سياسة الكرملين في أوكرانيا تهدد روسيا

 

المرحلة المقبلة حاسمة. وفيها يحدد مصير منطقة دونباس: هل تتحول منطقة حكم ذاتي ضمن أوكرانيا أو تستقل وترتقي الى مصاف جمهورية غير معترف بها. ولا يخفى ان الخيار الأول يصب في مصلحة روسيا. لكن السلطات الروسية لم تبادر الى خطوات تعبد الطريق أمامه وتفضي اليه.

إثر الاتفاق الأول في مينسك، تراجعت وتيرة المعارك لكنها لم تتوقف، خصوصاً في المنطقة المحيطة بمطار دونيتسك. والتزم الاتحاد الاوروبي تخفيف العقوبات عن روسيا إذا انحسر التوتر، لكنه لم يحرك ساكناً لتنفيذ الوعد، بل بادر الى إعلام موسكو باحتمال فرض عقوبات جديدة جراء المعارك الأخيرة حول المطار.

لكن هذه التطورات ليست دليلاً على فشل إتفاق مينسك وعودة إلى مرحلة المعارك الشاملة. ويقضي أحد بنود الاتفاق برسم خط تماس فاصل بين القوات الأوكرانية والثوار. وبوشر رسم الخط هذا وتحديده. ويرغب الطرفان في المماطلة في تحديده على أمل ترسيخ سيطرتهما على مناطقهما أو توسيعها. ولذا، يستمر الثوار في مهاجمة المطار من أجل السيطرة عليه وتواصل القوات الأوكرانية الدفاع عنه. والنتيجة هي تفشي الدمار في أحياء دونيتسك.

لا شكّ في أنّ معركة المطار لن تفضي إلى حلّ. ومع الأسف تخفي هذه المسألة في طياتها مفترقاً أساسياً للسياسة الروسية في أوكرانيا. ويقضي اتفاق مينسك بعودة المناطق الثائرة الى السيادة الاوكرانية مع صلاحيات واسعة. وأقرت الرادا الأوكرانية قانوناً يمنح هذه المناطق مثل هذه الصلاحيات. وسيدير السلطات المحليّة في مناطق الحكم الذاتي موالون لروسيا. لكن قادة الجمهوريات الشعبية يفسرون اتفاقات مينسك تفسيراً مغايراً. ويتمسكون بالاستقلال بعد رسم الخط الفاصل. وهم يسعون الى إبقاء قواتهم المسلحة وقيادة سياسة خارجية مستقلة. والمطار هو مرفق حيوي لأي جمهورية عازمة على الاستقلال.

ولكن هل من مصلحة روسيا أن تستقل هذه المناطق؟ ثمة سوابق كثيرة على الاستقلال، منها ترانسنيستريا وأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية. ولكن ثمة فارق بارز. لا يتجاوز عدد سكان ترانسنيستريا نصف مليون نسمة.

ولا تضطر موسكو الى إعالة هذه الجمهورية بسبب تمتعـــها بإقتصاد، ولو كان ضعيفاً. وكذلك تتمتع أبخازيا، وعدد سكانها يبلغ نحو 240 الف نسمة، باقتصاد معقول. وتدعم موسكو الاقتصاد هذا دعماً خفيفاً. لكن أوسيتيا الجنوبية (عدد سكانها 50 ألف نسمة)، تعتمد بشكل كامل على الدعم الروسي. ويفوق عدد سكان الدونباس عشرة أضعاف نظيره في اوسيتيا الجنوبية. والاقتصاد هناك مدمر. ويرجح ان تصبح الجمهوريات الشعبية «المستقلة» عبئاً ثقيلاً على روسيا.

وتســامح المجـــتمع الدولـــي مـــع إعتــراف روسيا باستقلال أبخــازيا وأوسيتيا الجنوبية ربما بسبب صغر مساحتهما. ولكنه لن يسكت عن تفاقم الأزمة في اوكرانيا، خصوصاً بعد ضمّ القرم. أي خطوة روسية نحو الإعتراف بالجمهوريات الشعبية هي في مثابة تصعيد للصراع يجر مزيداً من العقوبات.

ومن العسير إدراك سبب دعم روسيا الثوار وتشجيعهم على ما يضر بمصلحة البلاد، ويجر عواقب وخيمة على الروس. ربما وراء الدعم هذا أوهام تراود الكرملين مفادها بأن الصعوبات الإقتصادية والأزمة السياسية ستحمل أوكرانيا في الأشهر القليلة القادمة على الإنهيار، فتتحول الجمهويات الشعبية إلى منصة التقدم الروسي. ولكن لا فائدة ترتجى من استقلال الجمهوريات، ولو انهارت اوكرانيا اقتصادياً وسياسياً. وحري بموسكو التأثير في أزمة البلد المجاور من طريق النفوذ الداخلي وعدم التحول الى عدو خارجي.

وبعيداً من الأوهام الجيوسياسية، الأزمة الأوكرانية الحالية خطر على روسيا في الدرجة الأولى. وتفادي الخسائر يقتضي التزام بنود اتفاق مينسك، وإجبار قادة الجمهوريات الشعبية، وهم يرجحون كفة طموحاتهم السياسية على المصالح الروسية، على الصدوع به.

 

 

 

 

السابق
تركيا الأردوغانية محاصرة
التالي
ما سرّ تغريدة على تويتر من 2007 بشرت بإيبولا؟