الثقافة العمانية .. حفاظ على الهوية وبناء نحو المستقبل

لما كان النقاش حول الهوية لا يمكن علميا أن يفصل النمو الشخصي عن التغيرات والتحولات الاجتماعية فإن السلطنة سارت وفق ذلك الخط بوضوح شديد ولم تناقش وضع الهُوية بعيدا عن التطور الطبيعي للشخصية العمانية والتحولات الاجتماعية التي كانت تشهدها سلطنة عمان منذ عام 1970م.

برغم أن المشهد الثقافي في السلطنة ذا فعل تراكمي عميق ممتد منذ قرون طويلة من الزمن كان فيها العماني مشاركا في صناعة الصورة الثقافية العامة في الأمة العربية إلا أن التحول الجوهري الذي شهدته السلطنة يوم الثالث والعشرين من يوليو عام 1970 م أعاد عُمان إلى دورها الحقيقي مستعيدة فعل التراكم على ما أنجزته خلال قرون طويلة مضت فتحقق على أرض الواقع فعل ثقافي أكثر اتساعا وعمقا واستمرارية يحاكي المكانة التاريخية والثقافية التي تليق ببلد حضاري بحجم عمان وامتدادها الموغل في عمق التاريخ.

وبعد مضي 44 سنة من عمر نهضتها الحديثة التي أرسى دعائمها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم يستطيع المراقب أن يلحظ بسهولة أن المنجز الثقافي المتحقق اليوم شديد التناغم بين مفرداته وبين التاريخ الحضاري والثقافي الذي حققته السلطنة في عصرها الحديث، وليس حدثا ملتبسا لا هُوية تربطه بالإنسان العماني وبثنائية الزمان والمكان.
ولما كان النقاش حول الهوية لا يمكن علميا أن يفصل النمو الشخصي عن التغيرات والتحولات الاجتماعية فإن السلطنة سارت وفق ذلك الخط بوضوح شديد ولم تناقش وضع الهُوية بعيدا عن التطور الطبيعي للشخصية العمانية والتحولات الاجتماعية التي كانت تشهدها السلطنة منذ عام 1970م.
وكانت رؤية جلالة السلطان المعظم – أعزه الله – واضحة منذ البداية في الحفاظ على ، بل التمسك، بالهُوية العمانية باعتبارها الأساس الذي يمكن أن تقف عليه أي مسيرة ثقافية تريد دولة تتلمس خطوات نهضتها أن تبنيها وتسير عليها.
ووفق هذا المنهج استطاعت السلطنة أن تكسب الرهان في تحدي ثنائية الأصالة والمعاصرة التي كانت أحد أكبر التحديات التي مرت بدول العالم الثالث، وهذا الأمر وحده الذي يمكن أن يفسر نضج الشخصية العمانية في تعاطيها مع خط الأحداث من حولها، وكذلك في قدرتها على التمسك بعاداتها وتقاليدها، والفخر بها، لكن أيضا مع قدرة كبيرة في استيعاب كل المتغيرات التي يشهدها العالم.

ولا شك أن الجهود التي أرساها جلالة السلطان المعظم في الحفاظ على الهوية الثقافية للمجتمع العماني ساهمت في قدرة المجتمع على الصمود في وجه تيار العولمة والمتغيرات التي جلبتها معها، ولكن رغم ذلك ظل المجتمع قادرا على التفاعل مع غيره من المجتمعات بثقافتها وقيمها المتنوعة، ولم يبق رهين مكتسبات ماضيه وإنما يتحرك نحو المستقبل عبر مرآة صنعها من وعيه بالتاريخ الذي مرت به المنطقة.
وكانت السلطنة من بين الدول القليلة التي أنشأت وزارة خاصة تعنى بتراثها الوطني، وجعل مفردة التراث مقترنة دائما مع مفردة الثقافة.
وتدخل السلطنة عاما جديدا تحقق فيه المؤسسات الثقافية حضورا متميزا على مختلف المستويات، ففي الوقت الذي وضعت فيه وزارة التراث والثقافة حجر الأساس للمجمع الثقافي في ولاية نزوى بمحافظة الداخلية تنتظر عاما استثنائيا تحتفل فيه العام القادم 2015م بنزوى عاصمة للثقافة الإسلامية، وهو عام سيكون حافلا بالبرامج والفعاليات التي تعطي هذه المدينة والسلطنة بشكل عام مكانتها الثقافية التي تحفظها لها الذاكرة العربية. كما أن المشهد الثقافي في السلطنة ينتظر أيضا خلال المرحلة القادمة تدشين المجمع الثقافي في محافظة مسقط الذي من المنتظر ان يكون علامة بارزة بما يضمه من مرافق ستساهم في تفعيل الجوانب الثقافية والبحثية، وتتلوه مجمعات ثقافية في مختلف محافظات السلطنة في إصرار على الاستثمار في الثقافة باعتبارها أحد أهم مدخلات اقتصاد المعرفة الكفيل وحده بصناعة غد أكثر إشراقا لعُمان.
ومن بين المشاريع التي ينتظر أن ترى النور قريبا أيضا مشروع المتحف الوطني الذي قطع شوطا كبيرا ويتجه نحو اكتمال الانجاز، ويأتي المتحف الوطني ليكون تتويجا لسلسلة من المشاريع المتحفية التي تشرف عليها وزارة التراث والثقافة، وليكون نافذة متحفية حديثة الطراز، تنفتح على المشهد التاريخي والثقافي لعمان.

السابق
هذا ما قاله نهاد المشنوق للسفير الإيراني الجديد
التالي
60 قتيلا في هجوم انتحاري استهدف حافلة تقل معتقلين شمال بغداد