«أحرار الشام» بين المنهج والدعم القطري

تقف «حركة أحرار الشام» الإسلامية على منعطف حاسم عقائدياً وعسكرياً. وبينما تحاول قيادتها التصدي للعاصفة الأشد التي تتعرض لها الحركة حتى الآن منذ تأسيسها، يبرز المال القطري كعامل شديد التأثير في تحديد مصير الحركة والخيارات المتاحة أمامها.

وبعد حوالي ثلاث سنوات على تأسيسها، حيث كانت من أوائل الفصائل المسلحة ظهوراً على الأرض السورية، وجدت «أحرار الشام» نفسها مضطرة للبحث عن هوية جامعة لها، من شأنها احتواء الخليط غير المتجانس الذي تتكون منه، والمهدد بالانقسام والتشرذم بفعل الضغوط الهائلة التي تفرضها التطورات الميدانية المتسارعة.
وكانت الأزمة مكتومة طوال الأشهر الماضية، وتحديداً منذ بدء القتال ضد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» في كانون الأول الماضي، حيث تعرضت قيادة الحركة لاختبار رفض عدد من الكتائب والمقاتلين التابعين لها قتال «داعش» متذرعين بما أصبح مصطلحاً متداولاً على نطاق واسع هو «أخوة المنهج».
وقد تكون السهولة التي انشقت فيها بعض كتائب «أحرار الشام» في المنطقة الشرقية، وقيامها بمبايعة أمير «الدولة الإسلامية» أبي بكر البغدادي الأمر الذي أتاح للأخير بسط نفوذه على كامل ريف دير الزور ضارباً بيد من حديد كل من يعارضه أو يختلف معه، تطبيقاً عملياً لصعوبة الاختبار الذي تعرضت له الحركة، ومؤشراً على خطورة ما ينتظرها في حال لم تجد حلاً لهذه المعضلة التي أخذت تتفشى بسرعة كبيرة، مهددة بمزيد من الانشقاقات، أو على الأقل عدم طاعة الأوامر.
وتشير التقديرات الأولية إلى أن ما يقارب خمسة آلاف مقاتل اعتزلوا قتال «الدولة الإسلامية»، من بين حوالي 30 ألفا هم الجناح العسكري للحركة. وكان القادة «الشرعيون» يجدون صعوبة كبيرة في إقناع مرؤوسيهم بأسباب قتال «الدولة» ومبرراته الفقهية والشرعية نتيجة ترسخ فكرة وحدة المنهج في عقولهم، وأنه لا يجوز قتال الإخوة في المنهج الواحد بعضهم البعض، حيث فضّل قسم منهم اعتزال ما يصر على تسميته بـ «الفتنة» بينما كان القادة يحاولون توصيفه على أنه رد الصائل، أو دفع المعتدي، أو قتال الخوارج.
في هذه الأثناء كانت «حركة أحرار الشام» تحت رصد دقيق من قبل عدة أجهزة استخبارات إقليمية ودولية تحاول جمع المعطيات عن نهجها وسلوكها وإمكانات توجيهها، خصوصاً منذ سقوط معبر باب الهوى في يدها، وسيطرتها على مقار ومستودعات «الجيش الحر» نهاية العام الماضي، وإعلان الولايات المتحدة صراحة أنها تريد الحوار مع الحركة. والرغبة في الحوار لم تكن وليدة جهل واشنطن بالحركة وتكوينها، وإنما محاولة منها لتغليب تيار داخل «أحرار الشام» على تيارات أخرى كانت تثير قلقها وخوفها نتيجة ارتباطها العضوي بتنظيم «القاعدة العالمي»، كالتيار الذي كان يقوده أبو خالد السوري الذي قتل قبل حوالي ثمانية أشهر.
وأعطت الحركة عدة مؤشرات على أنها قابلة للتطويع، وربما الرضوخ. المؤشر الأول هو انضمامها إلى الفصائل التي شكلت «الجبهة الإسلامية» في تشرين الثاني الماضي، رغم الاختلاف العقائدي بينها وبين العديد من هذه الفصائل. والثاني توقيعها على ما سمي «ميثاق الشرف الثوري» الذي اتخذ موقفاً واضحاً من المقاتلين الأجانب، مع تراجع في منسوب هدف «إسلامية الدولة» الذي تتطلع إليه الحركة، إذ بعد تأكيدها في ميثاق تأسيسها على هدف «الدولة الإسلامية» ورفض الديموقراطية، اكتفت الحركة في «ميثاق الشرف» بهدف تطبيق «الشريعة الإسلامية»، الذي لا يخلو منه دستور من دساتير الدول العربية الحالية.
