اليوم الأخير لقباني في ’الدار’: أين المبادرة المصريّة؟

اليوم، هو اليوم الأخير لمفتي الجمهوريّة الشيخ محمّد رشيد قباني داخل دار الفتوى. عند الساعة الثانية عشرة والنصف سيوضب أغراضه ويعود إلى منزله مفتياً سابقاً، منهياً “يوبيله الفضي” بخلاف جذري مع “تيار المستقبل” ومع عدد من رؤساء الحكومات وبالكثير من القضايا القانونيّة.

مَن ربح ومَن خسر؟ قد يكون من الصعب قياس الأمور بهذا الشكل. ما يعني الكثيرين أن ولاية قباني انتهت عند بلوغه الـ72 من عمره من دون زيادة أو نقصان، وأنه بقي واقفاً على رجليه، بالرغم من “الحرب الزرقاء” العنيفة التي خيضت ضدّه على مدى سنوات ثلاث.
ولكن “سماحته” سيعود صباح الأربعاء إلى “الدار”، حيث سيلتقي برئيس الحكومة تمّام سلام وبالمفتي المنتخب الشيخ عبد اللطيف بدريان، ليسلّم السلف للخلف بعض الملفات الحساسة ومخصصات الدار. وقد كان من المفترض أن يتمّ التسلّم والتسليم ظهر اليوم، إلا أنه تمّ تأجيله بعد تأكيد سلام أن مرسوم تكليف دريان لن يصدر قبل الأربعاء، وبالتالي يجب ألا يدخل إلى “عائشة بكّار” إلا بعد أن يصبح مفتياً رسمياً.
تأخر التسلّم والتسليم لن يغيّر في الموضوع، إذ إن المسألة اليوم هي مصير المبادرة المصرية والمدعومة عربياً. كان من المفترض أن يقيم رؤساء الحكومات، بحسب المبادرة، حفلاً وداعياً لقباني قبل 15 أيلول، يكون بمثابة “حفل مصالحة”. هذا الحفل لم يحصل، فيما البعض يؤكّد أن القطبة المخفيّة موجودة في “السادات تاور”.
وهذا الموضوع يعني أن الكثير من بنود المبادرة التي تمّ التوافق عليها لن تجد سبيلاً للتنفيذ، بالرغم من كلّ الضمانات والوعود التي خرجت من أفواه أصحاب القرار السياسي.
يشدّد فريق عمل قباني على أنّه التزم بكلّ بنود الاتفاقيّة، والتي سيكون آخرها اجتماعا يعقده اليوم المفتي لأعضاء “المجلس الشرعي” الذي يرأسه، لتقديم استقالتهم. في المقابل، كان لزاماً، بحسب المبادرة، أن يقوم أعضاء “المجلس الشرعي” الذي يرأسه عمر مسقاوي بتقديم استقالتهم قبل 15 أيلول. حتى اليوم، لا شيء يشي بأن الاستقالة حاصلة، بل يذهب البعض إلى أبعد من ذلك، ويتحدّثون عن أن المجلس سيجتمع برئاسة دريان ليضع الأعضاء استقالتهم بتصرّفه.
أما “البند الملك” في المبادرة، فهو “إسقاط كل الدعاوى بين الطرفين فوراً” (بحسب ما جاء في المبادرة حرفياً).. على طاولة المفاوضات داخل السفارة المصريّة، أبلغ ممثل رؤساء الحكومات فريق قباني أن الرئيس فؤاد السنيورة سيكلّف محاميه محمّد مطر إنهاء الدعاوى القضائيّة، على أن يجلس محاميا الطرفين مع بعضهما للتنسيق قبل عملية الإسقاط. إلا أن ذلك لم يحصل حتى اليوم، والدعاوى ما زالت “على قيد الحياة” في المحاكم.
إذاً، المبادرة المصريّة تترنّح، وتتزايد المخاوف عند البعض من أن يقوم “المستقبليون” بـ”ممارسة الكيدية والإقصاء مع عناصر الإدارة الحالية” (بحسب المبادرة)، فيما البعض يشدّد على أنّ القياس سيكون بالطبع على أداء دريان، الذي يؤكّد دائماً أنه لن يقصي أحداً وأنه سيعمل على الحفاظ على “الدار” كمرجعية وطنية إسلامية بعيداً من الخلافات السياسيّة.
