عنصرية ‘الاشقاء’ المقاومين

فيكتوريوس بيان شمس
أثارت موجات النزوح السورية باتّجاه الدول القريبة والبعيدة امتعاض شرائح واسعة في هذه الدول لعدّة اعتبارات، تبدأ بالاقتصادي، ولا تنتهي بالتخوّف من تغييرات ديموغرافية قد يحدثها وجود هؤلاء اللاجئين مروراً باستخدامهم، كما الفلسطينيين بالضبط، كشمّاعة تعلّق عليها موبقات الأنظمة، ثابتة أو متقلّبة متغيّرة، لا فرق، كما حدث في مصر بعد “ثورة 30/6/2013” على سبيل المثال.
أوقف الأردن في البداية استقبال اللاجئين الفلسطينيين الفارّين من الموت المُحتّم في سوريا، إذا ان أكثر من نصف سكان الأردن من أصول فلسطينية بطبيعة الحال. ثم في مرحلة لاحقة بدأ التضييق على اللاجئين السوريين لأسباب استنتج كثيرون أن لها علاقة بمسألة التكاليف الباهظة لاستضافتهم. على كل حال لم تتّسم ممارسات السلطات الأردنية تجاه اللاجئين بالعنصرية كما حدث في لبنان. فالسلطات اللبنانية أمام صنفين من اللاجئين: الفلسطينيون، وأشقّاؤهم السوريين. واللاجئين أمام صنفين من التعامل: تعامل رسمي مرتبك مع السوريين، متشدّد مع الفلسطينيين الذين منع استقبالهم، وذهب أبعد من ذلك لدرجة تسليم المتواجدين على أراضيه ممّن انتهت إقاماتهم للنظام السوري، ما يعني إرسالهم ببساطة إلى الموت.
يترافق هذا مع اقتران موقفين متناقضين للقوى الأساسية الممثّلة في الحكومة اللبنانية. ففيما تعتبر بعض هذه القوى وأبرزها “حزب الله” بأن وقوفها مع النظام السوري بالأساس كي لا تنهار المقاومة، والتي من المتأمّل أنها ستعيد للفلسطينيين حقوقهم، تصمت هذه القوى عن كل الممارسات بحقّهم والتي وصلت إلى حد حصار الجيش لمداخل بعض المخيمات، وإلقاء القبض العشوائي على الكثير منهم. برّرت الحكومة اللبنانية ومنظّمة “الأونروا” أن “هذه الإجراءات مؤقّتة، وتهدف لتنظيم الوجود الفلسطيني على الأراضي اللبنانية”. ناهيك عن أن الفلسطينيين الذين يقارب عددهم في لبنان نصف مليون إنسان، ممنوعون من ممارسة زهاء (70) مهنة، و من حق التملّك وغيره.
من جهة ثانية، برزت بعض المواقف العنصرية الواضحة تجاه اللاجئين، إن من قبل مسؤولين في الحكومة اللبنانية، كما فعل وزير الخارجية جبران باسيل عضو “التيار الوطني الحر” المتحالف مع النظام السوري و”حزب الله” أكثر من مرّة، كان آخرها أثناء لقائه نظيره البريطاني في 12/6/2014 في لندن، ثم في 4/ تموز عندما تحدّث عبر الشاشات عن نِسب الولادة المرتفعة للاجئين مقارنة بأشقائهم اللبنانيين (80 طفل سوري مقابل 40 لبناني). أو على المستوى الشعبي، بحيث حصلت عدّة اعتداءات، وعُلّقت اللافتات التي تحذّر السوريين من التجوّل في ساعات محدّدة ببعض المناطق اللبنانية (ليس غريباً هنا أن أغلب هذه المناطق واقعة تحت هيمنة حلفاء النظام). عدا عن حملات تحريضية عدائية انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي وقف بعض شباب اليسار اللبناني المناهض للنظامين الطائفيين في سوريا ولبنان ضدها وضد غيرها.
