سفير بريطانيا ووعد بلفور واستعباد الشعوب… والعاملة الإثيوبية

طوم فليتشر
كثيرون يدّعون الإنسانية بتبادل الأدوار، ويوم عمل منزلي، ولا يدرون ماذا فعلت المملكة المتحدة بريطانيا، وما زالت تفعل، من حروب ومؤامرات ودمار شامل في العالم أجمع.

لمناسبة “يوم المدّونات” المصادف في 16 تشرين الاول 2014، حول موضوع “عدم المساواة”، قام السفير البريطاني في لبنان طوم فليتشر بتبادل الادوار مع المساعدة المنزلية الاثيوبية كالكيدان نيغوسي، العاملة في لبنان من بالسفارة البريطانية، من أجل تسليط الضوء على ضرورة تأمين حماية افضل لحقوق العمال الاجانب، على ما قال. وقد كتب السفير فليتشر مدونة مشتركة مع كالكيدان حول هذه التجربة بعنوان: “عدم المساواة”.

أمضت كالكيدان يوما كاملاً مع السفير فليتشر شاركت خلاله باجتماعات في السفارة وفي اجتماع عقده السفير مع وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق. ثم قامت بالتعاون مع فلتشير بإنجاز الاعمال المنزلية وبتحضير الغداء للعائلة حيث تعمل.

هذه المناسبة “الهمروجة” أحدثت بعض الانبهار لبعض من البلدان العربية منها لبنان، فالبعض أُعجب بما رأته وسمعته أذنه، والبعض الآخر أكثر عمقاً بقراءة التاريخ، سخر من هذا العيد أو “اللفتة” باعتباره “خابز وعاجن” المملكة المتحدة، “بريطانيا”. كما أنّ هذه اللفتة لاقت تعليقات واسعة عبر صفحات التواصل الاجتماعي منها: ” “كرم وسخاء المجتمع لا يقاس بطريقة معاملته للسفراء، بل بطريقة تصرّفه مع الاشخاص الضعفاء.”
كلام رائع جداً، لكن ماذا عن حرب بريطانيا في العراق وتدميرها إياه من خارج التوافق الدولي في تحالف مع الولايات المتحدة الاميركية في العام 2003؟ وألا نذكر مجازر البريطانيين باْهالي فلسطين ومؤازرتهم للصهاينه اليهود للقضاء على الفلسطينيين من خال وعد بلفور وما تلاه؟
لكن من ضمن التعليقات المرحّبة بلفتة السفير البريطاني: “إنّك ياعزيزى رجل قوي تستطيع ان تحقق الكثيير، أشكرك لأنك أعدت للإنسانية كرامتها المهانة”، و”أخلاق الإسلام برغم أنه غير مسلم”.

خلاصة الأمر أنّ المبادرة الفليتشرية البريطانية تبدو إنسانية في بادئ الأمر، لكن عندما تصمت قليلاً، وتدقّق في التاريخ تسخر من هذه اللافتة، فالأمر لا يقاس بأن تصطحب “الخادمة” لتتبادل الأدوار معها وتبهر العالم بتواضعك، وتصير أنت ربّ الإنسانية، وفي الوقت ذاته تقتل وتدمّر وتشارك في المؤامرات: أين الإنسانية من هذا؟

ونستحضر هنا بعض مزايا المملكة المتحدة، بريطانيا العظمى: ففي العام 1952 نشرت وزارة الخارجية البريطانية وثائق سرّية عن فترة 1919 – 1939، بما فيها تلك التي تتعلق بتوطين اليهود في فلسطين.. ويتضمن المجلد الرابع من المجموعة الاولى، في الصفحة السابعة نقلاً عن مذكرة وضعها آرثر بلفور وزير الخارجية البريطاني في عام 1917 ما يأتي : «ليس في نيّتنا حتى مراعاة مشاعر سكان فلسطين الحاليين، مع أنّ اللجنة الاميركية تحاول استقصاءها. إن القوى الأربع الكبرى ملتزمة بالصهيونية. وسواء أكانت الصهيونية على حق أم على باطل، جيدة ام سيئة، فانها متأصلة الجذور في التقاليد القديمة العهد وفي الحاجات الحالية وفي آمال المستقبل، وهي ذات أهمية تفوق بكثير رغبات وميول السبعمائة الف عربي الذين يسكنون الآن هذه الأرض القديمة».

ولا ننسى الغزو الأميركي للعراق أو حرب الخليج الثالثة سنة 2003 والتي أدت إلى احتلال العراق عسكرياً من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ومساعدة دول مثل بريطانيا. وشكلت القوات العسكرية الأمريكية والبريطانية نسبة %98 من هذا الائتلاف. ولقد تسببت هذه الحرب بأكبر خسائر بشرية في المدنيين في تاريخ العراق وتاريخ الجيش الأمريكي في العقود الأخيرة.

ناهيك عن أنّ المملكة المتحدة، التي تتمتع بديمقراطية عالية الجودة في داخلها، كانت “المملكة التي لا تغيب عنها الشمس، يحكمها ملك أو ملكة يتحلّق حولها عامّة الشعب. ولا ننسى أن بريطانيا احتلت العالم لمئات السنين وهي البلد الوحيد في العالم الذي لا يحتفل بعيد الاستقلال…

السابق
دعوى قضائية ضدَّ راغب علامة
التالي
مجلس الأمن يحض على تعزيز الحملة ضد «داعش»