أين حملة ’سكّر الدكانة’ من مكافحتها الفساد؟ 

مع إنطلاقتها في 15 أيار الفائت، تعهّدت جمعيّة “سكّر الدكانة” مكافحة أشكال الفساد المستشري في الإدارات الرسمية والتصدّي لها بأسلوب متميّز. شجّعت المواطنين على الإبلاغ عن حالات الفساد والرشاوى التي يصادفونها شخصيّاً، أو يشهدون عليها، من ضمن مجموعة من الأدوات والقنوات التي طوّرتها الجمعية خصيصاً لهذه الغاية، على أن تكشف للرأي العام حقيقة التبليغات والبيانات التي جمعتها. فهل فشلت حملتها، مكتفية بالإعلان عن مبادرتها والترويج لأدواتها ووسائل عملها؟

يرد رئيس جمعيّة “سكّر الدكانة” عبدو مدلج على الذين يُشككون في الخطوات التي وعدت بها الجمعية من خلال “مبادرتها الجريئة المبنية على تفليس منظومة الفساد التي نشهدها يومياً”، متسائلاً: “كيف السبيل إلى القضاء ما بين ليلة وضحاها على فيروس يُعشش في مؤسساتنا الحكومية وإداراتنا العامة منذ أعوام طويلة؟، يجيب المهم أن نبدأ لأن مكافحة الفساد تحتاج إلى جهد ووقت ومواظبة”.
يؤكد مدلج أن “سكّر الدكانة” شارفت نهاية عمل المرحلة الأولى، التي تتناول بلاغات المواطنين من خلال جمع البيانات وتحليلها وفرزها، ما يسمح بالكشف عن حقيقة الفساد عبر القطاعات والإدارات العامة، وإلى وضع مقاييس علميّة تعكس اتجاهات الفساد وأنماطه وآليات عمله”.

بالأرقام
لا ينفي مدلج أن أغلبية الحملات التي تهدف إلى تعزيز التوعية ونشر ثقافة النزاهة لم يعد الرأي العام يأخذ بها ويراها للدعاية والظهور فقط. إلا أنه لمس هذه المرة تجاوباً مع الحملة، “بدليل أن الفكرة كانت بمثابة فشة خلق لكثيرين”. وظهر هذا التجاوب من طريق عدد التبليغات الذي وصل إلى 740 تبليغاً إلى الآن، مقابل 920 مليون ليرة مبالغ مدفوعة بدل إنجاز المعاملات”. ويتابع أن حالات أخرى تُصنّف في خانة الرشوة “وصلتنا من مواطنين على الموقع الإلكتروني، لكنها لا تدخل ضمن قائمة الإحصاءات”، موضحاً أن الشكاوى التي تدخل خانة الإحصاءات هي الحالات التي يُحدد فيها اسم الوزارة، نوعيّة المعاملة والمبلغ الذي سُدد بدل إنجاز المعاملة، شرط ألا يُدون اسم صاحب التبليغ، ولا حتى اسم الموظف في الشكوى”.
تُثبت الإرقام والوقائع التي كشفها مدلج عبر “النهار”، أن وزارة الداخلية كانت في الطليعة من حيث عدد التبليغات، الذي وصل إلى 308 تبليغات بفعل تعاطي الناس مع هذه الأقسام أكثر من غيرها وهي، قوى الأمن الداخلي، السيارات، الميكانيك والأحوال الشخصية مقابل 84 مليون ليرة مبالغ مدفوعة. أما وزارة المال، فاحتلت المرتبة الأولى لجهة سداد مبلغ 315 مليون ليرة، مقابل إنجاز 171 معاملة صرح عنها، معظمها من قسمي الجمارك والعقارات. وتلقت الجمعية عن البلديات حوالى 72 تبليغاً بدل 135 مليون ليرة، في حين بلغ عدد التبليغات في القضاء 39 رشوة، لقاء 265 مليون ليرة مبالغ مدفوعة.
المهم في الأمر، يقول، “أننا نأخذ مجموعة هذه البيانات وندرك حجم هذه الأرقام ونحللّها، لنتعرّف من خلالها إلى أساس المشكلة، ومن ثم نلجأ إلى معالجة جذورها، بالتعاون مع الإدارة أو الوزارة المشكو منها”.
هل لدى الجمعية وسائل تتأكد عبرها من صحة التبليغات، أي أنها غير مختلقة؟ يجيب: “نتلقى أغلبية الشكاوى مع شرح مفصل لها، يُخبر أصحابها ما حصل معهم”، معتبراً أن لا مصلحة في اختلاق الشاكي شكواه، طالما أن لا اسماء مذكورة على الأطلاق. “أضف إلى ذلك، قد يحذف نظام الكشف تلقائياً أي مبلغ يتخطى الـ5 آلاف دولار، فيما لو افترضنا أننا تلقينا بين 5 و10 تبليغات غير دقيقة من أصل 100، وهذا الأمر لا يبدّل في الصورة الكبرى واقع الفساد في لبنان”.

التوعية
ما سبب التكتم على ما توصلتم إليه في الحملة، عكس ما وعدتم به الرأي العام؟
أشرفت الحملة على نهاية المرحلة الأولى، التي خُصصت لجمع التبليغات، على أن تنتقل قريباً إلى مرحلة التغيير الحقيقي، “لكننا لا نزال في صدد التحضير لبرامجها. وبالتأكيد سنعلن عنها فور مباشرتنا العمل وليس قبل ذلك، خصوصاً أن الجمعية لا يعنيها أن تظهر أمام الإعلام وتعد الناس من دون تغيير حقيقي”. ويكشف عن إحدى الوسائل التي ستعتمدها الجمعية في الشهر الجاري، هي سيارة “سكّر الدكانة” التي ستجول في مختلف المناطق اللبنانية لتتسلم التبليغات مباشرة من الناس، وفق برنامج مواعيد تعلن عنه لاحقاً.
وبسؤاله عمّا يفعلون بالتبليغات بعد جمعها؟
“هدفنا ليس جمع الشكاوى وحفظها فحسب، إنما استخدام المقاييس العلميّة من أجل نشر التوعية لشرائح المجتمع على أهمية التصدّي لواقع الفساد الذي يضرب منظومتنا الإقتصادية، ودعم عملية التخطيط للإصلاحات السليمة والهادفة، والدعوة لقوانين وتشريعات متجددة سنتعاون بها مع مؤسساتنا العامة لنفض الغبار عنها، وصولاً إلى بناء علاقة بناءة ونزيهة بين المواطن والدولة اللبنانية”.

السابق
مبادرة ’14 آذار’: مزحة انتهت قبل أن تبدأ
التالي
المسيحيون في القرى البقاعية الحدودية يحملون السلاح؟