جلسة تشريع الضرورة… بروفا مقنّعة؟

قريباً يعود النواب الى ساحة النجمة، لا للدردشة أو ارتشاف قهوة عقب تطيير جلسة جديدة لانتخاب الرئيس بل لإعادة الحياة الى السلطة التشريعية استجابةً لنداء “الضرورة” في حضرة غياب رئيس البلاد.

هي نفسها الذرائع التي يلوّح بها الجميع عند كلّ مفترق لإسقاط الثوابت الدستورية والتي سيلوّحون بها لشرعنة التمديد قريباً، تعود في “بروفا” مبكرة ستجد ضالّتها في ما اتفق الجميع تقريباً على تسميته “جلسة تشريع الضرورة”. بروفا لا تنسحب على حكايات “الرِجل المقطوعة” عن جلسات انتخاب الرئيس تمامًا كما تحيط بها علامات استفهام دستورية وسياسيّة جوهرية: فهل يجوز التشريع في ظلّ غياب الرئيس؟ وهل تحمل الجلسة مؤشراً الى تراجع بعض الكتل عن أولوية انتخاب الرئيس على ما عداها من ملفات تستلزم التئام المجلس؟

ماذا تبدّل؟

لا شكّ أن إعادة الحركة الى مجلس النواب بجلسةٍ لا يهمّ عنوانها هي منى الرئيس نبيه بري في الدرجة الأولى والذي حاول كثيراً جرّ “الأرجل” الى البرلمان لإرساء ما قرأه الكثيرون على أنه محاولة صريحة للقول إن غياب الرئيس لا يعطّل السلطة التشريعية. يومذاك ارتفعت الأصوات المعترضة على “استغياب” الرئيس الذي لا يجوز التشريع إلا في حضرته وعزا المعترضون صرختهم الى خشيةٍ ضمنية من أن تتحوّل حكاية التشريع بلا رأس البلاد عرفاً تحت ذرائع وعناوين مختلفة أبرزها: الضرورة والظروف. ولكن اليوم ما الذي تبدّل لتعود تلك الكتل عن موقفها وتلمح بشكل شبه إجماعي الى استعدادها للتوجّه الى البرلمان للمشاركة في جلسةٍ بدأت تختمر في كواليس النائب القواتي جورج عدوان بالتنسيق التام مع بري قبل تعميم تفاصيلها ومضامينها على سائر الكتل التي لن تضع في المبدأ فيتو عليها؟

يجوز التشريع في حالتين

يؤكد الوزير السابق سليم جريصاتي لـ”صدى البلد” أننا “سبق وأكدنا في رأي قانوني سواء في تكتل التغيير والإصلاح أم في الجبهة الوطنية لحماية القانون والدستور أن في غياب الرئيس لا يجوز أن تبقى معه سائر السلطات تعمل كأن شيئاً لم يكن، بدليل أن الدستور نفسه أفرد للسلطة الإجرائيّة صلاحية ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية. أما في ما يختص بالسلطة التشريعية فقلنا منذ اليوم الأول إنه يجوز التشريع في حالتي الضرورة أي مصلحة الدولة العليا وفي ما يختص بما يسمى “إعادة تكوين السلطات”. ونقصد في الشق الأول استمرارية السلطة التشريعية الأم في قيامها بمهامها تأميناً لمصالح الناس أي الشؤون الحياتية وتلك المتعلقة بالإنفاق العام في الدولة والذي لا يجوز أن يتوقف عندما يتطلب الأمر إجازة تشريعية. فمثلاً سلسلة الرتب والرواتب تتعلق بما يُسمى “الانتظام الاجتماعي العام” وبالتالي يجب أن يبادر مجلس النواب الى التشريع في ما يخص هذا الملف. وكذا الأمر في ما يختص بالإنفاق المالي الذي يحتاج الى تشريع ونحن لا نركن الى قرارات يتخذها مجلس الوزراء بفتح اعتمادات معيّنة على أن تُقونَن لاحقاً، إذ إن أبواب الانفاق يجب أن تمرّ في مجلس النواب. أما لجهة تكوين السلطة فنأمل أن يبادر مجلس النواب أيضًا الى درس اقتراحات القوانين المتعلقة بقانون الانتخاب لا سيما أن ثمّة قوانين مطروحة لدى الهيئة العامة وهذه أيضًا أولويّة حتمًا لأننا قادمون على استحقاق فيه عضّ على الأصابع إذ منهم من يقول بالتمديد ومنهم من يرفضه وبعضهم يعلن ما يضمر وبعضهم لا يعلن ما يُضمر، وبالتالي أهدرنا في التمديد الأول فرصة إنتاج قانونٍ منصف ولا نريد أن نهدر هذه الفرصة ثانية بتمديدٍ جديد (لا سمح الله) كما لا نريد أن نضيّع الوقت المتبقي قبل هذا الاستحقاق”.