أما السؤال فيبقى على ألسنة الجميع: أين هو راعي المبادرة وضامن تنفيذها؟ تلفت مصادر قباني الانتباه إلى أنّ “القنصل المصري غائب عن السمع من دون معرفة الأسباب، ولا يتابع عمليّة التنفيذ”، مضيفة: “انّها تعوّل كثيراً على حكمة الرئيس سعد الحريري لاحترام بنود المبادرة المتبقيّة”.
ما يهمّ القوى السياسية الآن هو طيّ الصفحة القديمة وفتح صفحة جديدة، لتكون دار الفتوى داراً تفتح أبوابها للجميع من “8 و14 آذار” ووسطيين. ولذلك، وضعت هذه القوى أسلحتها جانباً واختارت سريعاً مفتياً توافقياً: عبد اللطيف دريان. الأخير يريد تحقيق الكثير من الأهداف، وأوّلها إعادة جمع الشمل وأن يكون لـ”عائشة بكّار” دور ريادي وتوافقي.
يرى “سماحته” أنّ الوضع الحالي ليس طبيعياً أو مريحاً، بل يدرك أن “عائشة بكّار” ستكون خلال الأشهر المقبلة “تحت الأضواء” وأن موقفها الوطني سيُبنى عليه. ما يريده دريان هو عدم النفخ في بوق الفتنة، وينوي أن تكون “الدار” هي رأس حربة للمساعدة في مواجهة الطائفية والتطرّف.
الكثير من المشاريع يعمل عليها دريان بانتظار أن يتسلّم دار الفتوى رسمياً في حفل تنصيب سيقام بعد ظهر غد في “مسجد محمد الأمين”، مع العلم أن هذا هو أول حفل تنصيب يحصل لمفتي الجمهورية منذ أكثر من 50 عاماً. ومن المتوقّع أن يتحدث في أوّل الحفل رئيس الحكومة تمّام سلام (الداعي إلى الاحتفال)، ثم البطريرك الماروني بشارة الراعي، فنائب رئيس “المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى” الشيخ عبد الأمير قبلان، ثمّ شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن، فالمفتي دريان.
ويؤكّد متابعون أنّ كلمة دريان ستكون مشابهة لتلك التي ألقاها بعد عملية انتخابه، وستتضمّن أيضاً برنامجاً تفصيلياً لأهدافه التي ينوي العمل عليها، بالإضافة إلى الحديث عن خطر التطرّف.
أما لماذا تمّ نقل الاحتفال إلى “مسجد الأمين”، فتوضح مصادر معنيّة أن الأمر “ليس إلا لوجستياً”، إذ أن المدعوين تعدّى عددهم الألف (بين 1200 و1800 شخص)، ودار الفتوى لن تستوعب هذا العدد المرتفع. ولهذا السبب، كان قرار رئاسة الحكومة بأن يُنقل حفل التنصيب إلى “مسجد الأمين”.
وتؤكّد المصادر أنّ المدعوين هم شخصيات سياسية وأمنية وديبلوماسية وقضائية ودينية من مختلف الطوائف، فيما الأبرز بينهم سيكون شيخ الأزهر أحمد الطيب، الذي سيزور لبنان لمدة 24 ساعة سيشارك خلالها بالحفل، بالإضافة إلى لقائه عدداً من المسؤولين.
ولكن هناك من ينتظر أن يفاجئ الرئيس سعد الحريري الحاضرين بمشاركته في الحفل بعد مجيئه إلى لبنان خلال الساعات المقبلة. قد تكون لهذا السيناريو حظوظ قليلة، على اعتبار أن “دولته” قطف عملية الانتخاب في 10 آب قبل عودته إلى الرياض، إلّا أن هناك من يرغب في ذلك.
كذلك، تشير مصادر متابعة إلى أن المفتي قباني تلقى الدعوة إلى الحفل، بالرغم من أنها ترجّح أنّه لن يحضر.

السابق
تونس منعت 9 آلاف شاب من الذهاب إلى سوريا
التالي
ما جديد منتدى بيروت الخامس للطاقة؟