تركيا الأردوغانية محاصرة

تتسارع الأحداث في تركيا: التظاهرات التي عمّتها احتجاجاً على عدم دعم الحكومة مقاتلي كوباني (مدينة عين العرب السورية) أدت إلى مقتل عدد من المتظاهرين. لكن ربما أكثر ما يستوقف الحكومة ربما هو مقتل ضابطي شرطة في بنغول. فالرئيس أردوغان ورئيس الوزراء، أحمد داود أوغلو، يجزمان بأن «حزب العمال الكردستاني» يقف وراء هذه العملية، على رغم نفي القيادات السياسية «الكردستانية». ويشير داود أوغلو وأردوغان إلى تصريح القائد العسكري الكردي، جميل بايك، حين قال أنه أرسل عدداً من مسلحي الحزب مجدداً إلى داخل تركيا.

كل هذه المشاكل كابوس يلاحق أردوغان الذي حسِب أن الملف الكردي يسير على ما يرام، وأن اقتراحه خريطة حل نهائي وإبرام اتفاق مع أوجلان سيرفعان شعبيته في أوساط الناخبين الأكراد. فيسعه تنظيم انتخابات برلمانية مبكرة ليحصد فيها أصوات جميع الأكراد، ويتمكن حزبه من تعديل الدستور التركي وتغيير النظام إلى رئاسي أو نصف رئاسي. والحوادث الأخيرة، تقدم «داعش» في كوباني وتظاهرات الأكراد والضغط الدولي، قوضت ما قام به أردوغان من أجل تحسين العلاقات بالأكراد داخلياً، وزادت عزلة تركيا الديبلوماسية خارجياً. وطالب أكراد «حزب العمال الكردستاني» بممر يتيح عبور المقاتلين الأكراد إلى كوباني وتزويدهم أسلحة مضادة للدبابات. ويرى العالم الحشود التركية الكبيرة على الحدود مع كوباني، ويضغط على أنقرة للتدخل. فالمجتمع الدولي لا يفهم كيف تتخلى تركيا عن إنقاذ كوباني التي قد تواجه مذبحة على يد «داعش». وما فاقم الضغط هو بروز رأي عام دولي يحمّل تركيا مسؤولية تمدد «داعش» ويتهمها بدعم هذا التنظيم من أجل إطاحة نظام (الرئيس السوري) الأسد. لذلك، أي مذبحة يرتكبها التنظيم على حدود تركيا ستلقى مسؤوليتها على أنقرة! ليس الغرب فحسب من يضغط على الحكومة. فإيران وروسيا وجهتا رسائل تهديد إلى تركيا وحذرتاها من التدخل في سورية.

ولم يتردد بوغدانوف الروسي وعبد اللهيان الإيراني في نشر تحذيراتهم وتهديداتهم لتركيا عبر منابر الإعلام العالمي. والإعلام المحلي لا يحصل على معلومات من الحكومة، وكل ما يصله مصدره أميركا فحسب. وفي خضم هذه المعمعة، نغفل معطيات مهمة كثيرة، منها على سبيل المثل أن قوى الحماية الكردية التي تقاتل في كوباني هي ذراع «حزب العمال الكردستاني». لذا، ترفض الحكومة مساعدتهم وتصفهم بالإرهابيين. وما ننساه كذلك هو أن هؤلاء المقاتلين هم، كذلك، ذراع «بيجاك» الكردية في إيران والتي خاضت معارك عنيفة مع الجيش الإيراني في الجبال. واليوم تطالب طهران بدعمهم في الحرب ضد «داعش» في كوباني! أما عبدالله أوجلان فشاغله هو شؤونه الشخصية: أي الخروج من السجن. والسبيل إلى حريته هو طاعة الحكومة (التركية) والتعاون معها. ولذا، يبرز التململ في صفوف «الكردستاني» إزاء تعليمات أردوغان وأوامره الأخيرة.

ويصعّد «الكردستاني» وتيرة عملياته التخريبية وتظاهراته مستفيداً من الضغط الدولي على أنقرة، في وقت يتوسل الغرب تظاهرات هذا الحزب ليحكم الضغط عليها. ويسعى أردوغان إلى تخفيف الضغط عليه عبر منع التظاهرات أو قمعها، والحديث عن توسيع صلاحيات الأمن والشرطة. ويرجح أن حسابات أردوغان في الانتخابات البرلمانية انقلبت رأساً على عقب. فإثر هذه الضربة التي نزلت بعلاقته مع الأكراد، قد يراهن على القوميين. والتعويل على أصواتهم يترتب عليه مزيد من التشدد. وقد يميل أردوغان كذلك أكثر فأكثر إلى التيار الإسلامي، ونتائج تدابيره غامضة: هل تنجح في تخفيف الضغط عنه أم لا؟ لا شك في أن من اليسير إخفاء التنازلات التي تقدمها الحكومة للغرب من طريق شن حملة تصريحات نارية في الاتجاه المعاكس من أجل الهاء المواطن. لكن التدابير الأمنية التي قد يلجأ إليها أردوغان ستخلّف آثاراً بالغة في مستقبل الديموقراطية في تركيا.

 

السابق
هروب فتيات من منزل العائلة يثير جدلاً في السعودية
التالي
سياسة الكرملين في أوكرانيا تهدد روسيا