عندما يتطلع العالم إلى واشنطن

غالبا ما يكون الحديث عن انهيار أميركا خاطئا. ولكن كيف يمكنك أن تصف دولة، في عالم يعاني من توترات متفجرة، تعجز عن إرسال عشرات السفراء إلى مواقع خارجية بسبب مشاحنات سياسية حزبية؟
وفقا لمعايير واشنطن، وصل الجمهوريون في مجلس الشيوخ إلى مستوى متدن من النفاق، فقد أدانوا عدم تحرك الرئيس أوباما في ما يخص السياسة الخارجية، وفي الوقت ذاته يرفضون التصديق على مرشحيه كسفراء أميركا إلى مواقع مهمة مثل تركيا التي تقع في الخطوط الأمامية المواجهة لتنظيم «داعش»، وسيراليون المركز الذي انطلق منه فيروس إيبولا المتفشي. لأقُلها صراحة: بهذه الطريقة تفقد الدول قوتها ونفوذها، عندما تصبح دولة ما عاجزة عن الموافقة على أمور رئيسية مثل التمثيل الدبلوماسي، ويبدأ نظام صناعة القرار في الانهيار. من المحزن إن هذه لمحة عن أميركا في عام 2014.
أعلنت وزارة الخارجية أن لديها 65 مرشحا في انتظار التصديق على تعيينهم. في الحقيقة بعض من هؤلاء من المرشحين السياسيين غير المعدين جيدا، والذين فشلوا في مقابلات التصديق على تعيينهم، ويجب بصراحة سحب ترشيحهم. وهنا تأتي صورة الخلل الوظيفي الأميركي: تقع 11 من السفارات الخالية في أفريقيا، حيث يتفشى المرض وينتشر الإرهاب، وتحتاج الدول بشدة إلى الدور الأميركي القيادي. وتقع تسع سفارات أخرى في أوروبا الشرقية، حيث يتدخل الرئيس الروسي بوتين. وتوجد ست أخرى في شرق آسيا، حيث تستعرض فيها الصين قوتها. هل أنت قلق بشأن الشرق الأوسط؟ آسف، ولكن ليس لدينا سفراء لدى الإمارات العربية المتحدة والبحرين، بالإضافة إلى تركيا.
حتى الخدمة الخارجية في الوزارة ليس بها مدير عام. وينتظر أرنولد تشاكون، الدبلوماسي البارز، لمدة 326 يوم من أجل التصديق على تعيينه. وينتظر جون استرادا، سيرجنت ميجور سابق في قوات المارينز والحائز لأنواط عسكرية والذي ولد في ترينيداد وتوباغو، لمدة 394 يوما للتصديق على تعيينه سفيرا هناك. في بعض الأحيان في واشنطن، يمكنك أن تقول إن المشكلة هي خطأ الجميع، أو إنها ليست خطأ أحد. ولكن الحالة ليست كذلك هنا. فهذه المشكلة ترجع إلى القيادة الجمهورية لمجلس الشيوخ. من الواضح أنهم يريدون أن يدفع الديمقراطيون ثمن إلغاء صلاحية التعطيل. ويقال إن الجمهوريين في لجنة العلاقات الخارجية، يفضلون التوصل إلى صفقة لحل الطريق المسدود. ولكن لا: إنه وقت دفع الثمن.السفراء مهمون، حتى في عصر «تويتر»، إذ يمكنهم فتح الباب أمام وزارة مهمة أو تقديم مسؤول تجاري بارز. تقدر وزارة الخارجية الأميركية أنه في العام الحالي، سعت الشركات الأميركية إلى مساعدة السفارات الأميركية من أجل إبرام تعاقدات قيمتها 119 مليار دولار في دول لم يكن لنا لديها سفراء.
ترجو إدارة أوباما اتخاذ خطوة. وأشار المسؤولون إلى أنهم سوف يؤيدون خطة تسمح بالسماح بالتصديق على تعيين مجموعة من 40 مسؤولا في السلك الدبلوماسي، على طريقة الترقيات في الجيش، وترك الخلافات الحزبية تنصب على المرشحين السياسيين. ولكن لم يتم التوصل إلى اتفاق حتى الآن.
سوف تكون خطوة حكيمة أن تسحب الإدارة ترشيحاتها السياسية التي تشوبها أخطاء. على سبيل المثال، أن تجد بديلا لمسؤول جمع التبرعات الذي رُشح سفيرا في أوسلو، والذي وصف أحد الأحزاب الحاكمة في النرويج بالمتطرفة. وكذلك سحب المرشح لموقع سفير أميركا لدى الأرجنتين، وهي الدولة التي قال إنه لم يزرها مطلقا ولا يتحدث لغتها. ويمكن أن تطلب الإدارة أيضا من فنانة الأوبرا السابقة التي تنتظر دورها في بودابست أن تخدم وطنها بطريقة آخر.
بمجرد أن تقتصر القائمة على المرشحين المؤهلين بوضوح لتمثيل أميركا، يجب ألا تتطلب هذه القضية التفكير. يعاني العالم من الفوضى في الفترة الحالية، وتحتاج الدول إلى صلات دبلوماسية مع ولايات متحدة تقدرها وتحترمها. ولكن عندما يتطلع العالم إلى واشنطن، ماذا يرى؟ عاصمة تنهار، لا يتفق سياسيوها الساخطون حتى على تعيين سفرائهم.

السابق
الأسد وحده من طلب جدياً حمايته من «داعش»
التالي
هل نحن حقا في حرب مع «داعش»؟