هل مسيحيو لبنان بمنأى عما أصاب العراق؟

«ما لا يقل خطورة عن تنظيم داعش وما ارتكبه بحق المسيحيين في العراق والموصل، هو الموقف الفرنسي الذي خرق صمت العالم حيال هذه الجريمة، وتناغم مع داعش، لا بل غطى حرب الابادة والاقتلاع التي يشنها هذا التنظيم على المسيحيين ومقدساتهم، والذي تجلى بإعلان فرنسا استعدادها لاستقبال مسيحيي العراق على اراضيها».

تلك هي خلاصة «تقرير مسيحي» اعدته شخصيات زمنية ودينية، ووجه الى بعض البعثات الديبلوماسية تحت عنوان «ماذا بعد العراق؟»، وركيزته الخوف من ان يصبح مسيحيو الشرق «لاجئين على مستوى العالم».
ينطلق التقرير من مسلمة ان الغرب شريك في «حرب الابادة» التي تُشن على المسيحيين من جهات مختلفة، لتفريغ هذا الشرق من الوجود المسيحي. «فالولايات المتحدة الاميركية لم يرف لها جفن حيال كل ما تعرّض ويتعرض له المسيحيون في فلسطين وسوريا وكذلك في مصر وغيرها من دول المنطقة، وكذلك الامر بالنسبة الى المانيا وايضا كندا التي تبرعت منذ بداية الازمة في سوريا باستقبال من يريد من مسيحيي سوريا اللجوء إلى أراضيها».
يقول التقرير «ان خلفية الموقف الغربي هذا تنم، في جانب منها، عن قرار في مكان ما في الغرب لا يريد ان يبقى مسيحي في الشرق. وفي جانب آخر عن تآمر وتواطؤ مع الحرب الداعشية في سوريا والعراق، ومن جهة ثانية عن عملية مقايضة تكفيريين بمسيحيين تجريها بعض الدول الغربية، اي ان تلك الدول وباعترافها ترسل تكفيرييها الى المنطقة للخلاص منهم، وتأخذ بدلا منهم مسيحيين»!.
يلاحظ التقرير انه بدلا من ان تكون ردة الفعل الاميركية والاوروبية، والفرنسية تحديدا، مصوبة ضد «داعش» وما يقوم به، فهي مصوبة لخدمة «داعش» وتحقيق اهدافه باقتلاع المسيحيين من خلال اعلان بعض الدول، وفي مقدمها فرنسا الموصوفة تاريخيا بانها الام الحنون للمسيحيين، انها على استعداد لاستقبالهم على اراضيها، في حين ان المطلوب هو ان تتحرّك لالغاء داعش لا ان تساعده على الغاء المسيحيين ومحو اثرهم»!.
يضيف التقرير «انه بفعل التواطؤ الغربي لم يعد ثمة خوف على المسيحيين في فلسطين، فقد انتهى وجودهم من دون ان يرف للعالم جفن، لا على مستوى الدول ولا على مستوى الامم المتحدة. بل ان الخوف صار اكبر على وجودهم في مصر، وكذلك الحال بالنسبة الى مسيحيي سوريا والعراق. واما الخوف الاكبر فهو على المنطقة برمتها من ليبيا الى مصر الى السودان الى فلسطين الى سوريا الى العراق الى اليمن، ولبنان في عين العاصفة».
يرى التقرير «ان لبنان ليس معزولا عما يجري في المنطقة، والخطر ليس على المسيحيين وحدهم بل على كل المكونات اللبنانية التي يضعها التنظيم الداعشي كلها على منصة التصويب، ما نخاف منه هو ان نستفيق يوما ونرى الحالة الداعشية وقد استيقظت بيننا في لبنان كما استيقظت فجأة في العراق».
وبحسب التقرير «فإن الخطر الاكبر على الجميع يتجلى في وصول الحالة الداعشية الى لبنان، وهنا مؤشرات خطيرة عن وجود بيئة حاضنة لهذا التنظيم في اكثر من منطقة. ومن هنا فإن لبنان يشكل آخر نموذج عيش مشترك في هذا الشرق ويجب ان يحافظ عليه. لكن الخوف ان يكون ما حصل للمسيحيين في المنطقة مقدمة لتهجير مسيحيي لبنان، وهذا لا يطال المسيحيين وحدهم، بل يضرب لبنان في بنيته وهيكله وكيانه وأصل وجوده. وببساطة كلية فإن هجرة المسيحيين معناها التوطين المزدوج للفلسطينيين، وكذلك للسوريين الذين نزحوا اليه بفعل الازمة السورية».
ويلقي التقرير «مسؤولية رد الخطر على اللبنانيين جميعا، وان يكونوا سنة وشيعة ومسيحيين رأس حربة للدفاع عن الوجود المسيحي وبقائهم في أرضهم، لكن المؤسف هو ان بعض الطاقم السياسي يغمض عينه على الخطر الخارجي وعما يخطط للمسيحيين، وعن المحاولات التفتيتية التي يحاول التكفيريون القيام بها، وآخرها اشعال فتيل الانشقاقات من الجيش اللبناني، ولا يرى هذا البعض سوى الصغائر الداخلية اللبنانية والمنصب والوظيفة والمقعد النيابي او الوزاري، وآخر البدع تلك الزنزانة التي افتتحت في معراب!».
ويلحظ التقرير «ادانة الفراغ العربي والاسلامي والضعف حيال الحالة الداعشية، وكذلك التواطؤ الدولي»، ولذلك وامام مخطط ترك المسيحيين يلقون مصيرهم، «ليس امامهم سوى واحد من الامور التالية:
الاول، ان يقبلوا بإبادتهم ويسلموا لـ«داعش» ويذعنوا له ويبقوا اذلاء.
الثاني، ان يتركوا ارضهم لاجئين الى ارض الله الواسعة.
الثالث، ان يحمي المسيحيون انفسهم، ما داموا تُركوا لمصيرهم ولا معين لهم ولا من يدافع عنهم في مواجهة تلك الجماعات الآتية من الزمن الماضي».
وهنا، يخلص التقرير، فإن مقولة «من ضربك على خدك الايمن فأدر له الايسر»، لا تسري في هذه المرحلة، «هناك ارادة جدية عند المسيحيين للتصدي لمن يريد اقتلاعهم، ولا مستقبل لهم في المنطقة الا بأن يحموا انفسهم وكل الشرائع تبيح لهم الدفاع عن حضورهم ووجودهم وتاريخهم بكل الوسائل والطرق الممكنة».

السابق
مصادر المجلس الشرعي الممدّدة ولايته: قرار قريب للشورى بإبطال دعوة المفتي للانتخابات
التالي
حرب غزة ومأزق إسرائيل