’داعش’ انتقل إلى الدفاع ونهايته أصبحت وشيكة

في الفترة من عام 2009 حتى نهاية عام 2011 كانت الولايات المتحدة التي انهكتها الحرب تسحب قواتها من العراق لكي تنهي حربا لم تحظ بالشعبية تاركة حماية هذا البلد الهش للقوات الامنية العراقية التي دربها الجيش الاميركي. اما ابو بكر البغدادي الخطيب السابق وقائد الجماعة المعروفة باسم تنظيم الدولة الاسلامية “داعش” فقد كانت السنوات السابقة هي سنوات فترة الاعداد التي ارسى فيها الاسس والركائز التي تمخضت عنها تلك المعارك الهجومية التي اذهلت العالم هذا الصيف, والقت ظلالا من الشك على مستقبل العراق وعلى ارث الولايات المتحدة بعد ثماني سنوات من الحرب هناك.

جمعت “داعش” بين سرعة الحركة واستخدام القوة المفرطة, وتحقيق المفاجأة في ميدان المعركة ضد خصوم غير مستعدين وأمكن للبغدادي بذلك بسط سيطرته على ثلث العراق, والتمسك بمناطق مكتظة بالسكان, بما في ذلك مدينة الموصل ثاني اكبر المدن العراقية.
والآن ومع غياب عنصر المفاجأة تجد “داعش” نفسها تخوض صراعا دفاعياً يكشف نقاط ضعفها اكثر من قوتها وذلك وفقا لتحليل نشره في شهر اغسطس الماضي مركز مكافحة الارهاب في وليست بوينت وهو مؤسسة للبحوث الاكاديمية في اكاديمية “وليست بوينت العسكرية”.

المفاجأة… “داعش”

كتب “مايكل نايتس” صاحب هذه الدراسة المحلل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى في العاصمة واشنطن, وهي مؤسسة بحثية تقدم الافكار حول قضايا الشرق الاوسط:
– كقوة دفاعية قد تخوض “داعش” صراعا للتمسك بالارض, اذا تعرضت للهجوم المتزامن في نقاط متعددة في وقت واحد او اذا بدأ حلفاؤها ومساعدوها في الانشقاق عنها. لقد اتاح عنصر المفاجأة والقدرة على التنقل ل¯”داعش” ان تضرب بلكمات تفوق بكثير وزنها الحقيقي في العمليات الهجومية, ولكن هذه المزايا ايضا تتناقص!
تعتبر دراسة نايتس من اولى التحليلات التي نشرت عن داهش منذ هجوم يونيو الماضي وتبين كيف ان البغذادي زعيم “داعش” استخدم تكتيكات عسكرية جريئة لتحقيق شهرة تهدف الى كسب التأييد ليس فقط من المسلمين السنة الساخطين في العراق وسورية, ولكن ايضا من المتحولين في جميع انحاء العالم الاسلامي.
مكنت الانتصارات العسكرية التي احرزتها “داعش” ان تقول رنها تمثل “الاسلام الحقيقي” واعلنت الخلافة الجديدة في مناطق في سورية والعراق والتي تسيطر عليها جماعة “داعش” واتاح ذلك للبغدادي ان يعلن نفسه خليفة وحاكما لجميع المسلمين في جميع انحاء العالم الاسلامي وكان اعلان الخلافة له صدى بين المسلمين ويعود بهم الى عصر الخلافة الاسلامية التي ازدهرت في القرن السادس الميلادي وحكمت مناطق كبيرة من العالم حتى وصلت لاسبانيا في اوروبا وتوغلت في اسيا.

ارهاب الجميع

أما حملة “داعش” التي روجتها بنفسها كحملة معلنة للرعب والتطرف بما في ذلك قطع رؤوس اثنين من الصحافيين الاميركيين ومئات من الجنود العراقيين فقد مكنتها من ترويع السكان وارهابهم ودفع غير السنة الذين قد يعارضون هذه الحركة التطرفة الى النزوح والفرار.
لقد استطاع البغدادي وضع أسس هذه الانتصارات خلال السنوات الاربع الماضية من خلال تخطيط تميز بالتطور, والصبر والتركيز على حد تعبير بريق ماكجورك نائب السكرتير المساعد للخارجية لشؤون الشرق الادنى في شهادته في شهر فبراير امام لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس.
وفق تقرير نايتس تبين قصة البغدادي نفسها مهارتها في التخطيبط الستراتيجي طويل المدى, والذي نادرا ما نراه لدى الحركات الارهابية.
البغدادي – الذي يعتقد ان اسمه الحقيقي هو ابراهيم عوض ابراهيم البدري تم القبض عليه ووقع في قبضة القوات الاميركية في الفلوجة عام 2004 وبعد اطلاق سراحه عام 2009 من معسكر الاعتقال الاميركي “بوكا” انضم الى الدولة الاسلامية في العراق وهو تنظيم ظهر خلفا لتنظيم القاعدة وكان يقاتل القوات الاميركية والعراقية في المناطق السنية من البلاد.
يقول نايتس: بينما كانت الولايات المتحدة تنسحب من الحرب في العراق كان البغدادي يمهد الارض لمنظمته في عام 2010 وفي العام الذي يليه وسع عملياته في سورية بالانضمام للثورة ضد الرئيس السوري بشار الاسد وفي نهاية المصاف استطاع تنظيم الدولة الاسلامية وجبهة النصرة ان تطغي على الكثير من الجماعات المتمردة الاصلية بما في ذلك من يمسون بالمعتدلين الذين يفضلهم الغرب. حاول البغدادي دمج تنظيم “الدولة الاسلامية” مع “جبهة النصرة” في ابريل عام 2013 لكن ذلك ادى الى انقسام بين البغدادي وقيادة تنظيم “القاعدة” ما اسس لهؤلاء القادمين الجدد لان يكونوا منافسين على قيادة التطرف الاسلامي في جميع انحاء العالم.

