عباس إبراهيم.. والمغامرة الممنوعة

بين رأس بيروت وضهر البيدر، جدّد الإرهاب تقديم أوراق اعتماده في دلالة مباشرة، حذّر منها كثيرون، على أن بركان العراق لن يتأخر في رمي شرارته باتجاه الداخل اللبناني.
وقد اكتسب التفجير الانتحاري الذي استهدف حاجز قوى الأمن الداخلي في ضهر البيدر بعداً أكثر حساسية مع ربطه باحتمال محاولة اغتيال المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم الذي كان موكبه متوجّها في التوقيت نفسه لحدوث التفجير نحو البقاع.
الربط كان منطقيا وليس غريبا عن خريطة التوقعات الأمنية. هو الضابط الذي يعمل على خط تماس الدول، ويتابع أكثر الملفات الداخلية خطورة وحساسية وتعقيدا.
استيقظ ابراهيم فجرا. أدى الصلاة وتوجه الى مكتبه قرابة الخامسة صباحا. ثمة روزنامة مواعيد طويلة في انتظاره. فاجأته برقية صباحية من جهاز أمني غربي تتضمن معلومات أمنية. المعلومات نفسها وصلت، حسب مرجع رسمي، الى فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي ومخابرات الجيش.
حصل ذلك قرابة السادسة والنصف، ولم تقترب عقارب الساعة من السابعة حتى كان ممثلو الأجهزة الثلاثة مجتمعين برئاسة ابراهيم وفي مكتبه في مقر المديرية في المتحف. طرحوا الاحتمالات وعرضوا الاستنتاجات، وتولى المدير العام للأمن العام تقديمها عبر الهاتف الى وزير الداخلية نهاد المشنوق.
نصح ابراهيم، استنادا الى برقية الجهاز الأمني الغربي وتقاطعها مع معلومات المديرية، بضرورة إلغاء مؤتمر الأونيسكو الذي كان سيشارك فيه الرئيس نبيه بري ووزير الداخلية.
وقال لبري: إذا قررت أن تنزل إلى الأونيسكو فأنا مضطر أن أكون معك.
غير أن المفارقة اللافتة للانتباه أن من يسهر على الأمن العام في البلد ويتولّى في كثير من الأحيان توجيه النصائح للسياسيين من باب حماية شبكة أمنهم الذاتي، لا يتوانى عن المغامرة بأمنه. كثيرا ما وجّهت النصائح اليه أيضا بضرورة توخي الحذر، على قاعدة أن أمنه من أمن كل اللبنانيين، وأن استهدافه صار عنصر تقاطع بين مجموعات إرهابية على خلفية الملفات المتعددة والمتشابكة التي يتولى إدارتها، وبعضها يتسم بطابع اقليمي خطير.
قبل أيام قليلة صعد الى بنشعي برغم النصائح الموجهة اليه، وأمس توجّه موكبه نحو البقاع. الرجل في حركة لا تهدأ. عادة ما يسلك موكبه الطريق الدولية نحو البقاع، وليس الطريق الفرعية، كونها منطقة مفتوحة، ويصعب توقف السيارات على جوانبها، كما أن عناصر الحماية التابعين له يقومون بمسح دقيق للمسارات التي يسلكها موكبه، أو بالأحرى مواكبه، وهم يتصرفون وفق معادلات يضعها هو بالدرجة الأولى.
في الفترة الأخيرة انكب اللواء ابراهيم على متابعة ملفات أمنية لها علاقة بشبكات إرهابية بالغة الحساسية، وذلك بالتنسيق مع قيادة الجيش و«فرع المعلومات». وكانت ترد الى المديرية تباعا تقارير تتحدّث عن التحضير لعمليات اغتيال تستهدف شخصيات أمنية وسياسية، ومن بينها تقرير خاص يشير الى إمكان استهداف اللواء ابراهيم بوصفه أحد رجال الأمن الأوائل في المنطقة.
وكان المدير العام للأمن العام في الأيام الماضية في صلب القرار الامني المتّخذ الذي ترجم استنفارا بحدّه الأقصى تحسباً لحصول تفجيرات انتحارية في الضاحية على خلفية انتعاش بعض الخلايا الإرهابية النائمة، وخصوصا تلك التي تعمل تحت راية «كتائب عبدالله عزام».. في ضوء ما يسميها هؤلاء «الثورة السنية في العراق».
جاء ذلك، بعد فترة استرخاء نسبي شهدته الضاحية والمناطق بعدما أوحى تشكيل الحكومة الجامعة لأطراف الصراع بأن صفحة التفجيرات الانتحارية قد طُويت، وإن مؤقتا، على خلفية سقوط يبرود آخر معاقل الإرهابيين في القلمون السورية.
لكن الحدث العراقي فرض نفسه مجددا. استدعى ذلك استنفارا غير مسبوق رصدت معالمه ليس فقط على الأرض، بل في تحرّكات العديد من القيادات السياسية. ابراهيم كان حلقة وصل أساسية مع هذه القيادات.
صبيحة يوم أمس، كانت الأجهزة الأمنية في قمّة الاستنفار بعد توافر معلومات عن إمكان حدوث أكثر من تفجير انتحاري في اليوم نفسه. لم يمنع الأمر اللواء ابراهيم من الانطلاق من بيروت، باتجاه البقاع.. وكان ما كان…

رواية «الجديد»

أوردت قناة «الجديد» رواية للعملية الإرهابية في ضهر البيدر، جاء فيها:
«انطلق المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، صباح امس، باتجاه المصنع وزحلة لعقد لقاءات هناك وكان في إحدى السيارات ضمن أربعة مواكب للتمويه بعد أن تصاعد الخطر والتهديد الأمني في الايام القليلة الماضية.
وقد وصل أحد المواكب الى منطقة صوفر، فاشتبه أمن إبراهيم بسيارة من نوع «نيسان مورانو» فضية اللون واكبته لبعض الوقت ثم تخطاها أحد المواكب.
وعندئذ تواصل أمن اللواء إبراهيم مع قوى الأمن الداخليّ محدداً المنطقة لتتبع مسار سيارة «المورانو» على طول الخط الدولي، وهذا ما حصل. وعندما وصلت «المورانو» الى حاجز ضهر البيدر طـُلب إلى سائقها التوقف إلى يمين الطريق وتقدّم المؤهّل محمود جمال الدين من السائق وطلب منه الترجّل من سيارته لتفتيشها.
في هذا الوقت كان قد مرّ الموكبان الأول والثاني الوهميّان للواء إبراهيم وعندما شعر الانتحاري بأنه سيُكشف أمره فجّر نفسه، فيما كانت السيارة التي يستقلها اللواء ابراهيم تبعد نحو مئتي مترٍ عن الحاجز.
وقد شاهد اللواء ابراهيم النيران فترجّل عناصره وعاينوا موقع التفجير سريعاً والأضرار ثم عاد الموكب أدراجه إلى بيروت».

السابق
هل يذهب حزب الله إلى العراق؟
التالي
حزب الله والحسابات الخاطئة