مزارعو الحشيشة: التشريع وإلاّ البدائل

هؤلاء المزارعون لا يزالون ينتظرون حلاً جذرياً من دولتهم، يعود ملفهم الى الواجهة مع بداية كل موسم لزراعة الحشيشة، قضية لم تغب عن اذهانهم يوماً وانما غابت مراراً عن جداول أعمال الدولة. في تلك السهول الشاسعة التي غطتها النبتة الخضراء في سهل بوداي والكنيسة ودير الاحمر، كانت لنا جولة وجلسات مطولة مع المزارعين الذين تجمعهم ذاكرتهم بالعودة الى الوراء الى عهد الرئيس كميل شمعون الذي كان يتنقل في تلك الحقول ليمارس هواية الصيد المفضلة، وكأنهم يستطردون القول بروايتهم تلك “هذه الزراعة قابلة للتشريع”.
معاناة
هي معاناة لا يعرفها إلا من يعيش واقعهم في تلك القرى، يقول علي نصري شمص أحد المزارعين، شخصية باتت تألفها وسائل الاعلام، هو مدافع للرمق الاخير عن حقوق المزارعين في البقاع، “هي مورد عيشنا، نأكل ونعيش ونعلم اولادنا ونطببهم من خلالها… لا يمكن الاستغناء عن هذا المورد بسهولة”. يؤكد شمص انّه سيدافع عن موارد رزقهم “لا بالسرقة ولا بالخطف… لانّه إمّا ان يعيش المزارع طافراً ظلماً، وإما ان يعيش طافراً من الجوع والفقر، وكلاهما صعب”.
لا تتلمس اللهجة نفسها لدى الحديث مع كل المزارعين حيث تتناقض آراؤهم في ظاهرها ولكنها في الجوهر تصب عند الهدف عينه فتتشابه الكلمات كما تتشابه السهول. جميعهم متمسكون بزراعة الحشيشة، منهم من ينتظر التشريع أو ايجاد البدائل، وآخرون غير مبالين بأية حلول، يقول أحد المزارعين “زارعينها زارعينها”، سواء “شرّعت الدولة ام لم تشرع، البديل لا يزال مفقوداً، ولا يمكن التخلي عن هذه الزراعة في ظل غياب البديل”.
بين الحشيشة والقمح
يشرح مزارع آخر بعض الفروق بين زراعة الحشيشة وزراعة القمح على سبيل المثال، موضحاً انّ كلفة ضمان دونم الأرض هي حوالي المئة ألف ليرة، حراثتها تكلف حوالي الخمسين ألف ليرة، وسعر كيلو بذور الحشيشة ألف ليرة وكلفة ري الدونم المزروع حشيشة حوالي عشرين ألف ليرة اي الكلفة الإجمالية لا تتعدى المئة وسبعين ألف ليرة، وهي تقريباً نفسها كلفة انتاج دونم القمح. ولكن دونم الحشيشة يوفر ما بين خمسمئة دولار وثلاثة آلاف دولار بينما اذا ما سجل دونم القمح ربحاً فانّه يبقى متدنياً وغالباً ما يقع مزارع القمح في الخسارة.
بدائل
ويعتبر آخر في سياق الحديث عن البدائل “معظم البدائل التي تمّ طرحها من قبل الدولة اللبنانية كبديل عن الحشيشة بدائل غير مجدية، “البطاطا والقمح والبصل والزعفران والشمندر السكري كلها زراعات لا يمكن أن توفر للمزارع قوت يومه ليس لأن مردودها قليل بل لأنها وفي أكثر الأحيان تتأثر بالظروف المناخية وتسبب له الخسارة”. فالبطاطا وحسب شمص تحتاج إلى الكثير من الري والمياه وهذا غير متوفر في ظل ما تعانيه المنطقة من شحّ وجفاف، كذلك الأمر بالنسبة للشمندر السكري الذي يحتاج إلى كميات كبيرة من المياه لكي يوفر نسبة السكر المطلوبة فيه، وقد حاول المزارعون في البقاع زراعة الشمندر السكري ولكنه لم ينجح حيث رفض معمل الشمندر السكري استلام الإنتاج من المزارعين لنقص نسبة السكر المطلوبة فيه. أمّا بالنسبة للزعفران، فقد طُرح أيضاً كبديل عن هذه الزراعة ولكن في ظلّ غياب اي ترشيد أو توجيه زراعي للمزارع فإنّ ذلك غير ممكن، فالمزارع لا يعرف شيئاً عن النبتة وعن كيفية ومتطلبات زراعتها.
