هاني فحص ودواعش الشيعة

ليس من باب الحُب المفتوح على مصرعيّه , ولا من دواعي الغيرة الطالعة من مدامع الدمع , ولا تعاطفاً مع ما يجمعني به من مشتركات كثيرة , ولا انتساباً لوجهات نظره المتعددة في السياسة لأنني أختلف معه في جوانب متعددة , وأتفق معه في الشعر والنثر والنحت والتصوير والأدب عموماً , وما يحرمه الفقهاء من فنّ خصوصاً, الى الحدّ الذي تتقلصّ فيه مساحات التباينات والاختلافات في الشكل والمضمون . كما لا أدّعي الدفاع عنه , فهو لا يحتاجه مني, ولا من غيري , وما أعتاد الردّ على الجاهلين به .

أكاد أجزم أن السيّد هاني فحص ليس بعلاّمة لأن هذه الصفة أصبحت توزع مجاناً على طلبة العلوم الدينية , ولكنه علامة فارقة في صنف رجال الدين , وفي النوع البشري , وشخصية فريدة لا نظير لها في حدود معرفتي العملية والعلمية , وتجربة مكتنزة لا تقترب منها تجربة, وذلك في القطاعين الديني والمدني , طبعاً لن أفتح الملف الشخصي للسيّد فهو الأكثر شهرة في لبنان, والعالمين العربي والاسلامي , لذلك لا داعي الى التفصيل في التحصيل المعرفي والعلمي للسيّد فهو فقيه فقهي ولغوي وتاريخي وأدبي , وموسوعة معرفية كاملة في شتى المجالات الفكرية , وذاكرة كلما كبُر ازدادت شباباً , ورحلة جهادية ونضالية طويلة لم تتوقف يوماً أو ساعة أو نفس, مات وهو مرابط على ثغر من ثغور السلام بعد أن سقط عن مكتبة كتبه وأوراقه وهو ممسك بقلمه… سلاحه لتحرير العقل من احتلال الجهل .

للأسف أن شخصية ثرية لا تنصف من قبل المتحكمين برقبة الطائفة, ويتمّ التعامل معها بطريقة رسمية خجولة لاعتبارات متصلة بالعقلية الحزبية المعادية لكل من يختلف معها في حرف أو كلمة أو موقف , رغم أن السيّد هاني فحص أولّ من صلىّ مع مؤسس حركة أمل الامام السيد موس الصدر في كفرشوبا وحيداً, في ظلّ غياب تام لأيّ عمامة شيعية تتصدّر اليوم المشهد الشيعي , وبعد غياب الامام وقف السيّد مع الحركة في كثير من المواقف الشيعية الداخلية , وكان دوماً الى جانب مقاومة حزب الله يوم كانت المقاومة وحيدة لا ناصر لها وكانت كلّ هذه الوجوه المتصدرة الآن لشاشة المقاومة ضدّها في العمق ويرفضون اسلاميتها, ولم يتخلى يوماً عن المجلس الاسلامي الشيعي بقي في هيئته الشرعية رغم المحاربة اللئيمة والشديدة من قبل صغار المجلس , وكان يعلن اختلافه مع الذهنية الشيعية الرسمية من سياسات ومسائل متعددة , واختلف مع القيادات الشيعية , ومدحها في كثير من المواقف, لقد كتب عن الرئيس بري وعن السيّد حسن باعجاب لافت . لم يغبن , وكان يكيل بمكيال العدل , ولم يزده الاختلاف معهما الاّ حباً , لذا لا تجده يمتهن مهنة القطيعة مع من يختلف معهم كما يفعل أطفال الأحزاب والطوائف , بل يقربه الاختلاف زلفة مع من يختلف معهم .

ان منطق القطيعة وعقلية الاختلاف السلبية أرست قواعد من العلاقات السيئة , بحيث شاهدنا كيف تعاطى شيوخ العصبية الجاهلية مع المرحوم المرجع الاسلامي السيّد محمد حسين فضل الله في دارة الطائفة عندما جاء معزياً بوفاة “خصمه” المرجع الشيخ محمد مهدي شمس الدين , وكيف يتم التعاطي الآن مع شهادة السيّد هاني فحص بطريقة الواجب المفروض . اني أسأل هنا القاصي والدني عن المبررات الكافية لعدم اقبال المجلس الشيعي عن تقبل التعازي بالسيّد في بيت الطائفة الذي ساهم السيّد في تأسيسه قبل بنائه ؟ ولا أعرف كم يضم هذا البيت الطائفي من أشخاص يقتربون الى درجة معينة من سُلم السيّد العلمي ؟ حتى تعتبر خسارة السيد”معوّضة” بأقران له من في الخلق والخُلق .

أعتقد أن ثمّة داعشية شيعية من نوع آخر تكفّر كل من يختلف معها ولا يدين بدينها لأنها قابضة على جمر الحقيقة وتكليفها أن تحرق بنارها المؤصدة الآخرين الكاذبين بها ..رحم الله السيد هاني فحص الذي أغناه الله عن العاذلين به, وأسكنه فسيح قلوب العاقلين من أهل العلم , وجعله حيّاً لا يموت .

السابق
هاني فحص… هكذا يرحل الكبار
التالي
لا توبة بعد اليوم