الحديث عن المعارك في العرقوب حرب نفسية

تختلف الانطباعات التي يعود بها المرء بعد زيارته منطقة حاصبيا – شبعا – العرقوب عن تلك التي تروج لها بعض وسائل الاعلام اللبنانية والعربية اللاهثة وراء إشعال نار الفتن والحروب في تلك المنطقة واضافتها الى لائحة المحاور الحدودية المشتعلة أسوة بعرسال وبريتال وغيرها، والشعور العام لدى الاهالي في تلك المناطق ان هناك من يدفع الأمور قسراً وبالقوة الى حافة انفجار ما، في حين أن عناصر هذا التفجير المحلية اللبنانية غير موجودة وتكاد تكون معدومة على المقلب الغربي لجبل حرمون.

الشرط الاساس لإندلاع الفتنة او تسلسل التنظيمات الارهابية السورية، هو وجود بيئة حاضنة وهذا الأمر غير متوافر لأسباب كثيرة تبدأ اولاً من التنوع الطائفي الكبير في تلك المنطقة حيث يقيم السنة والشيعة والمسيحيون والدروز هناك، من دون اي توترات تذكر حتى في عز الحرب الاهلية اللبنانية. وفي البيئة السنية في منطقة حاصبيا والتي تدين غالبيتها بالولاء لـ”تيار المستقبل”، وينخرط اعداد كبيرة من ابنائها في الاسلاك العسكرية والامنية اللبنانية. ووجوده لا ينفي وجود قوى سياسية وتيارات سنية أخرى منها “الجماعة الاسلامية” ومنها المتحالف مع “حزب الله” واخرى منضوية في الاحزاب العلمانية نظير الحزبين الشيوعي والسوري القومي الاجتماعي. أما القوى والجماعات الاسلامية المتشددة، فموجودة وبنسب محدودة ولا تشكل حالاً قائمة ومميزة في النسيج السني لتلك المنطقة.
المعوق الثاني امام استدراج الفتنة هو التفاهمات الواسعة بين مكونات هذه المنطقة لا سيما الكتل الديموغرافية الكبيرة فيها. وفي اخبار النزاع الاهلي في المقلب الشرقي لجبل الشيخ توقفت مع الانباء التي وصلت عن توقف الهجمات على القرى والبلدات الدرزية السورية، نتيجة ضغوط وتحذيرات مارستها الطائفة الدرزية في اسرائيل على صناع القرار في الدولة العبرية من مغبة قيام “النصرة” والتكفيريين الذين يحظون برعاية اسرائيلية في جبهة الجولان بالاعتداء على دروز جبل الشيخ. ووقف الهجمات يعني بالدرجة الاولى تهدئة النفوس وخفض منسوب التوتر على امتداد المناطق الدرزية من السويداء الى وادي التيم.
أما العائق الثالث في مواجهة الفتنة، فيتمثل في الحشد الكبير والوقائي للجيش اللبناني في منطقة حاصبيا – شبعا والذي بلغ ذروته مع ارسال وحدات مدفعية ومدرعات ثقيلة وقوات خاصة الى شبعا وتلال العرقوب منعاً لأي محاولة للعبث بأمن المنطقة. ويتزامن هذا الحشد مع الحضور الكبير لقوات من “حزب الله” الموجودة اصلاً في تلك الجبال في مواجهة الاسرائيليين. ويضاف الى هذا الحشد العسكري النوعي دعم واسع يحظى به الجيش من الاهالي والبلديات والاحزاب في تلك المنطقة.
ويبرز المعوق الرابع امام الفتنة وهو وجود القوة الدولية والمراقبين الدوليين على جانبي الحدود وعند اعالي هضاب حرمون، ما يعني ان اي محاولة تسلل تحتاج الى المرور عبر مراكز هذه الوحدات المتأهبة على مدار الساعة والتي يشكل انتشارها جرس انذار للجانب اللبناني ويوفر فرصة للاستعداد والتصدي لأي محاولة تسلل، ولو في مراحلها الاولى.
المعوق الخامس امام الفتنة التي يحضر لها بعض الاعلام والاعلاميين، هو الطبيعة الجبلية القاسية لتلال جبل حرمون والتي يحتاج شق الطرق فيها الى جهد كبير ومنسق ولا يمكن انجازه من دون ملاحظته من القوة الدولية الموجودة في تلك التلال الى جانب الوحدات المتقدمة من الجيش او من الاهالي المستنفرين على مدار الساعة.
لهذه الاسباب المباشرة وغير المباشرة يبدو الكلام عن نزاع في منطقة حاصبيا – العرقوب مجرد حرب نفسية، تفيد منها الجماعات التكفيرية المتشددة في المعارضات السورية ويتسبب بأضرار معنوية على الجانب اللبناني، وهذا ما يجب التنبه اليه ووضع حد له.

السابق
جدار الماء (ملخص المكالمة السرية بين الحوثي والبغدادي)!
التالي
كفى عنف واستغلال: اقتراح تنظيم زواج القاصرين يتناقض ومفهوم الحقوق الإنسانية