القمح والتبغ
بالإضافة إلى البدائل السابقة طُرح القمح والتبغ “الدخان” كبدائل عن الحشيشة، وحسب المزارعين تُعتبر زراعة القمح أكثر جدوى وفعالية من البدائل السابقة في حال تمّ اتخاذ إجراءات من قبل الدولة لتشجيع هذه الزراعة. ينجح القمح كبديل عن الحشيشة في البقاع، يقول أحد المزارعين، ولكن “يجب على الدولة أولاً إيقاف استيراد القمح من الخارج حيث تبلغ كلفة كيلو القمح 900 ليرة وشراء القمح من المزارع البقاعي بالقيمة نفسها بدلاً من 450 ليرة”. ويتابع آخر” للأسف فإن السماسرة في لبنان يستفيدون غالباً من هذا الوضع فيشترون القمح من المزارع البقاعي بالقيمة المتدنية ويبيعونه بالقيمة المرتفعة”.
أمّا بالنسبة للتبغ، فيقول شمص انّه لا بدّ لكي تحلّ زراعة التبغ مكان زراعة الحشيشة من العمل على تنظيم رخص التبغ من جهة، لأنها وللأسف تُعطى لغير المزارعين من الضباط والأطباء والمهندسين طبقاً لقانون المحسوبيات فعلى سبيل المثال إن 80% من الرخص الموزعة في بلدة بوداي معطاة لأشخاص لا يعرفون شيئاً لا عن الزراعة ولا عن البلدة، وأمام هذا التوزيع غالباً ما يُضطر المزارع لاستئجار هذه الرخصة بحوالي المليون ليرة وبالتالي فإنّ كلّ عشرة دونمات بحاجة إلى رخصتين لتسليم 600 كيلو، لأنّ الرخصة الواحدة تسمح له بتسليم 300 كيلو، وهنا كان الطرح بأن ترفع إمكانية التسليم على الرخصة إلى 400 كيلو ما يساهم في تحسين وضع هذه الزراعة.
ويشير شمص إلى أنّ هناك أشخاصا من غير المزارعين يملكون مئات الرخص ويؤجرونها في الوقت الذي يجهد فيه المزارع للحصول على رخصة واحدة لتصريف انتاجه، وكذلك ان تشتري الدولة كيلو التبغ بالسعر المتعارف عليه الذي يبلغ 15 ألف ليرة وليس سبعة آلاف ليرة…
التشريع نهاية المطاف
بعد المواجهة في العام الماضي بين القوى الأمنية والمزارعين والتي لا يحبذها الطرفان كما عبّر شمص، بدأت بعض الجهات الرسمية في الدولة اللبنانية تتبنى مطالب المزارعين وبالتحديد مزارعي الحشيشة في منطقة البقاع بإيجاد مشروع قانون يشرّع زراعة الحشيشة ولكن ضمن آليات محددة ووفقاً لخطة زراعية معينة، وكان النائب اميل رحمة من أبرز المتبنين لمشروع القانون الذي يهدف لتشريع زراعة الحشيشة للاستفادة منها في المجال الطبي.
طرح يقضي أن تصبح الحشيشة مثها مثل اي مورد يُسمح بزراعتها ويُفرض ضرائب عليها، ويتم تصريفها للأدوية والاستعمالات الطبية، ولا يزال هذا المشروع قيد الدراسة لا سيما في ظل الضعف الذي تعاني منه الدولة وخوفها من عاقبة تشريع هذه الزراعة دون توفر الآليات الكفيلة بضبطها وضبط تصديرها.
ويتوقع شمص وغيره من المزارعين أنّه في حال شرّعت زراعة الحشيشة في البقاع فإنّ الذي لم يزرع طوال حياته حشيشة سيزرع، فهي المنفذ الوحيد للمزارعين في واقعهم المزري. وعليه فان كميات المساحات المزروعة ستتضاعف وبشكل ملحوظ، فهي التي كانت تزرع في العام 1960 بكميات قليلة تكاد لا تذكر، بدأت تتضاعف منذ العام 2011 الذي كان عام المواجهة مع الدولة كما يصفه المزارعون لتصل كمية الدونمات المزروعة في بلدة بوداي فقط إلى ألفي دونم على سبيل المثال، وفي العام 2014 ومن البقاع الغربي إلى الهرمل بلغت المساحات المزروعة أربعة أضعاف تلك التي كانت في السنوات السابقة، وفي حال التشريع فمن المتوقع أي يصبح البقاع “اهراءات روما” في مجال زراعة الحشيشة.
ويبقى ملف شرعنة زراعة الحشيشة محيّداً عن جدول أعمال مجلس النواب من جهة وعن حسابات البعض ممن يفضلون أن يبقى المزارع في البقاع ضعيفاً “لغاية في نفوسهم” فلا يوفرون له الدعم الكافي في هذا الاتجاه. أمّا المزارع فيناضل لتبقى زراعة الحشيشة موردا لأنها على حدّ تعبير أحد المزارعين “نبتة أصيلة لا تضيع تعبهم وجهدهم …”، وفي حال تشريعها فهو مستعد لزراعتها ضمن الآليات والشروط التي تحددها الدولة.
السابق
استبدال المعلمين بالكمبيوتر بداية 2016
التالي
بدعة الديمقراطية التوافقية