صمود غزة يوقف الحرب.. والمعركة تنتقل إلى القاهرة

توقفت النار في حرب «الجرف الصامد» بعد دخولها الأسبوع الخامس، لتبدأ معركة الرواية: مَن انتصر ومَن هزم، وما هي الأهداف التي حققها كل طرف؟ وفي الذهن المفاوضات الجارية في القاهرة بين وفد فلسطيني والاستخبارات المصرية، والمقرر أن ينضم إليها وفد إسرائيلي، وتحت رقابة أميركية. وثمة بين الإسرائيليين من يؤمن أن المعركة السياسية الجارية في القاهرة هي التي ستحسم بشكل نهائي حقيقة المنتصر والمهزوم.

غير أن التساؤل عن المنتصر والمهزوم يثير الذعر في إسرائيل، نظراً للفارق الكبير في القوى بين الطرفين المتصارعين: من جهة الجيش الأقوى في الشرق الأوسط، وفي أسوأ الظروف ضمن أقوى عشرة جيوش في العالم، والمقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حركة «حماس» في قطاع غزة. وليس صدفة أن هذه المقارنة دفعت سكان مستوطنات غلاف غزة إلى الاحتشاد في تظاهرات وتنظيم اعتصامات واحتجاجات ضد قرار وقف النار.
وتتعاظم الانتقادات في إسرائيل لواقع أن حرباً استمرت شهراً بكامله لم تشهد، ولا مرة، أي نقاش جدي داخل الحكومة حول رؤيتها للعلاقات المستقبلية مع القطاع. ويرى البعض أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، رغم كل حديثه عن رفض المفاوضات مع «حماس»، ذاهب إلى ثالث اتفاق سياسي مع «حماس» خلال السنوات الخمس ونصف الماضية، بعد اتفاق العام 2012 وصفقة جلعاد شاليت. ويعتقد هؤلاء أن الاتفاق مع الحركة يعيد إسرائيل إلى نقطة الصفر وربما أكثر إلى الوراء.
ويبدو أن الخلافات بدأت تدبّ داخل الحكومة الإسرائيلية بعد إعلان وقف النار، فمن ناحية أعلن وزراء أنهم ما كانوا ليقبلوا بالقرار لو أنه عرض على التصويت. كما أن كثيرين منهم يعارضون الوصول إلى القاهرة للبحث في تثبيت وقف النار. ومن أبرز المعارضين وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان الذي يرفض منح أي دور للرئيس الفلسطيني محمود عباس في المفاوضات بشأن غزة.
ومع ذلك أعلن نتنياهو «أننا حققنا نتائج مذهلة»، حيث إن «العملية أضرّت جداً بالمنظومة الاستراتيجية التي استثمرت فيها حماس جهداً هائلاً». واعترف بأن «العملية كانت مركبة، نفذها جنود أبطال في ظروف قتال قاسية، وجميعهم كانوا بروحية قتالية صلبة قادت إلى نتائج مذهلة جداً».
وأعلن رئيس الحكومة الفلسطينية السابق نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية أمس أن النصر العسكري يقودنا لرفع الحصار عن غزة، وأن ما عجز الاحتلال عن تحقيقه في الميدان لا يمكن أن يحصل عليه في ميدان السياسة. وأضاف، في تصريح، «ندعم وفدنا الفلسطيني الموحّد من أجل الاستثمار السياسي الأمثل، والوصول إلى خاتمة تليق بتضحيات شعبنا الغالية وأداء مقاومتنا وإبداعها العظيم». وأوضح أن حركته تعاملت مع كل التحركات السياسية بمسؤولية عالية، وتواصلت مع الأشقاء في قطر وتركيا، والآن في مصر من أجل وقف العدوان.
وتحدثت أوساط إسرائيلية عن أن المعركة بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية انتقلت إلى الحلبة السياسية. وخلافاً لما تشيعه أوساط حكومية فإن إسرائيل الرسمية لا تبني كثيراً على تجريد القطاع على المدى القصير، لكنها تصرّ على إيجاد آلية رقابة وثيقة للمواد الخام التي يمكن أن تستفيد منها «حماس». وتشدد هذه الأوساط على أن مصير نتنياهو يقوم أو يسقط على طول مدة الهدوء الذي يستطيع جلبه لمستوطنات غلاف غزة، وهذا هو اختباره الحقيقي. ولهذا السبب ستمارس إسرائيل الكثير من الضغوط لمنع التهدئة الحالية لأن تكون مجرد جولة.
