«داعش» وتهجير الأقليات

مع تصدر «داعش» للمشهد في المنطقة، برز قيام هذا التنظيم بتهجير الأقليات في سوريا اولا، ثم تبلور المشهد أكثر في العراق بعد قيامه بما يشبه التطهير العرقي بحق الأقليات المسيحية والايزيدية والتركمانية والشبك وغيرها.

وبالعودة الى ما كتبه منظرو الحركات التكفيرية في دراساتهم، سنجد انهم تحدثوا عن ضرورة تهجير الاقليات ضمن سياسة متعمدة تهدف للتخلص منها لتأمين الخطوط الداخلية «للدولة الإسلامية».
ففي «المذكرة الاستراتيجية»، خصص صاحبها مبحثاً تحت عنوان «التأمين الاستراتيجي»، تحدث فيه عن إجراءات مقترحة تهدف الى «شل قدرات العدو العملية على شن الحرب ضدنا وحرمانه من المميزات التي كانت تساعده في الدخول إلى المنطقة وكسر المفاتيح التي كانت تمكنه من ذلك». واعتبر انه في «كل الحروب التي خاضها الأعداء لإخضاع المنطقة العربية كان النجاح في تلك الحروب يعتمد على بعض العناصر الجغرافية والسكانية والحيوية التي كانت، وما زالت، تتميز وتتمتع بها المنطقة، وبما أن المنطقة العربية التي ستضم دولة الخلافة تقع في محيط معادٍ على المستوى الإقليمي والدولي، فلا يمكن لأحد أن يتوقع من أين وكيف سيأتي العدو. ولذلك، اعتبر كاتب المذكرة انه للخروج «من هذه الإشكالية، يجب وضع إجراءات احترازية تعمل على المدى البعيد على إضعاف القدرة العامة لأي عدو من تحقيق أي اختراق للمنطقة، وهي الإجراءات التي تعنى بها عادة مجالس الأمن القومي في الدول العظمى».
تحدث الكاتب عن ثلاث خطوات تمثل «تأميناً استراتيجياً»: الاولى «إغلاق قناة السويس وتضييق باب المندب»، والثانية «تدمير صناعة النفط»، أما الثالثة فهي «تهجير الأقليات» وحديثنا عن هذه الأخيرة.
نظّر الكاتب لضرورة القيام بهذه الخطوة بقوله إن «التاريخ يحمل من الشواهد ما يكفي لإجلاء الأقليات الدينية المعشّشة في المنطقة العربية، فالسجل الإجرامي لهذه الأقليات في التآمر على المسلمين وخاصة في فترات الاستعمار التي كانوا خير معين له.. هي أكبر دليل على ذلك».
استحضر الكاتب من التاريخ تآمر يهود المدينة على المسلمين ونقضهم العهد مع النبي، واعتبر ان ذلك كان كافياً لاتخاذ القرار بإجلائهم عن المدينة، فرأى ان النبي أراد «من عملية إجلاء اليهود عن المدينة تأمينها من الداخل بوصفها الرقعة الجغرافية الوحيدة للمسلمين آنذاك، ثم لما اتسعت رقعة الدولة لتشمل كامل جزيرة العرب، أمر بإخراج المشركين من الجزيرة».
كما استحضر من التاريخ الحديث ما اعتبره مؤيداً لوجهة نظره، «فالنظام الشيوعي في فترة لينين ثم ستالين عمل على تهجير بعض الشعوب الإسلامية من القوقاز إلى متاهات سيبيريا بجانب عمليات الإبادة الجماعية في حق الشعوب الإسلامية الأخرى التي بلغت في عهد لينين وحده 25 مليون قتيل من جانب المسلمين» كما ان «الهند قامت بعمليات تهجير وإبادة مروعة لمسلمي كشمير في محاولة بائسة لتغيير الجغرافيا الدينية للمنطقة».
كما استشهد الكاتب بما فعله الصهاينة بحق الشعب الفلسطيني من تهجير، إضافة الى ما فعلته ألمانيا النازية باليهود.
ومهما يكن من أمر، فإن الكاتب أعلن صراحة أنه يجب «من مبدأ تأمين قلب الدولة أن نعمل على تهجير الأقليات الدينية من تلك المنطقة وجعل الشام ثاني منطقة محظورة على غير المسلمين بعد جزيرة العرب». الكاتب يقترح في دراسته أن تكون اليمن والشام نواة الخلافة الاسلامية.
أما من هي هذه الاقليات؟ فيعددها الكاتب نفسه بالقول: «فلذلك أرى أنه من الواجب علينا بعد إعلان دولة الخلافة أو قبله بحسب الظرف أن نعمل على طرد اليهود وتهجير النصارى والدروز والنصيرية والبهائية، بالإضافة إلى الشيعة وعبدة الشيطان وغيرهم من المشركين من كل الأراضي التابعة لمنطقة الشام».
ولكن ماذا عن التوقيت؟ ولماذا لا يتم هذا التهجير بعد تثبيت «الدولة الاسلامية» لأركان حكمها؟
يجيب الكاتب عن هذه الاسئلة بالقول إن «أفضل مناخ لتنفيذ هذا المخطط يأتي في حالة من الحرب وليس في حالة من السلم» أي «قبيل انتهاء العمليات العسكرية… لأن اللغط والصخب الذي يمكن أن ينتج من مثل هذا الإجراء أو يمنع من تنفيذه يمكن أن يتلاشى مع غبار الحرب لأن عمليات التهجير ستأتي كجزء من مشهد الحرب وليست منفصلة عنه». واعتبر أن الجيوش الحديثة غالباً ما كانت تعتمد هذا الاسلوب «عندما تضاعف عملياتها الحركية والعسكرية في اللحظات الأخيرة قبل انتهاء المعركة لفرض واقع جديد يستطيع السياسيون التفاوض بموجبه».

http://www.assafir.com/Article/18/371656

السابق
هذا هو الرجل المناسب!  
التالي
مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة تصل الى لبنان الأحد