كرة الجزائر وألمانيا تقذف العرب بعيداً عن مأساتهم

ربما إن نظرنا إلى المشهد العربي ليلة أمس من بعيد، لفهمنا أنّ الشعوب تريد ان تتوحّد تحت راية النصر لأنّها سئمت الموت والحزن والحروب. لكنّها – أيّ الشعوب –تعيش في الوقت نفسه في حالة إنكار للواقع وتريد أن تأكل العنب فقطـ متناسية أنّه يجب أن يكون حصرماً قبل النضوج.

 ربما إن نظرنا إلى المشهد العربي ليلة أمس من بعيد، لفهمنا أنّ الشعوب تريد ان تتوحّد تحت راية النصر لأنّها سئمت الموت والحزن والحروب. لكنّها – أيّ الشعوب –تعيش في الوقت نفسه في حالة إنكار للواقع وتريد أن تأكل العنب فقطـ متناسية أنّه يجب أن يكون حصرماً قبل النضوج. 

 

في رصد ردود الفعل والحماسة في مختلف الدول العربية لمباراة الجزائر وألمانيا، يظهر العرب تقريباً لأوّل مرّة متّحدين. “كلّنا جزائر” هو الشعار الّذي أضاء شبكات التواصل الاجتماعي وانهالت عبارات الفخر و”العنترة” على الرغم من خسارة الجزائر للمباراة. أجمع أبناء الدول العربية على أنّ أداء الجزائر كان انتصاراً وإن لم تكن نتيجة المباراة لصالح البلد العربي.

في عام 1982 أثناء اندلاع الحرب الأهلية اللّبنانية، كانت المواجهة نفسها بين الفريقين، مع فارق بسيط بأنّ الجزائر فازت فعلياً بنتيجة 2-1 على الفريق الألماني فيما اعتبر إنجازاً عالمياً آنذاك. هبّ الجزائريون يومها في مظاهرات ظنّ اللبنانيون أنّها للتعاطف مهم بسبب الحصار الاسرائيلي لمدينة بيروت بينما كانت فعلاً للاعتراض على “مؤامرة” ما ضد الفريق الجزائري بسبب النقاط الّتي تؤهّله للانتقال إلى مرحلة أخرى. الوحدة العربية لا تنفع إلّا في الأفراح.

اللّيلة الماضية، أثناء المباراة أيضاً، في بقعة تقع في قلب العالم العربي، شنّت اسرائيل 30 غارة على غزّة. غابت التعليقات عن القصف وبينما كانت القذائف والقنابل تنهمر في المرمى البشري في فلسطين، كانت أعين العالم على مرمى الجزائر وحارسها. ربما تفسد هذه المقاربة بهجة الاحتفالات بالنصر “الناقص”.

يحق للعرب أن يفرحوا بفريقهم وأن يشعروا ولو لدقائق بلذة التفوق على الغرب وإن كان تفوقاً وهمياً. يعرفون أنّهم فشلوا في رهانهم على قتال اسرائيل وربما لم يعودوا يكترثون كثيراً للقضية، وقد يشكّل لهم “الفخر” بالفريق الجزائري تعويضاً عن الهزائم المتتالية وفداحة عجزهم وخساراتهم. وكالعادة، اعتبروا أنّهم خرجوا “مرفوعي الرأس” وأنّهم مرّغوا العنجهية الألمانية بالوحل.

لكن، ماذا يعرف العربي المعتدّ بالمنتخب الجزائري عن وضع هذه البلاد، عن ثورتها السابقة ومشاكلها الحالية. لنفترض أنّ مأساةً ما كانت تندلع في الجزائر بعيداً عن كرة القدم، من كان ليكترث؟ تعتبر الرياضة طبعاً قيمة مضافة للشعوب والبلدان، فقد استعمل الراحل نيلسون مانديلا فريق جنوب افريقيا الوطني في الركبي ليعيد توحيد شعبه وتجاوز الانقسامات في بلاده. وقد بذل جهداً كبيراً ليوظف الرياضة في أهداف سياسية.

ربما إن نظرنا إلى المشهد العربي ليلة أمس من بعيد، لفهمنا أنّ الشعوب تريد ان تتوحّد تحت راية النصر لأنّها سئمت الموت والحزن والحروب. لكنّها – أيّ الشعوب – تعيش في الوقت نفسه في حالة إنكار للواقع وتريد أن تأكل العنب فقطـ متناسية أنّه يجب أن يكون حصرماً قبل النضوج.

تريد هذه الشعوب أن تقنع نفسها بأنّها لا تستطيع مجاراة الغرب في تطوّره لأنّها شعوب “عاطفية” وتؤمن بالقلب والمشاعر كقيمة كبرى، وتتهم الغرب بالجفاف والغطرسة وغياب اللحمة والتعاضد بين أبنائه. هذه الشعوب ليست عاطفية ولا “طيبة القلب” نقطة ضعفها، إنّها سلسلة طويلة من الأسباب والعوامل الّتي لا نزال نتمنّع عن تقييمها بشكل منطقي وعقلاني، بعيداً عن الانفعالات والعصبيات (وهذه طبعاً ليس مشاعر سامية ولا عاطفة). تريد أن تحتفل بالجزائر القوي وتغض النظر عن طفلة ضعيفة ابنة ستّ سنوات دهستها مستوطنة اسرائيلية. إنّها فعلاً قمة العاطفة!

السابق
تسليح أوباما المعارضة السورية: إقرار بفشل استراتيجية الاحتواء
التالي
شركة لحوم تقدم وظيفة لسواريز