مجلس الخبراء بعد رحيل مهدوي كاني

عطاء الله مهاجراني

بعد خمسة شهور من الغيبوبة، رحل آية الله مهدوي كاني في 21 أكتوبر (تشرين الأول) 2014، الذي ترأس مجلس الخبراء وتقلد في ما مضى عدة مناصب أخرى، مثل رئيس الوزراء ووزير الداخلية ورئيس اللجان الثورية الإسلامية بعد انتصار «الثورة الإسلامية» في إيران. علاوة على ذلك، تولى مهدوي قيادة جمعية رجال الدين المقاتلين، وهو التنظيم الرئيس للمحافظين بإيران. باختصار، عمل مهدوي بمثابة الجسر بين الحكومة ورجال الدين والبازار. ولذلك، اضطلع مهدوي في جميع الانتخابات بدور محوري باعتباره أيقونة المحافظين بالبلاد.
المعروف أن المسؤولية الرئيسة لمجلس الخبراء هي اختيار المرشد الأعلى في إيران. ومن بين الأحداث المهمة الأخرى في إيران مرض آية الله خامنئي – المرشد الأعلى بإيران – ودخوله المستشفى، حيث خضع لجراحة في البروستاتا. واللافت أن آية الله خامنئي شرح حالته الصحية خلال ثلاث مقابلات مختلفة، قبل توجهه للمستشفى لإجراء الجراحة، وبعد أسبوع من خروجه من المستشفى. وخلال المقابلة الثالثة، التي أجريت خلال رحلة صعود إلى الجبال في الصباح الباكر بشمال طهران، قال آية الله خامنئي أخيرا إنه يشعر بتحسن.
ولا شك أن مرض آية الله خامنئي ووفاة مهدوي كاني يثيران تساؤلان غاية في الأهمية والحساسية: من سيتولى رئاسة مجلس الخبراء في الفترة المقبلة؟ والأهم من ذلك، من هو المرشد الأعلى القادم في إيران؟
والآن، هل من صلة بين السؤالين؟ بمعنى هل يمكن أن يؤثر الرئيس الجديد لمجلس الخبراء على اختيار المرشد الأعلى الجديد بعد آية الله خامنئي؟ في الواقع، هذه مسألة شديدة التعقيد. هناك مقولة شهيرة بأن كل الطرق تؤدي إلى روما، وبناءً على خبرتي بإيران أستطيع القول بأن كل الطرق والحلول والمشكلات تؤدي إلى المرشد الأعلى. مثلا، عندما فكر المرشد الأعلى في تغيير نتيجة الانتخابات، قام بذلك فعلا، مما دفع بإيران والإيرانيين نحو تجربة بالغة المرارة، حيث اضطروا لتحمل رجل غريب الأطوار يدعى أحمدي نجاد طيلة ثماني سنوات، وهو رجل لم يكن في مكانه المناسب، ولم يكن جديرا بحمل لقب رئيس إيران.
في المقابل، عندما قرر إجراء انتخابات حرة ونزيهة، نصح الحرس الثوري بضرورة تفهم ودعم اتجاه أصوات الشعب، مؤكدا أنه من حق الشعب تمامًا اختيار رئيسه، وليس لحد أن يفرض إرادته عليه. وعليه، فإنه على الجميع، بما في ذلك الحرس الثوري وحاملو لواء «ولاية الفقيه»، حماية حقوق الشعب.
وفي خطاب آخر وجهه لقيادات الحرس الثوري، قال خامنئي إنه ليس من الضروري للحرس الثوري الاضطلاع بدور سياسي. وعليه، أعقب ذلك انتخاب روحاني عبر انتخابات حرة ونزيهة.
على الجانب الآخر، بمجرد أن امتنع هاشمي رفسنجاني عن تأييد نتائج انتخابات 2009، ورفض قبول أحمدي نجاد كرئيس، وأخيرا رفض التنديد بموسوي وكروبي، قرر خامنئي طرده من منصبه كرئيس لمجلس الخبراء. وعليه، شرعت الدائرة المقربة من خامنئي في تنفيذ سيناريو للتخلص من رفسنجاني.
أما مهدوي كاني فكان أثناء رئاسته لمجلس الخبراء بمثابة ظل للرئيس الحقيقي. وخلال فترة رئاسته للمجلس عانى من مرض شديد، وكان يستطيع الوقوف بالكاد.
