الشيعة والعيد

من أعقد الأمور العملية والطقسية التي تواجه الشيعة اللبنانيين، والتي واجهتهم هذه السنة هو تحديد اليوم الأول من عيد الفطر. فما يُفترض أن يرافق هذا اليوم من شعائر ومن لقاءات ومن احتفال وممارسة، يتم تبديده بالكامل في عجز الشيعة عن الاتفاق على تحديد اليوم الأول للعيد. ولعبة السياسة والسلطة في صلب هذا التخبط.

هذه السنة كرر رجال الدين الشيعة ومراجعهم بث الحيرة والتخبط في نفوس الصائمين. والنتيجة كانت أن لا اتفاق على عيد، وبالتالي لا عيد. والحال أن الهلال الذي ظهر بالأمس كشف مرة أخرى أن العيد هو يوم الاثنين، فيما كان العيد الرسمي لدى الطائفة الشيعية كما حددته مؤسساتهم المذهبية والسياسية يوم الثلثاء. صام الشيعة يوماً إضافياً وهذا حرام في الإسلام. إذاً ثمة من ارتكب خطأً، وهم غير المؤمنين العاديين، إنما من أفتى بأن العيد هو يوم الثلثاء.

أما السياسة في لعبة تبديد العيد فهي جلية. فمكتب المرجع الراحل محمد حسين فضل الله كان أعلن أن العيد هو يوم الاثنين. لكنه، أي مكتب فضل الله، ليس طرفاً في لعبة النفوذ السياسي الشيعي. هذه اللعبة يقودها ثنائيا الشيعة الأبديان “حزب الله” وحركة “أمل”. “حزب الله” يُعيّد مع إيران، و”أمل” مع السيستاني، وهذه مواعيد سياسية للعيد أكثر منها مواعيد روحية.

موالاة المرجع السياسي تتقدم على موالاة المرجع الروحي، وتتقدم في أهميتها على رعاية شؤون المؤمنين ومصالحهم في أن يكون لهم يوم أول للعيد. يقول لك الرجل بصوت خفيض :”اليوم عيد بس جماعتنا ما عيدو”، وتقول لك السيدة التي لم تزُر قبر زوجها، بحسرة، رغم أنها أفطرت: “جماعتنا مش معيدين، بكرا منزور المقبرة”.

عشرات الآلاف، بل مئات الآلاف من الشيعة اللبنانيين أفطروا يوم الاثنين وعيدوا يوم الثلثاء. الاثنين كان يوماً بينهم وبين ربهم، والثلثاء كان بينهم وبين سلطتهم. وهذا الأمر بدد العيد فعلاً، فمن عاين عن قرب ما أصاب المواطنين الشيعة في قراهم في ذلك اليوم (الاثنين) تصيبه الدهشة حقاً.

الناس حائرون منذ الصباح. لا أحد يعرف ما إذا كان عليه أن يقوم بطقوس العيد أم لا! “هل نقول لمن نلتقيهم “كل عام وأنتم بخير”؟ و”نحن اليوم أفطرنا، لكن هل نُشهر إفطارنا؟”. المجلس الاسلامي الشيعي لم يُعيّد، و”حزب الله” لم يُعيّد. السلطة أجلت العيد يوماً إضافياً، المؤمنون أفطروا لكنهم لا يستطيعون ان يُعيّدوا ولا يريدون أن يصطدموا بالسلطة الممتدة من بيروت إلى قم ومن بيروت إلى النجف.

ثم إن قم في هذه الأيام مدت نفوذها السياسي إلى النجف، فكيف يقوى مؤمنون لبنانيون ضعفاء من مقلدي مرجع راحل (فضل الله) على إشهار قناعاتهم في أن العيد هو يوم الإثنين وليس الثلثاء، فيصطدمون بعاصمة التشيع الجديدة قم، وبتابعتها العراقية، أي النجف.

صباح الإثنين كان عيداً ولم يكن عيداً، وثمة مسؤول عن هذه الحيرة، وعن تبديد العيد. هلال الشهر كشف أن هذا المسؤول أخطأ وألزم الصائمين بيوم صيام إضافي. وأخطأ في أنه حرمهم من العيد في اليوم الذي أفطروا فيه سراً بعيداً من أعين السلطة.

علاقة أحزاب الشيعة اللبنانية بالمراجع الدينية غير اللبنانية علاقة استتباع سياسي، ويوم كان فضل الله، مرجعاً دينياً حياً ومقلداً كانت مرجعيته موضع استهداف من قم لأسباب كثيرة منها أنها مرجعية لبنانية.

وحين تتولى مرجعية بعيدة مصالح المؤمنين سيصطدم إفتاؤها بمصالحهم اليومية على ما جرى يوم العيد. وهذه هي السياسة، ذاك أن حرباً يمكن أيضاً أن تخدم المراجع خلف الحدود، وهي من دون شك لن تكون في مصلحة المؤمنين اللبنانيين… سورية نموذجاً.

السابق
تقرير الحريات الدينية الأميركي: استمرار التمييز ضد الأقليات في تركيا
التالي
رسالتان قد تغيران وجه المنطقة وتعجّلان بالنصر في غزة