كيانات النفط الجديدة!

فشلت المفاوضات الاميركية الايرانية، لان طهران تطلب الكثير، وتقدم القليل. هذا الفشل ليس نهائياً. لا احد يريد التسجيل على نفسه الفشل وأسبابه. ستعود المفاوضات، وسيبقى الباب مفتوحاً أمام صوغ اتفاق حل نهائي يُرضي الطرفين. طهران تضغط في العراق وسوريا، لـ»ترقص» في فيينا. مشكلتها ان واشنطن مهتمة بالعراق ولكن لا تعنيها سوريا. قرر باراك أوباما منذ ثلاث سنوات ترك سوريا «ملعباً» لحرب استنزاف. الجميع فيها خاسر.

«شراهة» طهران، اربكت واشنطن. الدولتان كانتا تستعدان للتعاون في العراق علناً، وليس سراً كما في العام 2003. طهران تعتقد ان «خط الزلازل» القائم، سيمكنها من فرض ارادتها وإنجاح مشروعها. سلاحها في العراق كما في سوريا: نوري المالكي او لا أحد. بشار الاسد او لا أحد. طهران مستعدة للقتال بهما ومعهما دون حساب للكلفة المادية، خصوصاً وان الخسائر البشرية عراقية وسورية ولبنانية.

هذا الاصرار الايراني، في ظل جمود اميركي واضح في العراق، وتراجع متكرر في سوريا، يدخل العراق في جهنم «السورنة». «داعش» عنوان كبير لتحالف اوسع اطاره العام، تبلور موقف سني رافض في العراق وسوريا. السنّة بكل مكوناتهم السياسية لن يقبلوا العودة الى الوراء. التهميش والقمع، دفعا شيعة العراق للاستجارة بالاميركيين ضد صدام حسين. حالياً، التهميش والقمع دفعا السنة للاستجارة حتى بـ»داعش» التي لا تتحملها اطياف واسعة منهم. الاعتراف المتبادل شرط واجب لقيامة العراق وسوريا.

لن يستطيع المالكي وكل القوى الطائفية والمذهبية إعادة الانبار الى سلطته. يجب ان تدخل ايران عسكرياً الحرب مباشرة حتى ينجز ذلك. ايران ليست مستعدة لذلك، لان الخسائر ستكون بعشرات الألوف ان لم تكن بمئات الالوف. والاخطر ان مثل هذا الانخراط سيفتح ابواب حرب سنية شيعية في كل مكان. امام هذا الخوف، فان التقسيم «دوفاكتو« قائم. اكثر ما يدعم هذا التقسيم، ليس النار المذهبية وحدها. النفط هو الذي يرسم خطوط التماس وحدود الكيانات الوليدة.

«شيعستان» العراقية تملك النفط، بما يفيض عنها. تقاسم القوى والعائلات الشيعية هذا النفط مضمون تحت الادارة المباشرة لممثل طهران فيها، سواء كان الجنرال سليماني او غيره. الأنبار وملاحقه يملك النفط وهو بذلك يشكل كياناً نفطياً جديداً، تتقاسمه القوى الموجودة. تركيا، التي حرمها «مقص» سايكس بيكو من النفط ستحصل عليه، بطريقة غير مباشرة. أيضاً كردستان تملك النفط، وحالياً وضعت يدها على كركوك. ليس لدى البرزاني مشكلة، لم يعد يخشى او يخجل من المساءلة. فتح على حسابه مع تركيا واسرائيل. ناقلات النفط بدأت ترسي مراسيها في ميناء حيفا.

لبنان، ربما يكون ظهور النفط فيه عامل جمع وضم، وليس عامل تقسيم. كون الغاز والنفط في البحر، فان استيلاء كيان واحد من الكيانات التقسيمية، صعب وربما مستحيل. لذلك يجب ان تتعاون المكونات اللبنانية على التعامل مع هذا الوضع النعمة، فتحافظ على الوحدة اللبنانية حتى يكون النفط والغاز للجميع او لا لأحد. الباب مفتوح امام اللبنانيين، فهل ينجحون في الدخول في «جنة» الوحدة، او يوصدونه ليحترقوا في «جهنم» التقسيم؟!

في وقت تتقدم فيه «داعش» وتضع الجميع امام مصير أسود ودموي، لا يمكن ان يعتمد اللبنانيون على الوقت والآخرين، للنجاة. خلاصهم بيدهم او لا يكون.

سقوط الموصل فاجأ الجميع. لا شيء يحول دون وقوع مفاجآت غير محسوبة وغير متوقعة، تسقط حتى الذي لم يحسب حساباً لسقوطه.

السابق
السنّية السياسية والشيعية السياسية
التالي
لبنان والمنطقة على مفترق خطر