أول الطريق.. الاغتيالات

مع تركز الاهتمام الدولي على سورية بدأ البغدادي حملة سرية لتقويض قوات الامن العراقية والتي كانت بالفعل اسيرة الانقسامات الطائفية بين السنة والشيعة من اهل العراق.
وفقا لنايتس فقد اطلقت الدولة الاسلامية سلسلة من الاغتيالات والهجمات على القوات العراقية, وعلى الشخصيات الموالية للحكومة ما ادى الى تفتيت قوات الامن العراقية ولم تلفت هذه الهجمات التي اسمتها “داعش” حصاد الجنود انتباه احد خارج العراق لكنها ضاعفت عدد القتلى من الجنود والقادة الرئيسيين خلال النصف الاخير من عام 2013 .
في الشمال قام البغدادي بتوسيع سيطرته بشكل ممنهج على الموصل التي كانت اخر المعاقل القديمة لتنظيم القاعدة في العراق خلال السنوات الاخيرة من الحرب الاميركية هناك وفي شهادته امام الكونغرس في يونيو اقر ماكجورك ان المدينة كانت تبدو عادية في النهار لكن تنظيم الدولة الاسلامية كان هو المسيطر على الشوارع ليلا. عندما شن تنظيم الدولة الاسلامية هجومه على الموصل يوم 6 يونيو 2014 كانت على حد تعبير نايتس: هشة, ويسهل تفتيتها نسبيا, بعد ثلاثة ايام من تصاعد المناوشات داخل المدينة.
وذكر جاريت براشمان المدير السابق لمركز مكافحة الارهاب في حديث اذاعي في شهر اغسطس: “في مواجهة القوات العراقية كانت القوة المقاتلة قد شكلها البغدادي من جنود سابقين وضباط كبار كانوا في الجيش العراقي الذي قامت بتفكيكه الولايات المتحدة بعد غزوها للعراق عام ,2003 إن البغدادي محترف وعلى دراية بالبنية التحتية في العراق, وضم اليه خبرات عسكرية متمرسة, وخبرات في مجال الاستخبارات, كما دعم علاقاته بقبائل العراق السنية, والذين كانوا يمارسون التهديد والاغتيالات وهؤلاء منهجيا وضعوا الاساس لحدوث كل ذلك خلال السنوات القليلة الماضية”.
قام البغدادي مع كوادره المتحفزين بشكل فائق كقوات مشاة خفيفة بتطوير اسلوب متميز في القيادة وصفه نايتس بانه “تحكم مركزي في القيادة لكنه لا مركزي في التنفيذ!” وهذا يعني ان قادة المناطق هم من يقدرون تخطيط عملياتهم.
واستخدام قادة “داعش” عنصر المفاجأة والقدرة على الحركة مستغلين شبكة الطرق العراقية الكثيفة وعالية الجودة في هجماتهم التي بلغت ذروتها اثناء الليل أو عند الفجر.
مرحلة الدفاع.. والنهاية
وكتب نايتس:
امكن لـ”داعش” اجتياز مناطق واسعة من البلاد في يوم واحد ما اعطى القوات القدرة العالية على تركيز المقاتلين عند نقاط معينة للهجوم واتاح لهم ذلك التفوق المحلي في الاعداد مقارنة بالقوات العراقية رغم نقص قوتهم.
تم دحر قوات الجيش العراقي والقوات الكردية من خلال “جس النبض والخداع” واستغلال ضعف هذه القوات في الاستطلاع وعدم توافر معدات الرؤية الليلة ما جعلهم عاجزين عن رصد تحركات العدو.
الاستجابة الضعيفة للقوات الحكومية العراقية حجبت “موقتا” ضعف قوات “داعش” والتي اصبحت الان واضحة ومكشوفة حتى لو لم تلعب القوات الاميركية دورا فعالا على الارض الا ان الغارات الجوية الاميركية ساعدت بالفعل على احباط تلك الهجمات المباغتة التي كانت تشنها “داعش” ومقاتليها المحمولين على السيارات فقد حاولت هذه القوات دخول مدينة “طوز خورماتو” الشمالية بين 9 و 13 اغسطس الماضي لكن المدفعية الكردية تمكنت من صد هجوم بمساعدة من عمليات الاستطلاع العسكرية الاميركية.
يرى نايتس ان التمسك بالارض قد يصبح مهمة عسيرة امام “داعش” على المدى الطويل.
في محاولة “داعش” المحافظة على سيطرتها على المناطق التي غزتها تتعرض للضعف بسبب انضمام حلفاء القبائل السنية ومن متطوعين جدد اقل خبرة ويصعب الاعتماد عليهم كما هو حال الجنود المقاتلين المشتددين.
وعلى الرغم من ان “داعش” لديها زخم من حلفاء يقفون وراءها بشكل قوي الا انه لو حدث تراجع ربما تزعزعت هذه التحالفات وتصبح القوة الفعالة “داعش” في مهب ريح دراماتيكية غير مواتية لها.

 

السابق
الجواب المعاكس!
التالي
كيسنجر: السلطة عقار مثير للشهوة الجنسية!