عون يندفع ضد ’الطائف’

في خضم زلزال إقليمي كبير يضع المنطقة عند حافتَي التسويات أو “الدويلات”، وفي زحمة تحديات أمنية تزنّر لبنان، وخصوصا عاصمته، فجّر العماد ميشال عون قنبلة سياسية صوتية، أراد من خلالها حرف مسار النقاش السياسي، من أصل الرئاسة، إلى أصل النظام، بعدما أيقن أن حظوظه الرئاسية باتت شبه معدومة. 


ما لم يخرج إلى العلن حتى الآن، أن السعوديين أبلغوا الرئيس سعد الحريري موقفا قاطعا برفض أصل البحث بترشيح عون، وأنهم استطاعوا تسويق وجهة نظرهم لدى جهات دولية… وبالتالي، تمحور النقاش خلال لقاء باريس الأخير بين زعيم “المستقبل” ورئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب وليد جنبلاط حول المخارج الممكنة للخروج من “الجنرال”؟
قال الحريري لجنبلاط: لماذا تريدون تحميلي مسؤولية إبلاغه أن حظوظه معدومة. ليفعلها أحد غيري. أنا لن أقطع مع الرجل، وهذه التجربة أعطت نتائج طيبة في الحكومة وخارجها.
ما كان يتحضر له “الجنرال” قبل اسبوعين، أقدم عليه أمس، بالاندفاع، كما في كل معاركه، إلى الأمام، على قاعدة “إذا هبت أمرا… فقع فيه”. 

لقد انتهى زمن الانتظار. لم يأت الجواب الرئاسي المشتهى، والأرجح أنه لن يأتي بعد الآن. قال السعوديون كلمتهم لسعد الحريري. جرّب الأخير أن يفسرها، بما يعينه على المضي قدما في رحلة “القطاف السياسي” مع عون. لكن سرعان ما تبين أنه كلما تنازل الأخير، يُطلب منه تنازل أكبر. صار الكلام مؤخرا أكثر وضوحا من همس البدايات: “القرار ليس بيدنا، بل يحتاج إلى تسوية إقليمية ودولية، الكلام بين “الدول” بدأ… 
وفي انتظار ذلك، لا بأس من ملء الوقت الضائع بما يسهل عليك وعلينا”. 

نظرية “التسهيل” كانت تتطلب من عون أن يتحاور مع حلفاء الحريري المسيحيين، وتحديدا مع “القوات” و”الكتائب”. هنا، تبدت معضلة مزدوجة. “الجنرال” يرفض أصل الاعتراف بأحزاب لا تستطيع بقواها الذاتية أن تأتي بأكثر من نائبين أو ثلاثة في أحسن الأحوال. وفي المقابل، أدرك “مسيحيو 14 آذار” أن الحريري لن يتخلى عنهم، وأن حاضنتهم الخليجية متفهمة لاعتباراتهم أكثر من زعيم “المستقبل” نفسه. 

انتظار متبادل 
استمر الدوران في الحلقة المفرغة. الحريري ينتظر مبادرة عونية باتجاه مسيحيي “14 آذار” وأيضا وليد جنبلاط، فيما تنتظر “الرابية” إشارات واضحة من باريس لا تأتي. بلغ الأمر حد قول أحدهم: “ماذا قدم لنا ميشال عون حتى نعطيه مكافأة الرئاسة؟ ما هو موقفه من النظام السوري، وما هو موقفه من سلاح “حزب الله” وانخراطه في الصراع السوري”؟ 

من يعطي من؟ من يتنازل لمن؟ وإذا أعطى هذا أو ذاك، أو تنازل، هل القرار بيده أو هل هو أصلا شريك في القرار أم أن الموضوع الرئاسي في مطرح آخر؟
نجح ميشال عون، أمس، في تحريك المياه السياسية الراكدة. اربك الجميع. بدّل جدول الأعمال الداخلي. ضمنا، أعلن انتهاء المفاوضات مع الحريري. في أحسن الأحوال، يريد استدراج زعيم “المستقبل” الى جولة تفاوضية وفق أسس جديدة، لكن من قال أن طروحات المؤتمر الصحافي في الرابية يمكن أن تشكل مادة للتفاوض وليس للقطيعة، برغم حرص أوساط عون على ابقاء اليد ممدودة في كل الاتجاهات؟ 

دعا “الجنرال” إلى ما أسماه “تعديلا دستوريا محدودا” عبر انتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب وعلى دورتين: الأولى، تأهيلية، على مستوى الناخبين المسيحيين، والثانية، على المستوى الوطني. لم يتبن زعيم الغالبية المسيحية مشروع “اللقاء الأرثوذكسي” بحرفيته، بل بمضمونه على قاعدة أن كل القوانين الانتخابية منذ العام 1992 حتى الآن لم تمنح المسيحيين سوى حق انتخاب 17 نائبا مسيحيا من أصل 64 بأصواتهم. قال عون إن “أي قانون يحقق المناصفة الفعلية بين المسيحيين والمسلمين لا يمكن التوصل إليه إلا عبر انتخاب كل طائفة لممثليها”(الأرثوذكسي). 

وضع “المستقبل” ما قاله عون في خانة “الانقلاب على الطائف والدستور”. رفض قادته في بيروت التعليق علنا، في انتظار ضوء أخضر من الحريري نفسه، أتى في ساعة متأخرة من ليل أمس، على أن تظهر مفاعيله بحملة منظمة ضد عون في الساعات المقبلة.
قال أحد المدققين السياسيين في خطاب ميشال عون، أمس، ان “المستقبل” لم يتحمل فكرة أن يستقبل جبران باسيل سفير سوريا في لبنان، في قصر بسترس، فكيف سيتحمل وجود “الجنرال” في قصر بعبدا، وهو الرافض لأصل الطائف والجازم بعدم التراجع قيد أنملة عن كل خياراته الاقليمية واللبنانية؟
رمى عون الكرة في وجه الحريري: “الطائف مقابل رئاسة الجمهورية… إما وضع الصيغة على المشرحة… واما تسوية تؤمن وصولي الى بعبدا”. 

لا تنسيق مع الحلفاء 
لم يعط عون اشارة واحدة الى أن ما قام به كان منسقا مع حلفائه. من يعرفه يدرك أن هذه ليست عادته مع أقرب حلفائه المسيحيين مثل سليمان فرنجية و”الطاشناق”، فكيف مع “حزب الله” والرئيس نبيه بري؟ من المؤكد أن الأخير يرفض أي مس باتفاق الطائف. هو رفض قبل أكثر من سنة، تلبية دعوة رسمية الى بغداد مخافة أن يستفز مشاعر المسلمين السنة هناك. حصل ذلك قبل موسم “داعش”، في اشارة اعتراض على سياسة نوري المالكي الداخلية، فكيف يمكن أن أن يقبل اليوم بأي موقف أو سلوك يؤدي الى تحريك الفالق السني ـ الشيعي في لبنان والمنطقة؟ 

أما “حزب الله”، فليس خافيا على أحد أنه قد تكون له ملاحظاته على الطائف، لكنه لا يعتبر أن هذا هو التوقيت المناسب لمثل هذه الأمور.
يؤول ذلك كله الى الاستنتاج أن “الجنرال” يرمي رميته في ظل مشهد إقليمي خطير ومتغير. اللافت للانتباه أن الحلفاء الإقليميين والمحليين ليسوا حاليا في وارد تغيير قواعد اللعبة. 

السابق
سكود في يد ’داعش’؟ (بالصورة)
التالي
أحلام مدينة للمنتخب الجزائري بـ60 الف دولار