عن العنصرية اللبنانية والفشل السوري

يقولون إن الممارسات العنصرية ضد السوريين تزايدت في لبنان في هذه الفترة تحديداً بعد مواجهات بين «داعش» و«النصرة» من جهة والجيش اللبناني من جهة. هذا أمر متوقع ومفهوم للغاية، بل إن المستغرب هو ألا تظهر هذه العنصرية أساساً في بلد يمارس قسم معتبر من أفراده العنصرية ضد بعضهم. من ساواك بنفسه ما ظلمك، فماذا لو أضفنا إلى هذا الواقع معضلة الوجود المدني السوري اليوم في لبنان، والذي لا بد أن يحرك ذكريات الوجود السوري الأسبق عليه (وجود الجيش السوري في لبنان). وهما رغم اختلافهما ما يزالان في أعين الكثيرين وجهين لعملة واحدة: إنه وجود سوري… في لبنان.

في مقابل هذا الواقع وتلك الحوادث المتكررة التي قد تكون بالعشرات في البلد الصغير، ثمة واقع آخر يتبدى في تصيّد تلك الحوادث ومن ثم تعميمها. ذلك ديدن من يريد لهذا الوقود أن يزيد اشتعالاً، ولهذه العشرات من الحالات أن تتحول إلى مئات ثم آلاف. إنها دعوات جهاد مبطنة في بعض الحالات، لكنها في كثير من الحالات الأخرى لا تخفي نفسها على الإطلاق، بل وتدعو للرد بالمثل، أي مجابهة العنصرية بعنصرية.
اللافت للنظر في هذه القصة هو الصفر المطلق الذي تمثله المجموعات المدنية السورية في لبنان، والتي لا علم لنا بدقيق عددها إنما يحتمل أنها عشرات من المؤسسات الكبيرة والصغيرة، تمول من دافعي الضرائب في دول عربية وغربية وأوروبية شتى. لم نسمع منها حالياً سوى بضع بيانات الشجب والتنديد والتأكيد، على أن العنصرية مرفوضة، وأن علينا أن «نكبِّر عقلنا» ونعود إلى «تاريخنا المشترك»… إلخ. برغم أن تاريخنا المشترك ليس أقل سواداً من حاضرنا المشترك، وكلاهما ليسا أفضل من مستقبلنا المشترك إذا بقينا على هذا النحو.
أمام المؤسسات المدنية السورية اعترافان لا بد منهما للخروج من عدميتها وضياعها. الأول هو أن لبنان «الدولة» لم يكن قادراً ولن يكون يوماً قادراً على تحمل هذه الأعباء الإضافية على كاهله. وهذا لا يعيب أي دولة يتضاعف عدد السكان في أقضيتها خلال ثلاث سنوات. إن الدولة ليست مسؤولة عن رعاية السوريين واللبنانيين معاً، وإذا كانت مسؤولة أخلاقياً وإنسانياً فهي غير قادرة على ذلك لوجستياً ولا تكنيكياً.
الاعتراف الثاني هو أن السوريين أيضاً عنصريون بالاتجاه المقابل، أي أن نسبة العنصريين هنا تقابلها نسبة تزيد أو تنقص من العنصريين هناك. إن الانطلاق من هذا الاعتراف يمسك برأس الخيط الأساسي الذي يضخم المسألة: قسم معتبر من السوريين في لبنان لا يثق بالدولة اللبنانية. بل ما يزيد الطين بلة، هو أن هذه المؤسسات المدنية نفسها لا تثق كثيراً بالدولة اللبنانية، ولم تحاول في هذه الظروف العصيبة أن تقف موقفاً مساعداً لحمل بعض هذه الأعباء عن الدولة اللبنانية نفسها، أقصد رعاية شؤون السوريين بالتواصل مع الدولة.
وبعيداً عن الدور الجيد الذي تقوم به هذه المؤسسات الصغيرة، من إنشاء مدرسة هنا وتعليم بعض الأطفال هناك وتأمين بعض المساعدات الغذائية في أمكنة عديدة، فإن الأهم والأجدر هو أن تخلق نواة للدفاع المدني السوري في لبنان، تقوم بتشارك مسؤوليات الدولة وحمل عبء السوريين عنها من النواحي القانونية والداخلية لتكون هي الصلة المباشرة بين هؤلاء السوريين والدولة اللبنانية، سعياً لتطبيق القانون اللبناني في مصلحة السوريين أو ضدهم. تلك مسألة تحتاج إلى عمل هذه المؤسسات المدنية وتواصلها مع الدولة ومطالبتها بقوننة وضعها وتيسير عملها بالطرق المناسبة، لا مجرد الادّعاءات والبيانات والتصريحات أو ـ في أصدق الحالات نية ـ طباعة منشورات عن التآخي والمحبة والتسامح.
تلك المؤسسات المدنية السورية في لبنان – والتي لا يزال كثير منها لا يعرف الآخر، برغم مرور ما يزيد عن عامين عن نشاطها المستمر ـ تحتاج أن تتحرك اليوم، وأن تطرق باب الدولة اللبنانية لتعرض نفسها كوسيط حقيقي ومشارك في حماية السوريين واللبنانيين من عنصريتهم على حد سواء. وقد يتطلب ذلك أن تتخلص هذه المجموعات من عنصريتها تجاه بعضها أولاً، واتفاقها على أن تعمل بشكل مشترك في ما بينها، وأن تكون تلك الحلقة المتينة التي تصل بين طرفي الواقع اللبناني الحالي الذي لا بد منه ولا يمكن تجاهله ونسيانه. أما الدولة اللبنانية فعليها أن تخرج من حالة اعتباطيتها ومزاجيتها وتخبطها فيما يتعلق بالسوريين اللاجئين في لبنان، وهو الأمر الذي لن تستطيع فعله ما لم تقرر تقاسم هذا العبء مع طرف آخر.

http://www.assafir.com/Article/18/371220

السابق
المدرسة الرسمية: معوقات مالية وإدارية قد تؤخر الانطلاقة
التالي
مساعدة لبنان في مواجهة داعش