الربيع العربي (2): إيران ليست شيعية فقط .. والشيعة خائفون

السيد محمد حسن الأمين
الربيع العربي لم يحقق بعد مرتكزات قويّة يمكن الاستناد إليها لدى فئات خائفة ومتردّدة. لذلك فاﻷقليات لا تريد المغامرة. وقد يكون في وعي الشيعة أن المستقبل ليس في هذا الانغلاق الذي يعيشونه، لكن هذا المستقبل لا يبدو واضحا.. فيدفعهم إلى هذه العصبويّة. في لبنان بالذات لدى الشيعة شعور سابق وعقدة نقص سابقة تقول إن كل الطوائف يوجد لها مرجعيات كدول داعمة لها باستثناء الشيعة. عندما قامت الثورة الإسلامية في إيران شعروا أن هذه هي القوّة التي يمكن أن تدعمهم. وأن يتركوا الآن إيران ويلتحقوا بالربيع العربي، فهذه مغامرة بالنسبة لهم.

الربيع العربي لم يحقق بعد مرتكزات قويّة يمكن الاستناد إليها لدى فئات خائفة ومتردّدة. لذلك فاﻷقليات لا تريد المغامرة. وقد يكون في وعي الشيعة أن المستقبل ليس في هذا الانغلاق الذي يعيشونه، لكن هذا المستقبل لا يبدو واضحا.. فيدفعهم إلى هذه العصبويّة. في لبنان بالذات لدى الشيعة شعور سابق وعقدة نقص سابقة تقول إن كل الطوائف يوجد لها مرجعيات كدول داعمة لها باستثناء الشيعة. عندما قامت الثورة الإسلامية في إيران شعروا أن هذه هي القوّة التي يمكن أن تدعمهم. وأن يتركوا الآن إيران ويلتحقوا بالربيع العربي، فهذه مغامرة بالنسبة لهم.

إن المنخرطين في إنتاج الربيع العربي هم أفراد الشعب العربي في الدرجة الأولى. والتحولات لا يمكن أن نحكم نحن مسيرتها بعد الثورات، يمكن أن تحدث التحولات بغير ما هو متنبّأ لها. فقد جوبهت الشعوب باسم “الممانعة”، وهي فعلاً ممانعة لأن تلك الأنظمة تمنع تحرّر الشعوب، وتمانع أشكال التغيير، ما يؤكد لنا أن أعداء “الربيع العربي” هم الأنظمة … وقد سقط بعضها فلم يستطع أن يواجه كما في تونس ومصر وليبيا واليمن.

وقد ناصر الغرب ثورات الشعوب العربية لفظاً دون العمل الحقيقي على دعمها، إذا استثنينا ليبيا ولأسباب خاصة تتعلّق بثروتها النفطية، لأن الأنظمة اعتادت أن تؤمّن مصالح مجانية للغرب، ولإسرائيل في الوقت نفسه. ثورة الربيع العربي هي وجدت من أجل تحرير الثروة العربية وتحرير الإنسان العربي، وتحرير الكيان العربي، فهل تتوقع أن تأتي الدول الغربية وتدعم مباشرة تلك الثورات؟

ما يحدث في سوريا أن هذا النظام ارتكب مجازر احتوت كل أشكال الهتك الإنساني إلى درجة أنه من غير المفهوم كيف أن المنادين بحقوق الإنسان إلى الآن لم يحركوا ساكناً تجاه هذا النظام، بما يدلّ دلالة واضحة ووقحة أيضاً أن هذا النظام يراد له أن يستمر، لأنه أقدر على تقديم المصالح المطلوبة للغرب والشرق أيضاً، روسيا والصين وغيرها.

