عملت إيران بنفوذها في المنطقة على إيقاظ مارد التطرّف والعنف من غفوته، فمَن سيتحمّل كلفة استفاقة المارد، وهل ستستمرّ إيران بسياسة التحدي عبر ما يقوم به «حزب الله» في لبنان، والمالكي في العراق، والأسد في سوريا، وما هي نتائج هذا النفوذ وكلفته وآثاره في منطقة تغلي بالحروب المذهبية. يبدو المورفين الذي يضخّ في لبنان قادراً حتى الساعة على استيعاب آني لموجة التطرف.
هذا الاستيعاب الذي تمثل بتوافق الحد الأدنى على تشكيل الحكومة بين «حزب الله» و»تيار المستقبل»، والذي سيترجَم بتجميد الوضع الأمني، وبالتمديد للمجلس النيابي، وباستمرار عمل الحكومة والمجلس النيابي، على رغم الفراغ الرئاسي، يدفع كلفته الاعتدال السنّي الذي يجد نفسه مطالَباً بإجراء عملية جراحية لمريض لم يتسبب بمرضه، ذلك مخافةَ أن تؤدي العدوى الى شيوع التطرف والعنف، بحيث يتخطّى العراق وسوريا الى لبنان ودول الخليج العربي.
لهذه الاسباب سيكون التفاهم البارد بين «حزب الله» و»تيار المستقبل» على عدم استيراد الأزمة الى لبنان، مرشحاً للتطوير أكثر فأكثر، لأنّ أيّ خلل قد يصيب هذا التطبيع الآن، سوف يعني استيراد ما يحصل في العراق وسوريا الى لبنان، بحيث تصبح الطريق من بغداد الى سوريا فبيروت، معبّدة بمظاهر التطرف والعنف، وهذا ما يقلق كثيرين من المراقبين، الذين يجدون في ما حصل في العراق انذاراً أوّلياً يفيد بقدوم موجة عاتية سوف تجرف معها الحدود الوطنية للكيانات، كما ستعمّم المواجهة المذهبية في كل المنطقة.
في ظلّ هذا الجنون الجامح الذي يقترب بسرعة، هل ما زال هناك مِن أمل بمراجعةٍ يقوم بها مَن قرّر إيقاظ المارد؟ هل مِن مراجعة للمشاركة في القتال بسوريا؟ هل مِن مراجعة لبقاء المالكي على رأس الحكومة العراقية؟ وهل مِن مراجعة لدعم النظام السوري بما يقوم به؟ الأرجح انّ كل ذلك لن يتمّ، فما يظهر من مؤشرات على الموقف الإيراني يوحي بأنّ سياسة الانتحار مستمرة في العراق وسوريا، وبأنّ معالمَ حلفٍ جديد تتكوّن مع الأميركيين لمحاربة «الارهاب» المتفق على تعريفه.
لكن هل تدخل واشنطن في رمال المنطقة من جديد، أم تستمر بالتفرج على صراعٍ مذهبي مطمئنةً الى أنّ إسرائيل هي الأخرى تتفرّج سعيدةً من بعيد؟