الآن، تبدل الموقف، حيث لا يزال هاشمي ينبض بالحياة سياسيا، بل وأقوى من ذي قبل. وبمقدوره الآن الاضطلاع بدور محوري باعتباره الرئيس الجديد للمجلس، مثلما فعل خلال فترة الاختيار الحيوي والتاريخي لآية الله خامنئي عقب وفاة آية الله الخميني. وفي ذلك الوقت، حكى قصة حول أن آية الله الخميني أخبره بأن خامنئي خليفة مناسب له.
وتبعا للفكر الديني الشيعي وتاريخ الإمامة، فإن تقديم الإمام المقبل ليس بالأمر الغريب. إلا أن مرض خامنئي ووفاة مهدوي يجعلان من الحديث حول إيران بعد خامنئي أمرا طبيعيا. مثلا، خلال آخر جلسة لمجلس الخبراء، قال آية الله دور نجف عبادي، وهو وزير سابق لشؤون قوات الأمن وعضو حالي بالمجلس «حمى الله القدير المرشد وأمد في عمره، لكن على أي حال علينا التفكير في ما سيكون بعده».
يذكر أن خامنئي يبلغ من العمر 75 عاما، وقد تولى منصب المرشد الأعلى منذ 26 عاما، بجانب توليه الرئاسة لثماني سنوات. لذا، فإنه بناء على خبرته الفريدة، من غير المحتمل أن تكون مسألة خليفته لم ترد على ذهنه!
أعتقد أن هناك ثلاثة سيناريوهات مختلفة. يقال إنه تبعا للتنظيمات الداخلية لمجلس الخبراء، فإنه يتعين على المجلس اختيار ثلاثة مرشحين للقيادة، مما يعني أنه حال رحيل خامنئي سيتعين على المجلس مناقشة اختيار ثلاثة مرشحين. ويحيط بالأسماء الثلاثة مستوى هائل من السرية. ويقال إن اثنين من الرؤساء السابقين للسلطة القضائية، بجانب الرئيس الحالي، هم الأقرب للترشيح لهذا المنصب، وهؤلاء هم آيات الله محمد يزدي (تولى رئاسة القضاء بين عامي 1989 و1999)، ومحمود هاشمي شهرودي (1999 – 2009)، والرئيس الحالي صادق لاريجاني (2009 – الحاضر). والواضح أن الثلاثة يملكون القدرة على الاضطلاع بمهمة «الولي الفقيه» الجديد. بيد أن كلا منهم يواجه بعض التحديات على هذا الصعيد، حيث يعاني يزدي (83 عاما) من مرض شديد يضطره لاستخدام كرسي متحرك، علاوة على كونه رجلا عدوانيا وسريع الغضب. وينتمي هاشمي شهرودي للعراق أكثر من كونه إيرانيا، بل ويتحدث الفارسية بلكنة عراقية واضحة. أما لاريجاني فهو صغير السن لدرجة أنه لم يشارك بأي دور في الثورة، حيث كان مراهقا حينها.
والتساؤل الآن: ما هو دور رفسنجاني؟ بناءً على خبراته الحياتية، يفضل رفسنجاني الاضطلاع بأدوار كبرى وأن يكون محور الأنظار، فهل سيكون واحدا من المرشحين الثلاثة السريين للقيادة؟
ربما نشهد الفترة المقبلة تحولا من جيل لآخر، حيث يتحدث البعض عن حسن الخميني ومجتبى خامنئي، فهل هذا مجرد حلم أم جزء من حقيقة؟
ومع ذلك أعتقد أن الأهم من محاولة تخمين من سيكون الرئيس القادم لمجلس الخبراء ومن سيتولى منصب المرشد الأعلى، التفكير في الإرث الذي تركه آية الله خامنئي.
مثل نابليون، أراد خامنئي دوما أن يكون الطرف الوحيد الفاعل بالبلاد، علاوة على تعزيزه دور الحرس الثوري بجميع المجالات. وبالتالي، يمكننا القول إن إرث خامنئي مشابه للإرث الذي تركه محمد علي جناح في باكستان، وهو مناقض تماما لإرث غاندي في الهند. هذه هي النقطة الأهم!

السابق
الحلف الدولي ضد «داعش» بطيء وغير جدي
التالي
بن برادلي ونكسون