لكن ماذا عن تسلُّل التطرّف الإسلامي وتاريخه؟

في بداية “عصر النهضة” برزت رموزا متعدّدة منها إسلاميّة ومنها علمانية. ويا ليت ما نتداوله من أفكار اليوم يشبه ما تداوله ذلك العصر. فقد كان يوجد مفكر مثل فرح أنطون وكان فكره علمانيا صرفا، وكان يوجد مقابله الشيخ محمد عبدو، والحوار الذي جرى بينهما أغنى الحالة الفكريّة في ذلك العصر وفتحها على كافة النواحي، وكان يوجد الكواكبي، ولو نشر كتابه “طبائع الاستبداد” اليوم، لأحدث ضجّة، فكيف سمح له أن ينشر في ذلك الوقت والحكم العثماني سائد في بلادنا؟

“عصر النهضة” نتج عنه صراعات سياسية على المنطقة في ذلك الزمان، وأدى إلى إنتاج أنظمة اطلق عليها تسميات “وطنية” و”قومية”، لكنها في الواقع أنظمة تم إنتاجها استعمارياً. من ناحية ثانية فإن اتفاقية سايكس بيكو وتقسيم البلاد العربية من قبل الاستعمار أجهض النتائج السياسية لما سميناه حركة النهضة في تلك الوقت.

أما حول الإسلاميين ودورهم في الربيع العربي الراهن، فإنهم تراجعوا تراجعاً واضحاً في تلك الفترة، فلمع دورهم في مرحلة الثمانينيات بصورة واضحة، من خلال الثورة الإسلامية الإيرانية وإعادة بروز الإخوان المسلمين، وما سمّي بالصحوة الإسلاميّة. لكن خطاب هذه القوى الإسلامية، بعدما أعطت الانقلابات العربية المواطن العربي وعودا، صرّح بما لا يقبله الواقع، فليس في الفكر الإسلامي السياسي أي مشروع في التنمية أو في الاقتصاد، أو في السياسة. الموجود هو خطاب عام، وفكرة الخلاص، والخلاص هنا في الإسلام. فاندفعت الجماهير العربية إلى الترداد أنه “نعم الخلاص في الإسلام”، و”الإسلام هو الحل”، وغيرها من الشعارات التي اشتهرت في ذلك الوقت.

ثم اكتشفت الجماهير أن ليس لدى الإسلاميين ما يقدمونه، وأن أكثر ما سيفعلونه هو الحلول مكان هذه الأنظمة دون أن يضيفوا شيئاً إيجابياً على الإطلاق. وبالتالي تراجع التيار الإسلامي الآن. ومظهر من مظاهر هذا الضعف هو سقوط الإخوان المسلمين بعد تسلمهم السلطة في مصر في أقل من سنة. وإذا أخذنا تجربة حماس في غزة، فماذا قدّمت هذه الحركة الإسلامية إلى شعبها أكثر مما قدمته حركة فتح؟ لا شيء، وبالتالي خسرت رصيدها.

أما لماذا استيقظت العصبيات المذهبية وبدأت بإحباط “الربيع العربي”؟ فلنعرف أن الربيع العربي ليس دولة أو مؤسّسة، ولا حتى حزب بإمكانه ان يطلق رؤيته الشاملة للعالم العربي. فمن يطلق هذه الرؤية هم النخب، وبالتالي نحن أمام تحولات لها طابع مصيري. فكل التكتلات الصغيرة تتحسس نفسها، خصوصا التكتلات الطائفيّة، والتكتلات القومية الإثنية الصغيرة أيضاً تخاف وتتحسّس ذاتها، على اعتبار أن لها مكاسباً من الأنظمة السياسية القائمة، وبالتالي لا تريد أن تغامر في خسارة هذه الأنظمة التي تحمي مصالحها.

