المهاجرون لاجئون يجددون حياة أوروبا

إثر العثور على 45 جثة قضى أصحابها المهاجرون اختناقاً في قبو قارب بلغ شواطئ صقلية على متنه 600 مهاجـــر سري، أعلن جان– كلود يونكر سعيه إلى تعييـــن مفوض أوروبي لشؤون الهجرة، واقتراح الفصل بين الهجرة والأمن يقطع مع عهد سلفه باروسو، وهي مبادرة لا يُستخف بها، إذ تحتسب جوانب قضية المهاجرين المركبة والمعقدة.
وأنقذت البحرية الإيطالية منذ مطلع 2004، 66 ألف مهاجر في عرض البحر. والغرقى ليسوا غير نذر ضئيل من المهاجرين. وتشرع أوروبا أبوابها أمام أكثر من مليون ونصف مهاجر سنوياً، إذا حازوا فرصة عمل أو دعوة لم شمل عائلي أو قصدوا أوروبا لمتابعة دراستهم أو طلب اللجوء. والاتحاد الأوروبي هو حيز سلام وازدهار لا يسعه سد أبواب الهجرة، فمن دونها لا تقوم له قائمة، وهو يستقطب القوى الحية من أصقاع العالم، وتساهم هذه في ازدهاره. واستقبال المهاجرين وحمايتهم هما من أركان قيمه الراسخة، لكن الأزمة الاقتصادية المتناسلة الفصول منذ 6 سنوات غيّرت سياسات المهاجرين. فبرزت هوة بين دول الاتحاد الأوروبي-وهذه لم تعد تتجرأ على دعم الانفتاح على الهجرة- وبين المفوضية الأوروبية، التي واصلت الترحيب بالهجرة واعتبارها حاملة فرص واعدة من غير إغفال أنها كذلك تنطوي على مشكلات.
ولا شك في قصور نظر فكرة أن أوروبا تكتفي بسكانها وأنها في غنى عن المهاجرين، وخلصت دراسة أجرتها أخيراً وكالة «أوروستات» الإحصائية، إلى أن الدول الأوروبية كلها، ما خلا فرنسا وبريطانيا، ستبلغ مرحلة الانحسار السكاني في العقد المقبل. وفي 2050 يتوقع أن تخسر دول الاتحاد الثمانية والعشرين 41 مليون نسمة من مجمل سكانها البالغ عددهم في 2014، 507 مليون نسمة، في وقت يرتفع عدد سكان المعمورة إلى أكثر من بليونين (2.3 بليون) نسمة. وبين 2015 و2030، إذا أوصدت أوروبا أبواب الهجرة، زاد عدد المتقاعدين 31.7 مليون متقاعد، وتقلص عدد الشباب ممن هم في سن بين الـ20 والـ45 عاماً والأكثر اطلاعاً على مستجدات العصر، 30.2 مليون نسمة.
ولكن ما الدور الريادي الذي قد تطمح إليه أوروبـــا متقوقعة على نفسها في عالم مشرع الأبواب؟ وما السبــيل إلى الحفاظ على العقد بين الأجيال والقدرة علـــى الابتكار إذا لم تعوض القارة خسائر شيخوختهـــا وتـــستقطب شباب العالم؟ وثمة رأي شائع يقول إن الـمهاجـــرين يسلبون فــــرص العمل من أهل البلد. ولكن الإحصاءات تدحض الرأي هذا وتثبت أن لا أساس له من الصحة: ارتفاع نسب الهجرة ونسب البطالة غير مترابطين وبينهما علاقة «عكسية» في نصف دول الاتحاد الأوروبي، فارتفاع معدلات الهجرة ترافق مع بطالة منخفضة، وارتفاع البطالة قلص الهجرة، والميل هذا لم يتغير في الأعوام الخمسة عشرة الماضية، ففي إيطاليا وإسبانيا قبل الأزمة، ارتفعت معدلات المهاجرين ثم انخفضت على وقع الأزمة، وهذا ما حصل في ألمانيا على رغم أن الأزمة لم تؤد هناك إلى تضخم البطالة. ويقال إن هذه الظاهرة وثيقة الصلة بانتفاء حاجة أوروبا إلى قوة عمل المهاجرين من أجل أن تخرج من الأزمة، وأن سبيل طي الأزمة هو في ترجيح كفة قوة الابتكار واقتصاد المعرفة. ولكن الرأي هذا يغفل أن المهاجرين من غير الكفاءات يوفرون يداً عاملة تنزع عن عاتق السكان المحليين أعباء مهن بسيطة فيفسحون المجال أمامهم للترقي في سلم المهن. والأعمال المنزلية هي من المهن التي لا تقتضي مؤهلات علمية عالية ولا غنى للمجتمع أو للاقتصاد عنها. والمهنة هذه تتعولم على وقع تأنيث الهجرة في دول بجنوب آسيا وجنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا. وإلى الأعمال المنزلية، ثمة قطاعات يغلب المهاجرون على اليد العاملة فيها، فـ90 في المئة من عمال حلب البقر في مصانع جبن البارميزان الذائع الصيت، هم من الهنود.
ويجمع كثر على أن المهاجرين لن يختفوا بين ليلة وضحاها من سوق العمل. ولكن ثمة من يتساءل عن تقويض عائلات المهاجرين الفقيرة والكبيرة أنظمة الضمان الاجتماعي الأوروبية. ولكن على رغم أن أعداد المهاجرين الذين يتلقون مساعدات السكن والعائلة والبطالة كبيرة، لا تضاهي أعباء المساعدات هذه أعباء ضمان الشيخوخة (المساعدات المرضية والتقاعدية). ومساهمة المهاجرين المالية المباشرة في الناتج المحلي (الفارق بين الضرائب والمساهمة الاجتماعية وبين المساعدات الاجتماعية التي تقدم اليهم) متوسطها 5 آلاف يورو سنوياً عن كل أسرة. لكن هذه المساهمة سلبية في فرنسا (-1500 يورو) وألمانيا (- 5600 يورو) حيث شاخت الشرائح السكانية المهاجرة.
وتبرز الحاجة إلى تبديد الأسطورة القائلة إن تهــــريب المهاجرين إلى ضفة المتوسط الأوروبية مـــن أفريقيا الشمالية والشرق الأوسط يحمل إلى أوروبا الجنوبية سيلاً من المهاجرين الخارجين علـــى قوانين الهجرة. فركاب قوارب الهجرة لاجئون شـــأن غيرهم من الباحثين عن فرص عمل غير نظامية. وهم يفرون من دول تنهشها الحرب (الصومال وسورية وأفغانستان)، ويبلغون الضفة الجنوبية من المتوسط بحثاً عن حياة آمنة وكسب لقمة العيش.

السابق
تفجير ذخائر غير منفجرة في حولا
التالي
في السنغال.. نشرة الأخبار بـ ‘الراب’