وفي محاولة للتهرّب من الملاحقات الجنائية بسبب كمية جرائم الحرب التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي تحت قيادته، أعلن رئيس الأركان الجنرال بني غانتس أن مهمة قواته الآن هي «المساعدة والترميم، وعلينا أن نساعد ليس لاعتبارات استراتيجية وإنما لاعتبارات إنسانية». وقال إنه ليس لإسرائيل، أو الجيش الإسرائيلي، ضغينة ضد سكان القطاع ولهذا سيقدم المساعدة «لأن لهم حق الحياة مثل كل الناس الآخرين».
وأتى كلام غانتس في ظل التحركات الفلسطينية للتوجّه إلى المحكمة الجنائية الدولية للمطالبة بالتحقيق في جرائم إسرائيل الواضحة. وقد التقى وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي أمس مع طاقم الإدعاء في المحكمة، ليخرج بعدها ليقول إن بوسع الفلسطينيين تقديم دعاوى ضد إسرائيل بتهم ارتكاب جرائم حرب. وشدّد على أن كل ما جرى في الشهر الأخير في الحرب على غزة شهادة واضحة على جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، ارتكبتها إسرائيل. وأشارت مصادر فلسطينية إلى أن عباس اتخذ القرار بالتوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية، وأن الملف يكتمل هذه الأيام، وبدعم من جهات حقوقية، دولية وعربية وفلسطينية.
وكان آخر الجنود الإسرائيليين على أرض غزة قد غادرها قبل سريان مفعول هدنة الـ72 ساعة التي اقترحتها مصر. ووفر هذا الخروج دلالة على رغبة إسرائيل في ألا يتعرّض جنودها لملاحقة رجال المقاومة، خصوصاً بعد أن انهارت هدنة مماثلة الجمعة الماضي جراء تواجد جنود إسرائيليين في مواضع حدودية داخل أراضي القطاع.
وتتعرض إسرائيل لانتقادات واسعة في الدول الغربية بسبب الجرائم التي ارتكبتها. وأعلنت دول عدة، بينها بريطانيا وإسبانيا، أنها إما تعلق بيع أسلحة لإسرائيل أو أنها تدرس تعليق صفقات كهذه. وكانت الإدانات الدولية لجرائم إسرائيل، خصوصاً استهدافها المقصود للمدنيين في مدارس وكالة غوث اللاجئين (الاونروا) قد شكلت مصدر قلق بالغ في الدولة العبرية، خصوصاً أن بعض الدول طالبت بتشكيل لجنة تحقيق دولية.
وعرضت وسائل إعلام إسرائيلية حصيلة الحرب بالأرقام، وبينها إطلاق 3356 صاروخاً من غزة، اعترضت القبة الحديدية 578 صاروخاً منها. تجدر الإشارة إلى أن السيناتور جون ماكين، في محاولته حث الكونغرس على تأييد منح 225 مليون دولار إضافية لإسرائيل لتطوير «القبة الحديدية»، قال إن الصواريخ المستخدمة في هذه القبة تكاد تنفد في إسرائيل. وقد أغار الجيش الإسرائيلي على ما لا يقل عن 4762 هدفاً، في ظل تمتعه بسيطرة جوية وبحرية، وأنه دمّر 31 نفقاً. ولقي 64 ضابطاً وجندياً إسرائيلياً مصرعهم أثناء الحرب، وأيضاً مستوطنان تواجدا في مواقع عسكرية وعامل أجنبي.
وفي المقابل، استشهد في غزة ما لا يقلّ عن 1875 مواطناً، بينهم 430 طفلاً و243 امرأة و79 مسناً. وأصيب 9567، بينهم 2878 طفلاً. وتوزع عديد الشهداء بين مناطق القطاع، حيث دفعت خانيونس وجوارها العدد الأكبر 501 شهيد، مقابل 421 في غزة كثير منهم في حي الشجاعية و290 في بيت لاهيا وبيت حانون، و264 في رفح، و241 في المنطقة الوسطى. وخلال الحرب جندت إسرائيل 82201 جندي احتياط، كما تشرد حوالي نصف مليون فلسطيني من بيوتهم. وتتحدث التقارير عن هدم 10690 بيتاً و141 مدرسة وخمسة مستشفيات. وبحسب وكيل وزارة الاقتصاد الفلسطينية تيسير عمر فإن قيمة الخسائر المباشرة للعدوان الإسرائيلي تتراوح بين 4 و6 مليارات دولار.

السابق
توجه وفد من هيئة العلماء المسلمين إلى عرسال من جديد
التالي
وثيقة سرية أميركية عن التعاون الاستخباراتي مع إسرائيل