وبالتطرق إلى المسألة الشيعية، فهل الشيعة أقلية؟ الشيعة طبعا هم أقلية في العالم العربي. في لبنان هم أكثرية ولديهم شعوران، شعور الأقلية وشعور الأكثريّة، الأقلية على مستوى العالم العربي، والأكثرية على مستوى الوطني والإقليمي، لكن السؤال هو: لماذا يتعاطف شيعة لبنان مع حزب الله الذي يتدخل في سوريا ويساعد النظام على قمع شعبه؟

هنا يجب ان نقر بكل جرأة أن الربيع العربي لم يحقق بعد مرتكزات قويّة يمكن الاستناد إليها لدى فئات خائفة ومتردّدة. لذلك فهؤلاء لا يريدون المغامرة، قد يكون في وعي الشيعة أن المستقبل ليس في هذا الانغلاق الذي يعيشونه، لكن هذا المستقبل لا يبدو واضحا…فيدفعهم إلى هذه العصبويّة. في لبنان بالذات لدى الشيعة شعور سابق وعقدة نقص سابقة، تقول إن كل الطوائف يوجد لها مرجعيات كدول داعمة لها باستثناء الشيعة. عندما قامت الثورة الإسلامية في إيران شعروا أن هذه هي القوّة التي يمكن أن تدعمهم. وأن يتركوا الآن إيران ويلتحقوا بالربيع العربي، فهذه مغامرة بالنسبة لهم، مع العلم أن هذه أول مرة في تاريخ الشيعة يقومون بنصرة حاكم ظالم على شعبه. وهذا أمر يعتبر شاذاً في التاريخ الشيعي الذي هو تاريخ نصرة المظلومين والتحاق بحركات التمرّد، فنأتي اليوم لنرى هذا المشهد العكسي.

هذا التغيُّر سببه وجود دولة مركزية كإيران في حالة الضعف العربي يشكل ركيزة لدى الشيعة. فإيران في سياستها هي ضد الربيع العربي، وتفضل بقاء الأنظمة العربية الراهنة لأنها قادرة على السيطرة عليها وعلى ابتزازها. إذا إيران ليست بوارد إنجاح ثورة الربيع العربي وهذا ما يجعلها تدفع بحزب الله إلى دعم النظام السوري.

إيران لها مصالح، فإذا أعطيت ضوءاً أخضراً من الغرب، لسيطرت على المنطقة كلها. ومن يتخيّل أن إيران كدولة إسلامية تنطلق من التخطيط لسياساتها بروح الإسلام هو مخطئ، فإيران قبل أن تكون إسلامية هي دولة فارسيّة عريقة، وطالما جرت صراعات طويلة بين الفرس والروم قبل الإسلام للسيطرة على المنطقة. وهذا الأمر ما زال موجوداً في الحسّ الإيراني، وبالتالي ينعكس في الرؤيا السياسية. فالسيطرة على العالم العربي هو طموح قديم ومسألة قائمة، وقد وُفِّقت إيران بأنها جعلت المدخل إلى العالم العربي هو النزاع مع إسرائيل ومقاتلتها، لذلك هم متمسكين بهذه الورقة، لكن طموحاتهم أبعد من ذلك. ففي سوريا مثلاً نظام بعثي وقد حاربت إيران نظام البعث العراقي، وسقط مئات الآلاف من القتلى بين البلدين، إذا ما الفرق بين النظام البعثي الذي كان في العراق وبين النظام البعثي السوري؟

نلاحظ أن إيران تستخدم منطقين، منطق الثورة كأيديولوجية وعقيدة لشحن شعبها وأنصارها في إيران والعالم العربي، ومنطق الدولة بكل معنى الكلمة، بما تمارسه من براغماتية سياسية. وهي كدولة كبرى من هذا النوع سكانها 70 مليون نسمة، سرعان ما يصبح الشيعة في لبنان كجماعة صغيرة ملتحقة بها طوعا… فتستفيد منهم إيران وتحصل بواسطة هذه الطائفة على موقع استراتيجي ممتاز. كما أنه ليس أيضاً من السهل أن تنقلب الطائفة الشيعية على إيران وتخسر مرجعيتها القويّة التي تحميها.

السابق
سيرة سريعة لسوق النبطية خلال 300 عام
التالي
السعودي فوبيا: إما نسونجي… أو إرهابي