مَن أرسل الإنتحاريين؟ مَن يُهدِّد الحريري؟

يتراقصُ الأمن اللبناني على توازنٍ فضائحي دقيق: «أنا أُوقِفُ الإغتيالات ولا أستهدف الرئيس سعد الحريري إذا عاد، وأنت تلجُم الإنتحاريين وقادة المحاور». إنه توازنٌ خادع، لكنه مفضوح. ووفق مقولة جورج نقاش: سلبيتان لا تصنعان أمناً!
مخيفٌ أن يعود شبح التوتر الأمني والإرهاب الإنتحاري إلى لبنان لمجرد إنتصار «داعش» وأخواتها في العراق والشام. فالقراءة هنا تقود إلى إستنتاجات وأسئلة مذهلة:

1- الذين حرّكوا الجبهات في لبنان أخيراً نفّذوا أوامر إقليمية إلى أن وردت إليهم الأوامر بالإنكفاء. أمّا الإنتحاريون فلم يكونوا مجرد «مجانين» متطرفين يرغبون في الموت إفرادياً، بل هم أداة في أيدي بعض المحاور الإقليمية. وهذه المحاور تقف وراء إنتصار «داعش» وتستثمره لزيادة أرباحها في أماكن عدة.

2- إستطراداً، إذا كانت العمليات الإنتحارية التي ضربت مناطق شيعية لبنانية وسفارة إيران قد توقفت لأنّ المحور الإقليمي السنّي أبرم هدنة موقتة مع المحور الإقليمي الشيعي، فهل هذا يعني أنّ المحور السنّي، أو بعض أطرافه على الأقل، بدأ اليوم «إنتفاضة» جديدة، بعد سقوط الهدنة؟

3- إذا لم تكن هناك تغطية سياسية لمفتعلي التوترات وظاهرة الإنتحاريين، فكيف يفسَّر إنضباط الإنتحاريين تماماً، وإنضباط أمن عرسال وطرابلس والمخيمات وسواها، منذ التوافق على حكومة الرئيس تمام سلام؟

4- إذا كان صحيحاً كلّ ذلك، فهذا يعني أنّ لبنان معرَّض، في أيّ لحظة، للعودة إلى التفجير.

لكنّ للصورة وجهاً مقابلاً. فخصوم المحور السوري – الإيراني يتَّهمونه بممارسة نوع آخر من الإرهاب. وهم يحمّلونه المسؤولية عن أعمال عنف جرت في مناطق عدة، وعن عشرات الإغتيالات ومحاولات الإغتيال وأعمال التفجير منذ العام 2004. وهذه الأعمال باتت من إختصاص المحكمة الدولية.

والأبرز هو تلقّي الرئيس سعد الحريري عرضاً من النائب ميشال عون يضمن فيه أمنه على الأراضي اللبنانية، إذا أتيح لعون أن يتولّى منصب رئاسة الجمهورية. وليس هناك ما هو أكثر تعبيراً عن الحجم الفضائحي للعبة الأمن في لبنان من هذا الوعد… إذا كان صادقاً. فهو ينطوي على إستنتاجات مريعة:

1- إنّ عون يعرف، أو يعترف، بأنّ الحريري مهدّد فعلاً في أمنه، وأنه موجود في الخارج لهذا السبب وليس لأيّ سبب سياسي آخر. وهذا يعني أيضاً أنّ الجهات الراغبة في إستهدافه، قد ترغب في ملاحقته وإستهدافه حتى في أماكن وجوده خارج لبنان، لو أُتيح لها ذلك أو وجدت مصلحة فيه.

2- إنّ عون يعرف جيداً مَن هم الذين يريدون إستهداف الحريري.

3- إنّ عون يستطيع «المَوْنة» على الجهات التي تستهدف الحريري لتعطيل محاولاتها، إذا قرَّر الحريري أن يأتي إلى لبنان… طبعاً مقابل ثمن يتقاضاه عون، هو موافقة الحريري على إيصاله إلى بعبدا.

4- أوضحت مصادر عون أنّ ما قصده من كلامه هو أن يتولّى المسؤولية عن أمن الحريري وسائر القادة اللبنانيين من موقعه المسؤول كرئيسٍ للجمهورية. وهذا يعني أنّ عون يستطيع أن يتخذ موقفاً لامبالياً في ملف أمن الحريري، إذا لم يصل إلى موقع الرئاسة. فهل يعني ذلك، مثلاً، التنكّر للمعلومات التي ربما تتوافر له في هذا الملف؟

وهكذا، يبدو لبنان، وجزءٌ كبير من اللبنانيين وقادة المذاهب والطوائف والعشائر بينهم، في آن معاً، أدوات لمحاور معينة وضحايا لمحاور أخرى. والجميع راضٍ بمصيره في الشقين: الأداة والضحية!

وإزاء العجز الرسمي الكامل عن القيام بأيّ شيء، تبيّن أنّ ما يخيف وزارة الداخلية هو وقوع فتنة مذهبية أو طائفية بين أنصار ألمانيا وأنصار البرازيل… فمنعت المفرقعات التي تحتفل بالمونديال.

وهذا القرار في محلّه بالتأكيد. لكنّ المفرقعات الأخرى، تلك المدوّية فضائحياً أو الهامسة فضائحياً، مسموح بها، على طريقة المسرحية الرحبانية الشهيرة: «يللي سلاحو ظاهر ما بدّو تفتيش»!

السابق
حادث سير على اوتوستراد المدينة الرياضية تسبب بأزمة خانقة
التالي
القوى الأمنية تشدد اجراءتها على حواجزها في النبطية