويجلب أغراضاً. يعود إلى منزله الصغير منهكاً لكن أجرة عمله البالغة 1200 ليرة تركية شهرياً ضرورية جداً لإعالة الأسرة المؤلفة من والدته وإخوته الأربعة. يتغيّب أحمد أحياناً عن العمل لمرضه أو تعبه الشديد، فيحسم رب العمل أجرة اليوم (40 ليرة تركية) من راتبه نهاية الشهر. فيلعن المرض والتعب ويستمر في عمله اليوم التالي تحضه المسؤولية والحاجة في آن.

عامر (11 سنة) يقف في منطقة «أكساراي» وسط اسطنبول يبيع الخبز السوري في أكياس للمارة من السوريين والعرب، تلفحه الشمس صيفاً ويقرصه البرد شتاء. يعمل أحياناً لساعات طوال لبيع ما في جعبته من أكياس خبز، لأن بقاءها لليوم التالي يفسدها. يحدّثنا عامر عن عمله ويعتبره أفضل بكثير من التسوّل أو تهريب الدخان السوري الذي يقع فيه أطفال سوريون كثر، وبدأت الحكومة التركية تكافحه أخيراً. ويقول إنه نسي معنى «الدراسة» والمدرسة بعد انقطاعه عنها لأكثر من عامين. ويتذكّر مدرسته في معرّة النعمان (محافظة إدلب) التي قصفت، بمرارة وغصة حارقتين.

أما سراج فقد كانت الحاجة لديه أم الاختراع، إذ وضع «بسطة صغيرة» في شارع عام، وشرع في بيع ألعاب نارية ومفرقعات ومتفرقات.

المدارس التركية باهظة

لم تتمكن عائلة أبو جواد من أن ترسل أياً من أبنائها الصغار الثلاثة إلى المدرسة، وكيف تفعل وهي، كما يقول رب العائلة، تعجز عن إطعامهم جيداً، وتكتفي بإحضار الخبز والبطاطا. فراتب الأب البالغ 1000 ليرة تركية بالكاد يغطي تكاليف الحياة. وحتى المدارس التركية، وفق أبو جواد، أصبحت تتقاضى أقساطاً عالية لا تتناسب مع مستوى معيشة الأسرة الآتية منذ أشهر قليلة من ريف حلب. ويخطط أبو جواد لأن يساعده أولاده في ورشة لصناعة الثريات حيث يعمل، أو في أعمال أخرى لكن «بعد أن يكبروا قليلاً».

وأرسلت ابتسام صواف اثنين من أبنائها الثلاثة إلى مدارس سورية، والثالث إلى مدرسة تركية قريبة من المنزل كي توفّر أجرة باص المدرسة السورية البالغة حوالى 140 ليرة سورية (حوالى70 دولاراً) شهرياً. ولفتت صواف إلى أن المدارس التركية ألغت قبولها أطفالاً سوريين مجاناً نظراً إلى اإرتفاع أعداد اللاجئين، وأصبحت تتقاضى 100 ليرة سورية شهرياً عن كل طفل، وهو مبلغ كبير بالنسبة للعائلة السورية التي تدفع أجرة منزل وفواتير مختلفة. في المقابل، فضّلت أم لأربعة أطفال سوريين إدخالهم مدرسة تركية تعلّم القرآن حصراً، واستطاعوا من خلالها تعلّم اللغة التركية شفهياً.

«لا لعمالة الأطفال»

أوضحت وزيرة الثقافة وشؤون الأسرة في الحكومة السورية الموقتة تغريد الحجلي إلى «الحياة»، عن حملة «لا لعمالة الأطفال السوريين نعم للعودة إلى مقاعد الدراسة»، التي أطلقت في دار «أنت أملي» لإيواء الأيتام والأطفال المشردين ورعايتهم في مدينة كيلس التركية، أن الوزارة ستنجز الحملة وتوجد حلولاً لمشكلة عمل الأطفال من خلال لقائها مدير «منبر الأناضول» المؤلف من جمعيات تركية تعتني بالسوريين وتتعاون مع اتحاد منظمات المجتمع المدني السوري، إضافة إلى تعاونها مع الجهات التابعة للبلديات التركية، خصوصاً غازي عنتاب.

وأشارت الحجلي إلى أن «مندوبين عن الوزارة زاروا مخيّم كيلس العشوائي. وانتدبت معلمة ومشرفة دعم نفسي، ووزعت حقائب وأدوات نظافة على الأطفال. وبعد أن أعلنت الوزارة عن جائزة «الطفل المبدع» لتشجيع الأطفال في المخيمات، نال الجائزة طفل من مخيم كيلس. كما أقامت الوزارة مشروعاً مماثلاً في مخيم حارم داخل الأراضي السورية. ونظمت دورة لتعليم الأطفال في المركز الثقافي في معرة النعمان». وعن الإجراءات الواجب اتخاذها لمنع عمالة الأطفال السوريين في تركيا أو قوننتها، أضافت الحجلي: «إن الوزارة منشغلة حالياً في معالجة ملف الأطفال المجهولي الهوية والمشرّدين الذين تخلى عنهم والداهم، بالتعاون مع وزارة العدل في الحكومة الموقتة». في حين أكدت وزارة الثقافة وشؤون الأسرة أنها رفعت كتاباً عن أوضاع الأطفال السوريين إلى مؤتمر نُظم في رعاية الأمم المتحدة في مدينة باليرمو الإيطالية، من أجل زيادة الدعم للاجئين السوريين وإنهاء مأساة أطفالهم.

 محاولات قاصرة

يمنع قانون العمل التركي عمل الأطفال الذين تقل أعمارهم عن الـ15 سنة. ويعاقب صاحب العمل الذي يشغّل أطفالاً بالسجن لفترة تصل حتى عام كامل، أو بدفع مبلغ من 1000 إلى 1300 ليرة تركية، فضلاً عن عقوبات تطاول ذوي الطفل العامل.

لكن، بالنسبة للاجئين السوريين، تتغاضى الحكومة التركية عن تشغيل أطفالهم بسبب الحاجة. وقد وجّهت أخيراً سفيرة تركيا للنوايا الحسنة الممثلة توبا بويوكستون (المعروفة عربياً بلميس) نداء إلى المجتمع الدولي، لتركيز الاهتمام على حق الأطفال السوريين في التعليم، وذلك في إطار حملة «لا لضياع جيل». وأطلق ناشطون الهاشتاغ التالي للمساندة: #‏أطفال – سوريا #‏لا – لضياع – جيل – #‎childrenofsyria

السابق
النعيمي: السعودية تريد استقرار أسواق النفط
التالي
القلمون: تزايد الجماعات الموالية لـ«داعش»