الغريب في المسألة، أن أكثر التجمّعات اللبنانية عنصرية تجاه السوريين والفلسطينيين، هي أكثرها تبنّياً للقضية الفلسطينية، وتؤازر النظام السوري بحجّتها، لا بل أكثر من ذلك، قسم من هؤلاء لجأ إلى سوريا، إن فترة الحرب الأهلية التي امتدت من العام 1975، وانتهت نظرياً بعد توقيع اتّفاق الطائف في العام 1989. ثم كانت موجة النزوح الثانية بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في العام 2006، عندما استقبلهم السوريون في بيوتهم، وفي أحياناً كثيرة تركوا لهم بيوتهم.
تُعرّف “الاتّفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري” الصادرة عن “مكتب حقوق الإنسان” في الأمم المتّحدة بتاريخ 21/12/1965، والتي وقّع عليها لبنان في 12/11/1971 تُعرّف العنصرية في مادّتها الأولى بالتالي: “أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفصيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الإثني ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتّع بها أو ممارستها، على قدم المساواة، في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو في أي ميدان من ميادين الحياة العامة”. كان للبنان، كما لسوريا التي انضمّت لهذه المعاهدة في 21/4/1969 وغيرهما من الدول العربية كالسعودية، وليبيا، واليمن، والمغرب، والكويت، ومصر، والعراق، تحفّظات على أساس أن الانضمام لهذه المعاهدة لا يعني بشكل من الأشكال الاعتراف “بإسرائيل”. كما تحفّظت نفس هذه الدول على المادّة (22) من الاتّفاقية، وهي التي تلزم أي طرفين متنازعين بإحالة النزاع إلى “محكمة العدل الدولية” للنظر فيه.
إذن، وقّع لبنان هذه الاتّفاقية. لكن الأدهى، أن النظام السوري مارس التمييز العنصري بحق اللبنانيين أنفسهم طوال فترة الحرب الأهلية اللبنانية، لابل استمر بممارسة التمييز العنصري بعد توقيعه هذه الاتّفاقية بحق الأكراد والذين يعدّون جزء أساسي من المجتمع السوري، لتصبح مطالبهم بالانفصال على غرار ما حدث قبلاً في العراق أمراً منطقياً ومقبولاً.
تعتمل في قلب بعض الشرائح اللبنانية نظرة استعلائية للآخرين، لا تنحصر بمذهب أو دين، بل تتغيّر هذه النظرة وفقاً لتغيّر الأحداث، فحركة “أمل” التي قاتلت الفلسطينيين فيما عرف بحرب المخيمات في العام 1985 كانت ومازالت تتحدّث باسم فلسطين، تماماً كما يفعل اليوم حليفها “حزب الله” الذي بينما يقاتل إلى جانب النظام السوري، مبرّراً ذلك بالدفاع عن فلسطين والمقاومة وحماية الشعب السوري من “العصابات الإرهابية المسلّحة”، يغض الطرف عن كل الممارسات بحق الشعبين السوري والفلسطيني. وصلت الأمور لدرجة مطالبة “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” في أوائل نيسان الماضي من الحكومة اللبنانية وضع حد للممارسات العنصرية التي تقوم بها بعض الجهات الطائفية تجاه اللاجئين.
للعلاقة بين سوريا ولبنان خصوصية، قد لا تكون موجودة بين أي بلدين عربيين، تداخل عائلي، واقتصادي، وجغرافي، وديني.
في العام 2012 كشفت قناة “برس تي في” الإيرانية عن مشروع “اسرائيلي” – بريطاني لإنتاج قنبلة تتماهى مع عنصرية الدولة الصهيونية، قنبلة تتعرّف على جينات العرب، وتقتلهم حصراً دون غيرهم. الأكيد في هكذا مأساة إن تحقّقت بالفعل، أنّها تتعامل مع العنصريين وضحاياهم على سوية واحدة.

السابق
ريفي: لا تكونوا أداة لمن يحاول إعادة طرابلس لدائرة العنف
التالي
إطلاق 3 صورايخ من «القليله» باتجاه إسرائيل وقواتها ترد بقصف «زبقين»