ولكن ألا تخشون تحوّل التشريع في غياب الرئيس عرفاً متى طال أمد انتخابه؟ يجيب جريصاتي: “نتفهّم مثل هذه الهواجس، ولكن الى حين انتخاب الرئيس، وفي هذه الظروف التي تسودها إما المناورة وإما التعطيل المقنع وإما الارتهان للخارج وانتظار التسويات الفوقية، ليست هذه الفترة بالضرورة فترة ضياع للوطن. فنحن نفضل – ومن دون الانتقاص من مقام الرئاسة الأولى- أن نسلك مسلكًا صحيحًا بعدما مرّ على الطائف قرابة ربع قرن، وبالتالي بتنا مقتنعين بأن الوقت حان لإرساء المعادلات القوية التي تتأمّن معها المشاركة. فللمرة الأولى منذ الطائف تحقّق أمرٌ لم يألفه اللبنانيون تجسّد في المشاركة الفعلية في السلطة الإجرائيّة بالمفهوم الذي أرساه الطائف بعنوانه العريض أي مشاركة جميع مكوّنات الشعب اللبناني وهي مكوّنات طائفيّة. واليوم تصحيح الأكثريات في مجلس الوزراء والآلية الجديدة التي اتفق عليها الوزراء وهي الآلية التي نادى بها التكتّل في الأساس، لا يغنيان عن رئيس ولكنهما يمنحان جميع مكوّنات الوطن هذه المشاركة التي أرادها الطائف عنواناً عريضًا له. كلّ ذلك للقول إن لا خوف من تحوّل التشريع عرفاً وكل ما نسعى اليه نحو التحسين، ففترة النقاهة يسبقها مرض ويليها شفاء ونأمل أن نكون دخلنا في فترة نقاهة”.

هكذا ولد المفهوم

من جهتها، تشير مصادر تيار “المستقبل” لـ “صدى البلد” الى “أننا قلنا منذ البداية إننا نؤيد تشريع الضرورة خصوصًا على مستوى الملفات المعيشية”. وشددت على أن “في ظلّ شغور موقع الرئاسة الأولى لا يمكن أن نتبنى معادلة Business as usual وكأن كلّ شيء يسير على ما يُرام، ولكن في الوقت نفسه لا يمكن تعطيل المؤسسات وشؤون البلاد ومن هنا ولد مفهوم تشريع الضرورة للتذكير أيضًا بأهمية موقع رئيس الجمهورية”.

إذاً، “تشريع الضرورة” سيعيد الحياة الى البرلمان بشكل إجماعي من دون أن ينسحب ذلك على جلسة انتخاب الرئيس اليوم والتي ستكون باهتة كسابقاتها، كما ومن دون أن يُعديَ ذلك أيّ جلسةٍ تشريعيّة من شأنها إنتاج قانون انتخابي جديد. فما بعد التشريع جلسة تمديد لا أكثر بما يشي بأن جلسة الضرورة تلك ستكون بمثابة طعمٍ معيشي لتمرير التمديد بلا صخبٍ يُذكر.

السابق
تانيا صالح لقائد الجيش: إيدنا بصباتك.. وأنا ضدّ الحريّة
التالي
بالفيديو: إمرأة بثلاث أثداء