في تصدع العراق… وتماسك ‘طوائفه’!

ليس أمام الشيعة إلا ان يتّحدوا في مواجهة العدو، ولو كان ثمن ذلك احتفاظ نوري المالكي بولاية ثالثة، في شكل مباشر او عبر احد مساعديه.
على السنّة ان يتحدوا في مواجهة عدوهم، ولا ضير من التغاضي عن «الخليفة» الجديد ودولته التي تنمو على الأرض، وعلى الكرد ان يفعلوا امراً مماثلاً، فـ «الأخطار محدقة، والتهديدات كبيرة، والأعداء يخططون لابتلاعنا».
لا تُردَّد هذه الدعوات داخل اسوار كل طائفة فقط، بل خارجها ايضاً، وواقع الحال ان ارتباطاً شرطياً لا يضمن تماسك كل طائفة، إلا بتماسك الطائفة الأخرى.
أبناء الطائفة يستمعون الى هذا الحديث من زعمائهم الدينيين والسياسيين والقبليين، ومن دول في الإقليم ومن واشنطن التي تقول لهم ان الضمانة الوحيدة الباقية للحفاظ على وحدة العراق هي «ان تتمكن مكوناته من توحيد مواقفها».
مفارق، وغريب، وخارق لطبيعة الأشياء، ان تقود وحدة الطوائف الى وحدة الأوطان!
على عكس المتداول، قبل 9 حزيران (يونيو) لم تكن لدى المالكي فرصة للتفكير في ولاية ثالثة. كان مقتنعاً في وقت مبكر بأن شركاءه الشيعة لن يسلموه مفاتيح مجلس الوزراء مرة اخرى، فأطلق حملة «حكومة الغالبية» التي تمكّنه من الاستعاضة عن بعض الشركاء الشيعة المزعجين بآخرين مطيعين، ومع ظهور نتائج الانتخابات تبدد هذا الأمل. كانت القوى الشيعية المناوئة له تجمع اوراقها لتعيين رئيس وزراء بديل، وتسعى الى اقامة حلف مع الأكراد والسنّة يتيح تغيير مسار السياسات السابقة.
تحت الخطر، ليس امام الشيعة الا أن يتوحدوا، وليس على «عصائب اهل الحق» و»كتائب ابو الفضل العباس» الا ان يعودوا من مهمتهم «المقدسة» في سورية الى مهمة «مقدسة» جديدة في العراق، وليس على «جيش المهدي» الا ان يستعرض قوته الصاروخية، وليس على ايران الا ان تؤكد لشيعة العراق انهم امام حرب كونية مصيرية، تشمل كل شيعة العالم، وأن لا وقت للحديث عن ابدال المالكي أو تغيير منظومته.
يجهد قاسم سليماني في اقناع الشيعة في العراق، بإن الحديث عن منصب رئيس الحكومة الجديد لن يكون مقبولاً قبل ان يتحقق نصر عسكري على الأرض، ويضع خطة تقتضي باستعادة مدينة تكريت، قبل الشروع في محادثات تشكيل الحكومة مجدداً.
التقط المالكي الفرصة، واصل هجومه المستمر على المتآمرين «السنة والأكراد» وعزف، كما اعتاد، على فرضية القائد الشيعي المخدوع من الآخرين. لا وقت للتهدئة، لا سبيل الى التراجع.
السيناريو الأخطر تم تجاوزه، وهاهو السيناريو الأكثر قبولاً: دولة كردية صعبة تنازع «داعش» وإيران وتركيا على الأرض وعلى الوجود، ومصير سنّي مجهول باستعارات سورية، تحفره طائرات «سوخوي» الروسية بالدم.
لم يكن ابراهيم عواد السامرائي (ابو بكر البغدادي) يحلم بأن يسيطر على نصف اراضي العراق، ولم يتخيل ان السنّة سوف يضطرون يوماً الى التخلي عن فكرة الدولة ، والبحث عن خلاص الطائفة، ولو لم يفعلوا ذلك لما تجرأ على اعلان نفسه خليفة «هاشمياً»، وإعلان تنظيمه «خلافة اسلامية».
يدرك السامرائي ان عليه تهديد الشيعة بعنف، ليجبرهم على التوحد، وأكبر خطر واجهه خلال الشهور الماضية ان شخصيات شيعية مثل عمار الحكيم ومقتدى الصدر تدعمها مرجعية السيد السيستاني، بدأت تتحدث صراحة عن تحالف مع سنّة وكرد لتشكيل الحكومة. هكذا سارع الى اخبار العدناني بما يجب ان يفعل: عليك تهديد النجف وكربلاء… عليك توحيد الشيعة. لم يكن جيش البغدادي حينها قد تجاوز حدود الموصل، لكن التهديد الشديد يكفي لإعلان السيد السيستاني فتوى الجهاد.
على رغم ان السياسيين السنّة يجدون انهم في موقف الحمائم، امام الصقور الجدد الذين يتصدون للحراك العسكري على الأرض، من شيوخ عشائر ورجال دين وقادة في الجيش السابق، وممثلين عن حزب «البعث» ومتحدثين باسم فصائل مسلحة، فإن نجاح المسلحين في التمدد الى حدود بغداد منحهم دافعاً اضافياً للتوحد، والتماهي مع خطاب المرحلة، أي الإقليم أو الانفصال، او قلب معادلات الحكم، او احتلال بغداد.
البغدادي يراقبهم جميعاً، وهو لا يسعى الى تفتيتهم في هذه اللحظة. يفرح عندما يؤجلون البحث في تشكيل الحكومة، فأي حكومة في زمن الخلافة وعصر الخليفة؟ هو يرسل اليهم موفدين لحضهم على الاعتراف بأن بغداد ستكون عاصمة الخلافة، وأن عليهم التوبة قبل فوات الأوان. سيتركهم لبعض الوقت يتحركون سياسياً، الى حين تسجيل نصر عسكري جديد.
كل السيناريوات مقبولة لدى السامرائي، فعندما كان بعضهم ينظر الى استدراج تنظيمه من سورية الى العراق، كـ «فخ» ، نظر هو الى العراق كـ «حلم». انه يعرف ان الاختناق السني – الشيعي في المنطقة وصل الى نهاياته، وأن هذه النهايات ستنتج وقائع جديدة، عليه ان يكون جزءاً منها. يدعو «المهاجرين» للقدوم الى «طوبى» القاعدة، يعلم ان مئات الآلاف منهم مستعدون للاستجابة. ليس من حل سوى فتح كل ابواب الصراع التاريخي، يقول لأنصاره: المحيط السنّي سيبتلع الشيعة في مواجهة مصيرية. لم يعد ثوب «العراق والشام» يلائمه، بل آخر خريطة قبل سقوط الدولة العباسية.
السامرائي ينجح في توحيد الشيعة، والمالكي ينجح في توحيد السنة، والاثنان ينجحان في دفع الأكراد الى إنقاذ حلم الدولة، والمضي به الى أمام.
لن يكون بمقدور احد ان يرفض خطاب الوحدة المدمر، لن يقاوم احد، على الجميع المضي قدماً خلف قادة المرحلة، تصديقهم، والتماهي مع بطولاتهم، ومغفرة خطاياهم. على الجميع التوحد في مواجهة العدو.

السابق
‘القسام’ تتبنى عمليات اطلاق الصواريخ من جنوب لبنان
التالي
حماس تنفي اطلاقها الصواريخ من الجنوب