وشجعت هذه المؤشرات أجهزة الاستخبارات، خصوصاً الاستخبارات القطرية، على فتح خطوط تواصل واسعة مع قيادة الحركة، التي يقيم قسم أساسي منها في تركيا. وكانت الغاية الأساسية من هذا التواصل، محاولة كسب «أحرار الشام» إلى صفوف ما تصفه الدول الغربية بالمقاتلين «المعتدلين» وفك ارتباطها غير المعلن مع تنظيم «القاعدة»، بهدف تركيز الجهود العسكرية لإسقاط النظام السوري، الذي استطاع الصمود طوال السنوات الماضية، وذلك من دون الوقوع تحت طائلة مكافحة الإرهاب التي كانت بوادرها بدأت بالظهور منذ تأزم الأحداث في العراق ومن ثم سيطرة «الدولة الإسلامية» على مدينة الموصل وإعلان «الخلافة».
وبحسب معلومات خاصة حصلت عليها «السفير» فإن الاستخبارات القطرية تمكنت من تنمية علاقتها بشكل خاص مع القائد العسكري لـ «أحرار الشام» أبو طلحة، الذي أصبح يتحكم وحده بالكتلة المالية التي يوفرها الدعم القطري، وكذلك بشحنات الأسلحة التي تدخل عبر الحدود التركية لتستقر في المستودعات التي يشرف عليها بنفسه، وهو ما منحه نفوذاً كبيراً داخل الحركة مكنه من استقطاب تيار واسع، يأتمر بأوامره ويعمل بهدي الجهاز الذي يتعامل معه، الأمر الذي أدى إلى تصعيد التنافس، أو الصراع بين تيارات الحركة، ومحاولة كل منها إحكام سيطرته على سلطة اتخاذ القرار فيها، خصوصاً بعد الإعلان في بداية آب الماضي عن تشكيل تحالف من 18 فصيلاً بقيادة قائد «جيش الإسلام» زهران علوش، واتجاه التحالف إلى تشكيل «مجلس موحد لقيادة الثورة السورية».
لم تنضم «حركة أحرار الشام» إلى التحالف في البداية، واعتبر ذلك دليلاً على تمسكها بما تبقى من مبادئها التي شتتها التدخل القطري في شؤونها. ولكن سرعان ما فاجأت الحركة الجميع بإعلانها القبول بالمشاركة في أعمال اللجنة التحضيرية المخولة مناقشة موضوع تشكيل «القيادة الموحدة».
البصمة القطرية واضحة في اتخاذ هذا القرار الأولي، لاسيما في ظل أنباء تحدثت عن اجتماعات مكثفة شهدتها مدينة اسطنبول التركية بين ضباط قطريين وقيادات الحركة تهدف إلى «إقناعها» بالانضمام إلى تحالف علوش، وهو ما يبدو أن الأمور متجهة إليه.
لذلك لم يكن غريباً أن يؤدي هذا القرار إلى انعكاسات كبيرة داخل الحركة، منها استقالة اثنين من «أمراء» الحركة، هما «أميرها» على حلب أبو يزن الشامي و«أميرها» على إدلب أبو يوسف البدوي، وسط معلومات عن اتجاه قيادة الحركة إلى إحداث تغييرات جذرية في هيكليتها التنظيمية ومناصبها الكبرى، بما ينسجم مع التوجهات الجديدة التي نقلتها من أحضان السلفية «الجهادية» إلى التحالف مع فصيل علماني، هو «حركة حزم» (أحد فصائل تحالف الـ18)، المرضي عنها غربياً والموصوفة بـ«المعتدلة».
وقد أثار توجه «أحرار الشام» نحو التحالف مع «حركة حزم» غضب بعض منظري السلفية «الجهادية»، وعلى رأسهم الصيدلاني الأردني إياد القنيبي الذي اتهم التحالف الجديــد بالعمل وفق أجندات خارجية، ليحدث سجال كبير بينــه وبــين بعــض قيــادات الحركة، منهم «أميرها» حسان عبود والمســتقيل من «إمارة» حلب أبو يزن الشامي الذي كان له تصريح خطير قد يشــير إلى المسار الذي تسير به الحركة بعيداً عن مبادئها المعلنة، حيث كتب الشامي، رداً على القنيبي، «نعم أنا كنت سلــفيا جهاديا، وحبست على هذه التهمة في سجون النــظام، واليوم استــغفر الله وأتوب إليه واعتذر لشعبنا أنـنا أدخلــناكم في معارك دونكيشــوتية كنتم في غنى عنها».
ولم يفت الشامي أن يطالب كلاً من القنيبي ومنظر السلفية «الجهادية» في الأردن أبو محمد المقدسي «بالكف عن منشورات التخوين والوسوسة والتشكيك بأي فصيل لا ينتمي للسلفية الجهادية».
وبالتزامن مع هذه التطورات كانت بعض الكتائب، مثل «لواء علي بن أبي طالب» وجناح «أحرار الشام» في مدينة طعوم الإدلبية يعلنان تحفظهما على توجهات الحــركة، ويهــددان بالانشــقاق. فهل تتحقق نبوءة والي «داعش» السابق على حلب أبو أثير الأنصاري بأن «أحرار الشام» ستنقسم إلى ثلاثة أقسام، أكبرها سينضم إلى تنظيمه؟.

السابق
والدة العسكري المخطوف جورج خزاقة: ولدي اتصل بي صباحاً
التالي
ماذا قال المعاون المخطوف بيار جعجع لعائلته في اتصاله اليوم؟